عزيزي الليبرالي
أستطيع أن أعرض اعتراضك ، كالتالي :
أنا أرفض الشريعة الإسلامية ، لأنها متأخرة زمانيا .
دعني أصحح بعض النقاط :
1- تقول :
اقتباس:وإذا اختزلنا عمر الإنسان في الأرض إلى 24 ساعة هي مدة اليوم الواحد نجد أن معرفة الإنسان بالله السماوي لا تتجاوز 10.000 سنة تبدأ من لحظة نزول آدم وحواء إلى كوكبنا الأزرق وهي مدة لا تتجاوز الثواني من عمر الإنسان .
هنا مغالطتين :
الاولى ، انك تضع " حواء وآدم " بعد ظهور البشر وامتداد ، بينما هما ، حسب التوصر الإسلامي : أصل البشر . فلا بشر قبل آدم وحواء ، سواء كانا مخلوقين رأسا ، أم نتيجة تطور .
الثانية ، أنك تحدد نزول آدم وحواء بـ: عشرة آلاف سنة . وهذا تحديد ، لا دليل لك عليه . بل إنك هنا تتبنى أطروحة : التوراة . وهذا أمر لم يرد في القرآن .
لذلك ، أول إنسان على وجه الأرض ، هو آدم . وكان يعرف الله . البشرية عرفت الله منذ طلوعها ، ولا معنى لكلامك أبدا .
2- تقول :
اقتباس:أي أن الله في رسالاته الثلاثة السماوية كان ذو ظهور متأخر للغاية وحتى لو ذهبت أيها الصديق العاقل لافتراض زيادة في عمر آدم وزوجته حواء، فلن تتوغل في الزمن أكثر من ثواني معدودات غير ذات قيمة مقابل العمر الكلي للإنسان المعاصر ..
أنت هنا تحدد رسالات الله ، بانها : ثلاث فقط .
وهذا تحكم منك ، وادعاء بلا مبرر . الرسل والرسالات ، كانا منذ وجود البشرية ، وكل أمة قد بعث فيها رسول ، حتى محمد ، كان آخر الرسل . هذا كلام القرآن .
ابتدأت ظاهرة الرسالة مع نوح ، وما زالت تتكرر وتتوالى ، حتى ختمت مع محمد . هذا منطوق القرآن .
فالله كان ذو ظهور مبكر ، اذا استخدمنا مصطلحاتك .
3- تقول :
اقتباس:وأن الخالق انتظر على الإنسان ملايين السنين تركه يعبد فيها أغلب رموز الظواهر الطبيعة، المبهمة و الغير مفهومة، ليدرك أخيراً وفي الثواني الأخيرة من حياتنا بأن هذا الإنسان غير جدير بصنع شريعة خاصة به بدليل أن الرسالة المحمدية قد احتوت على شريعة من صنع الله ، شريعة جديرة بأن تبدى عن سواها .
صبر إذاً ملايين السنين ليضع بعدئذ خمسة مبادئ أوردتها في مشاركتك وهي مبادئ لا أجدها جديدة البتة أين هي من الأسئلة الأربعين التي يسألها إيزيس للصاعد إلى السماء ..
المبادئ المصاغة من قبل الفراعنة قبل زمن الرسالة بثلاثة آلاف سنة تعتبر تحفة من تحف البشرية .
يفترض بك ، قبل أن تنقد امرا ، أن تعلم ماهو هذا الأمر . وأنا لا أراك تعرف عن الشريعة شيئا ألبتة .
لما تكلمت عن : المقاصد ، قلت : هذه ثورة .. هذا فتح . وقد بينت أنها قديمة قدم الأصول .
والآن تتكلم كلاما لا يحمل أي معقولية . إليك هذا الكلام :
أ- أنت تنطلق من فرضية " الشرك سابق على التوحيد " ، وهذه فرضية لا تملك أي دليل عليها . بل أنت هنا تتبنى نظرة اوروباوية مركزية ، تتكلم عن كل الحضارات التي سبقت الغرب ، كلها كانت أقل منها وما زال كل شيء يتطور ، الدين ، العلم ...إلخ ، حتى وصل الى القمة التي كانتها اوروبا .
[ نحن الأقوى لأننا بيض وشقر وأذكياء وعقلانيون ، ولأن ديننا ، برغم أننا وضعناه في المتحف ، هو الأرقى والأكثر تطورا ]
ببساطة ، أسألك : كيف تقوم ببناء نظرية كاملة ، على مقدمة لم تسلم لك . ولم تقدم ، بل ولا تملك ، عليها أي دليل ؟
من أين لك : أن عبادة الظواهر كان هو الأصل ؟
على الرغم أننا بهذا نبتعد عن جوهر موضوعنا ، إلا انني أستغرب من هذه الأحكام الجازمة اليقينية ، بل أني أقول : ماذا تختلف هذه اليقينات عن يقينات متعصبي المؤمنين ، أليست في نهاية تحليل : الأمر ذاته .
ب- أنت تفترض أيضا أن الشريعة لم توجد أبدا ، إلا مع محمد ، ودين محمد . وهذا افتراض باطل .
الله ، منذ آدم ، وهو ينزل شرائعه ، التي تتناسب مع حال البشر . وكانت كل شريعة خاصة بمكان أولئك القوم وزمانهم ، كشرائع موسى . الفرق ، في شريعة محمد ، انها خاتمة ، وتحتوي على صلاح كل زمان ومكان ، يما جاءت به من مقاصد ، فهي رحمة للعالمين .
أنت ترفض هذه الجزئية ، جزئية : صلاحها لكل زمان ومكان . وهذا ماناقشك فيه ، وانت دائما تخرج عن هذا الموضوع لمناقشة مسائل لاهوتية كلامية .
انا قلت لك : افترض هذه الشريعة من محمد ، ليست من الله ، مالذي يجعلك ترفضها ؟
كررت هذا السؤال في كل مداخلة ولم اجد اجابة عليها .
ج- أخيرا ، أنا طرحت الاربع مبادئ تلك ، على انها أمثلة ، وليست كل الشريعة .
4-
اقتباس:فمفهوم التشريع الإلهي يفترض من حيث النتيجة أن الله لا يؤمن بالشرائع الموجودة قبل إنزال رسائله ويعتبرها ناقصة، أي أن الشرائع الرومانية العظيمة والتي تعتبر حتى يومنا هذا الهيكل الأساسي للتشريعات الحديثة والتي طعمت فيما بعد بمبادئ حقوق الإنسان الخارجة من رحم الثورة الفرنسية والتي استمرت في تطورها ألف عام تقريباً هي مسخ غير مقبول ..
هذا اتهام مرفوض .
أولا لأن الشرائع الرومانية ليست عظيمة ، وليست كاملة . إذ انه لا توجد شريعة كاملة ، لوجود الشر والخير .
ودعنا نجري مقارنة بسيطة بين الشريعة الإسلامية والرومانية ، التي تصفها بالعظمة .
1- يقسم القانون الروماني البشر إلى ثلاث طبقات :
أ- طبقة المواطنين : والمواطن هو : الشخص المضموم إلى أحدى القبائل الرومانية إما مولدا او تبنيا او عتقا أو منحة من قبل الحكومة . وهذه الطبقة تنقسم - حسب اكتسابها للحقوق الأربعة : الإقتراع ، التوظف ، الزواج بحرة ، الدخول في تعاقد تجاري يحميه القانون – إلى ثلاثة أقسام : 1- مواطنين كامليت يتمتعون بكل الحقوق ، 2- مواطنين لا حق لهم في الإقتراع وتولي المناصب ، 3- المواطنين الذين يتمتعون بحقي الاقتراع والتعاقد فقط .
ب- طبقة الأباء ، الذين كان لهم مطلق السلطة في الأسرة .
ج – العبيد ، الذين لم يكن لهم أي حق . بل إن تعريفه : إنسانا غير شخص !
والشريعة الإسلامية تنفي أي فروق بين البشر لا لعرق ولا للون ولا لمكانة ولا لأي شيء ، فقط بالتقوى .
وكانت الشريعة الإسلامية أول الشرائع التي أعطت الرقيق حقوقا ، وبيان ذلك كالتالي :
أ- لا يوجد في القران ما يدل على الأمر بالاسترقاق ؛ بل يوجد الأمر بالإعتاق .
ب- لم يثبت أبدا أن الرسول استرق بل على العكس ؛ فقد أطلق أرقاء مكة وأرقاء بني المصطلق ومن كان في يده من الأرقاء في الجاهلية .
ج- أن الخلفاء الراشدين الأربعه قد ثبت أنهم أسترقوا ؛ على قاعدة المعاملة بالمثل لأعدائهم .
ولم يبيحو الرق الا من هذا الوجه . وحرموا كل وجه آخر ، بل ان المقولة الشهير لعمر هي ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) .
ما هي معاملة الإسلام للرقيق ؟
- أوصى بهم ، قال تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ).
وورد عن رسول الله : ( اتقوا الله في ما ملكت أيمانكم )
- نهى أن ينعت بما يدل على تحقيره ؛ قال عليه السلام ( لا يقل أحدكم عبدي أو أمتي وليقل فتاي وفتاتي ، وغلامي ) .
- أمر أن يأكل أو يلبس من مال المالك ؛ عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( خولكم ( = خدمكم ) إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فأن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم ) .
- نهى عن ظلمهم او إيذائهم قال عليه الصلاة والسلام : ( من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته عتقه ) .
ويروي ابن مسعود : ( بينما أنا أضرب غلاما إذ سمعت صوتا من خلفي فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اعلم ابا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) فقلت : هو حر لوجه الله .. فقال : ( لو لم تفعل لمستك النار ) .... واعطي القاضي الحق في اعتاقه اذا ثبت انه يعامله بقسوة ..
- دعا إلى تعليمهم وتأديبهم .. في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له جارية فعلمها وأحسن إليها وتزوجها كان له أجران في الحياة وفي الأخرى )
- دعا إلى تحريرهم ، واستخدم بذلك وسائل عدة :
* جعل عتقها طريقا الى الجنه قال تعالى : ( فلا اقتحم العقبة ، وما أدراك مالعقبة ، فك رقبة )
* العتق كفارة للحنث باليمين ..
* العتق كفارة حالة الظهار ( = أي حين يقول الرجل لامراته انت علي كظهر أمي )
* جعل من مصاريف الزكاة شراء الأرقاء وعتقهم ..
* أمر بمكاتبة العبد على قدر من المال .
* من نذر أن يحرر رقبة وجب عليه ذلك حين تحقق مقصوده .
نجد كل هذا ، في الوقت الذي يفرض القانون الروماني ضرائب على من يعتق عبده !
2- القانون الروماني لا يعطي المرأة أي حق على نفسها . بل هي دائما خاضعة لولي من الذكور .
والشريعة الإسلامية اعتبرت المراة إنسانا مكلفا له ما للذكر وعليه ما عليه . لها حقوق وعليها واجبات . تبيع وتشتري وتمتلك وتورث وترث وتوصي وتتولى المناصب وتشارك في السياسة والحرب والإفتاء والفقه . فكيف يقارن هذا بالقانون الذي يقضي أن أيما امراة جلست مع رجل سنة كاملة تصبح ملكه . فكانت النساء حتى يتهربن من هذه الملكية يقضين ثلاثة أيام من السنة بعيدا عن الرجال ، حتى لا يتم امتلاكهن .
ثانيا ، لأنك تقيم فصلا تاما بين الشريعة وباقي الشرائع . وهذا يصدق على الشريعة كنظام ، تنتظم فيه الاولويات . لكن ، لا يصدق عليها كتفصيل ، كأجزاء . فقد يرد في هذه الشريعة ، جزئية ، تتشابه مع تلك . لكن الاختلاف في الدرجة ، والاولوية .
كما أن الإجراءات التي تستخدمها الشرائع ، لا ترفضها الشريعة الاسلامية ابتداء ، إلأا اذا كان فيها مضرة . المضرة ، ليست على الله ، بل على الانسان ، لان الشريعة وضعت لأجله ورعاية لمصالحه .
هذه تصحيحات كان لابد منها . يبقى أن أقول ، أن كلامك هنا لم يتضمن جاوبا على سؤالي الذي طرحته ، إلا في بعض جوانبه . وهذا ما سأهتم بمناقشته .
1- تقول :
أي أن الخالق قد انتظر القسط الأعظم من حياة الإنسان حتى يختار بعد ذلك مبادئ كالتي سقتها والتي تجاوزتها التشريعات الإنسانية بكثير من التطور والتفصيل
هنا سأسأل سؤالين :
أ- ما هي المبادئ التي تطورت ، وكيف تطورت ؟
ب- ما هي المبادئ التي زاد تفصيلها ، وماذا تقصد بالتفصيل ، وهل هناك مبدأ يأتي إلا مجملا ؟
2- تقول :
حتى أن الشريعة الإسلامية قد اغفلت الكثير فيما يتعلق بالمرأة التي تعتبر نصف المجتمع وجار عليها لمصلحة الذكورة في ميراثها وتبعيتها المطلقة للرجل وعدد زوجاته ولباسها وتصرفاتها والكثير الكثير .
هذه قضية مهمة ، طرحتها انت . سنتناقش بها .
انا أقول ، ان كلامك هذا كله : باطل ، لا أساس له . بل أنك بهذا الكلام ، لا تدلل إلا على عدم معرفتك بوضع المرأة في الاسلام .
هل توضح كيف جارت الشريعة على الإسلام ؟
أرجو ألا تذكر لي قصص عن بشر مارسوا الإسلام حسب افهامهم ، أنا أريد ان تسرد لي آيات واحاديث ، جارت على الإسلام .
أما بالنسبة لتعليقك على كلامي ، فانا لن اخوض في تفصيلات ، تخرج بنا عن الموضوع ، لكن اكتفي بتسجيل امر واحد يهمني : هو اتفاقنا على وجود مصالح ومقاصد من الشريعة . وهذا ما رميت انا إلى إثباته في المداخلة السابقة .