{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
غادة السمّان / شاعرة الحب والحرية
ابن سوريا غير متصل
يا حيف .. أخ ويا حيف
*****

المشاركات: 8,151
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #39
غادة السمّان / شاعرة الحب والحرية
غادة..

لست أعرف ماذا يتعين عليّ أن أكتب لك..لقد أرسلت لك رسالة مطولة منذ أسبوع ، ومع ذلك فرسائلك تقول أنك لم تتسلمي شيئاً ، وأنا أشعر بالذنب، وأخشى أن تعتقدي للحظة أنني ألعب دوراً ، أو أن نبضي لك قد أخذ يخفق في فراغ، أو أنه صمت ، أو أنه اتجه نحو مرفأ آخر: دونك أيتها الغالية لا شيء ولا أحد ..وغيابك – ليكن من يكن الذي سيختاره – لن يعوض.. بعدك مستحيل. دونك لا شيء ولكن غيرك غير ممكن.

أنت في جلدي، وأحسك مثلما أحس فلسطين : ضياعها كارثة بلا أي بديل ، وحبي شيء في صلب لحمي ودمي ، وغيابها دموع تستحيل معها لعبة الاحتيال.

لقد وقع الأمر ، ولا فرار..العذاب معك له طعم غير طعم العذاب دونك ، ولكنه ، عذاب جارح ، صهوة تستعصي على الترويض.

إنني أكره ما يذكرني بك ، لأنه ينكأ جراحاً أعرف أن شيئاً لن يرتقها. أنا لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...ويا لكثرة الأشياء التي تذكرني بك : الشعر الأسود حين يلوّح وراء أي منعطف يمزّع جلدي ، النظارات السود ما تزال تجرحني....السيارات ، الشوارع ، الناس ، الأصدقاء الذين تركتِ على عيونهم بصماتك ، المقاعد ، الأكل ، الكتب ، الرسائل ، المكتب ، البيت ، الهاتف ، كل ذلك ، كله..هو أنت ، وقبله : أذكرك طالما أنا أنا..وحين أنظر إلى كفيّ أحسك تسيلين في أعصابي..وحين تمطر أذكرك ، وحين ترعد أسأل: من معها؟ وحين أرى كأساً أقول : هي تشرب؟ ثم ماذا؟

لقد صرت عذابي ، وكتب عليّ أن ألجأ مرتين إلى المنفى ، هارباً أو مرغماً على الفرار من أقرب الأشياء إلى الرجل وأكثرها تجذراً في صدره : الوطن والحب .

وإذا كان عليّ أن أناضل من أجل أن أسترد الأرض فقولي لي: أنت ِأيتها الجنية التي تحيك، كل ليلة ، كوابيسي التي لا تحتمل ..كيف أستردك؟

أقول لك ، دون أن أغمض عينيّ ودون أن أرتجف : إنني أنام إلى جوارك كل ليلة، وأتحسس لحمك وأسمع لهاثك وأسبح في بحر العتمة مع جسدك وصوتك وروحك ورأسِك ، وأقول وأنا على عتبة نشيج : يا غادة يا غادة يا غادة...

وأغمض عينيّ.


وحين أكتب ليس ثمة قارئ غيرك ، وحين أقود سيارتي في تعب الليل وحيداً أتحدث إليك ساعات من الجنون ، أتشاجر ، أضحك ، أشتم السائقين ، أسرع ، ثم أقف : أحتويك وأقبلك وأنتشي.

إنني على عتبة جنون ولكنني أعرف قبل أي إنسان آخر أن وجودك معي جنون آخر له طعم اللذة ، ولكنه- لأنك أنتِ ، التي لا يمكن أن تُصلح في قالب أريده أنا- جنون تنتهي حافته إلى الموت!

أمس رن الهاتف في المنزل ، ورفعت السماعة..لم يكن ثمة أحد يتكلم على الطرف الآخر وهمست، بعد لحظة ، بصوت جبان: غادة؟

وهذا كله لا يهمك ..أنت صبيّة وفاتنة وموهوبة..وبسهولة تستطيعين أن تدرجي اسمي في قائمة التافهين ، وتدوسي عليه وأنت تصعدين إلى ما تريدين..ولكنني أقبل ..إنني أقبل حتى هذه النهاية التعيسة!

ماذا أقول لكِ؟ إنني أنضح مرارة..يعصر لساني الغضب مثلما يعصرون البرتقال على الروشة ، لا أستطيع أن أنسى ، ولا أستطيع أن أبعد عن وريدي شفرة الخيبة التي بذلتِ جهداً ، يشهد الله كم هو كبير ، لتجعلينني أجترعها بلا هوادة!

لا أعرف ماذا أريد . لا أعرف ماذا أكتب.لا أعرف إلى أين سأنتهي. والآن – خصوصاً – أنا مشوش إلى حد العمى : إن النقرس يفتك بي مثل ملايين الإبر الشيطانية. أشفقي عليّ أيتها الشقية ...فذلك، على الأقل ، شيء يقال.

قلتِ: نتحادث في الهاتف..أما أنا فليس لدي قرش أستطيع أن أصرفه ، وأن أصرفه خصوصاً على عذاب لا أحتمله. لقد تقوّض هذا الشيء الذي كنته ، وأنا حطام ، وأعرف أن ذلك شيء لا يسرّك كثيراً، ولكنه حدث: عنوان القصة.

حازم؟ أجل حازم ، من نوع أكثر صميمية : إنني أكثر شجاعة منه في وجه العدو المعذ َِّب ، ولكنني أقل منه شجاعة في وجه الحب.

إنني أعطيك بطل قصة ، مخلوق جدير بالتفحص في أنبوب اختبار ..وسأكون سعيداً لو عرفتِ كيف تكتبين عن رجل أحبك حقاً ، ولم يخطئ معك ، وظل يحترمك ، ولم يكترث بأيما شيء في سبيلك ... دون أن تمنحيه بالمقابل شيئاً إلا "آذان الآخرين" والاغتراب والصمت.

لا!

لا تتحدثي معي بالهاتف..اكتبي لي كثيرا ..أنا أحب رسائلك إلى حد التقديس ، وسأحتفظ بها جميعاً وذات يوم سأعطيها لك..إنها- أيتها الشقية- أجمل ما كتبتِ وأكثرها صدقاً..

كنتُ قلتُ لك في رسالتي السابقة أنهم يريدونك لتكتبي للمصور من لندن..حاولي أن تفعلي ، واكتبي لأحمد بهاء الدين.

أرجوكِ: اكتبي لي.
غسان كنفاني
02-18-2007, 03:51 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
غادة السمّان / شاعرة الحب والحرية - بواسطة ابن سوريا - 02-18-2007, 03:51 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
Thumbs Up سميراء العبيدي شاعرة المقاومة العراقيه البطله زحل بن شمسين 0 697 06-08-2013, 07:03 AM
آخر رد: زحل بن شمسين
  سيرة الحب السيد مهدي 2 747 02-17-2013, 10:29 PM
آخر رد: السيد مهدي
  شراب الحب يعرف بالمذاق . بهجت 21 7,090 03-12-2012, 01:12 PM
آخر رد: بهجت
  جنة الحب minatosaaziz 27 5,506 03-09-2011, 05:21 PM
آخر رد: دومينو
  شاعرة عربية تختبر الهوية الأميركية أسامة مطر 0 987 01-26-2011, 11:50 PM
آخر رد: أسامة مطر

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 5 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS