من الأسطورة إلى التاريخ : الملكة " إليسار ELISSAR "



8) مات ملك صور " موتو " أو " ماتان " بعد أن أورث عرشه لولده الشاب " بيغماليون " وابنته " إليسار " والتي كانت ذات جمال نادر إلا أن الشعب خلع هذه الأخيرة مفضلا أن يكون " بيغماليون " وحده ملكا . ثم تزوجت " إليسار " من عمها " أغريباس " وهو الكاهن الأكبر لمعبد " ملقارت " وكان ذا ثروة طائلة ويحتل المرتبة الثانية في المملكة . وخوفا من بطش الملك قررا الفرار ولكن الملك "بيغماليون " لم يتوانى عن اغتياله . وعندها شعرت " إليسار " أنها مضطرة إلى الفرار فأعدت للرحيل واشترك معها بعض من علية أهل صور . وكان لا بد من الحيلة في الهرب فادعت أنها تود ترك قصر زوجها الذي يوحي لها بالحزن الدائم . فوافق الملك على أمل أن تجلب معها أموال زوجها . وأرسل الملك بعضا من عماله للمساعدة والمراقبة وحين هبوط الليل كانت جميع ثرواتها قد حملت في سفينة ، ثم أخذت " إليسار " معها رسل الملك واتجهت السفينة إلى عرض البحر . حينذاك أعطت الملكة أوامرها إلى خدمها كي يلقوا في البحر بأكياس ربطت بعناية لكي توهم الناظرين أنها تحوي أموالها بينما كانت في الحقيقة مليئة بالرمل . وخاف عندها رسل الملك من بطش الملك حين ظنوا أن الأموال قد ألقيت في البحر فقرر معظمهم الانضمام إلى المجموعة الهاربة . وحين توقفوا في قبرص المحطة الأولى لكل من يخرج من سورية الطبيعية ، واصطحبت من قبرص معها كاهن " جونون " مع عائلته وثمانين من الفتيات العذارى وذلك لتأمين أجيال جديدة للمدينة الجديدة التي كانت تنوي إنشائها ، وفي ذلك الوقت كان الملك " بيغماليون " كان قد علم بفرار " إليسار " بيد أن العرافين منعوه من ملاحقتها بقولهم (( لن تمر دون عقاب محاولتك عرقلة إنشاء مدينة شملتها العناية الإلهية دون بقية أرجاء العالم )) .

وهكذا وصلت " إليسار " وصحبها إلى سواحل إفريقيا وسعوا إلى إقامة علاقات طيبة مع السكان الأصليين ، وطلبت " إليسار " من السكان أن تشتري قطعة أرض ـ بمقدار ما يمكن لجلد ثور أن يغطيها ، فوافق السكان على طلب " إليسار " المتواضع غير أنها لجأت إلى حيلة جديدة إذ قامت بقص جلد الثور إلى سيور رفيعة جدا واستطاعت بذلك أن تحصل على رقعة أرض واسعة جدا ومن هنا أتى " بيرسا ـ byrsa " ( من اليونانية ، بمعنى جلد ) الذي أطلق على المكان فيما بعد ثم باشروا الحفر بهدف تأسيس المدينة الموعودة ( قرطاجة ) . وبعد أن أصبحت قرطاجة قوية ومزدهرة قام " هيارباس " ملك " المكسيتانيين " ـ وهم شعب إفريقي ـ باستدعاء عشرة من علية القوم من أهل المدينة وطلب منهم نحت التهديد بإعلان الحرب أن يزوجوه الملكة " إليسار" . فلم يتجرأوا على نقل الرسالة إلى ملكتهم واستخدموا " حيلة قرطاجية " قائلين لها أن الملك طلب منهم إرسال أي شخص لكي يقوم بتمدين الأفريقيين فمن يتجرأ على العيش مع هؤلاء البرابرة فوبختهم الملكة متهمة إياهم بالجبن والإحجام عن التضحية في سبيل سلامة الوطن . وحين أعلموها بصراحة ما طلبه منهم الملك " هيارباس " طالبين منها أن تنفذ النصائح التي تسديها للآخرين ، فوجئت بالحيلة وبكت كثيرا حين تذكرت زوجها " أغريباس " ثم قالت أنها ستذهب إلى هناك حيث مصير " قرطاجة " . ثم أقامت "إليسار " محرقة كبيرة عند بوابة المدينة وعند مضي ثلاثة أشهر وهي المهلة التي كان الملك الأفريقي قد حددها لتنفيذ طلبه ، تسلحت الملكة " إليسار " بخنجر وصعدت إلى المحرقة ، وقبل أن تطعن نفسها وتسقط وسط اللهيب استدارت نحو شعبها صارخة : " إني طوع رغبتكم فأنا ذاهبة إلى زوجي " . ومثلما كانت قرطاجة قوية ، حازت " إليسار " على الأمجاد الإلهية .