الأخ العزيز وليد .(f)
هناك العديد من القضايا التي أرى أنها مطروحة للحوار ،و لكني مبدئيا أتمنى أن يجد الزملاء وقتا لقراءة مفهوم النظرية الذي طرحته في مداخلتك ، فمن الواضح أن بعض الزملاء يميلون إلى اعتبار كل النظريات المطروحة في الغرب هي جزء من المؤامرة التي يحيكها الغرب ضد العرب للإستيلاء على ثرواتهم ، و أن الحوار لابد أن يكون مع أو ضد أمريكا ، وهذا تبسيط كبير لطبيعة الجدل الغربي و تقاليده ، أرى أن السبب في هذا يعود إلى أنه لا يوجد هناك تفرقة واضحة بين حقيقة تأثر الباحث و المفكر بالثقافة السائدة و بين التضليل المتعمد ، لا ننكر و لا يجب أن نغفل أنه لا توجد دراسة أو حتى مجرد رأي عابر في مجال العلوم الإنسانية تقف خارج النماذج الإرشادية الفكرية( paradigm ) السائدة في مجتمع الباحث ، و لهذا فالتحيز الفكري حتمي و الموضوعية المطلقة مستحيلة ، و لا دخل لحسن أو سوء النية في ذلك ،و لا نطلب من الباحث بأكثر من أن يتوخى الموضوعية قدر طاقته . هذا التقولب الفكري في النماذج السائدة ، يختلف في طبيعته الأساسية عن التفكير الغيبي الدوجمائي ( dogmatic ) الذي يمارسه المسلمون الأصوليون أو التضليل المتعمد manipulation الذي يمارسه بعض الكتاب الغربيين أنفسهم ، ففي الحالة الأولى لدينا المعايير الموضوعية المنطقية التي يمكننا بها الحكم على الأفكار ، و أيضا مناقشة الباحث دون أن نتهمه ، أو نحكم عليه مبدئيا بالخداع و نرفضه كمعادي ، في حين أن الطرح الغيبي الديني لا يقبل بغير النص المقدس معيارا للحكم ، و بالتالي هو خارج مجال العلم كلية ، إن وصم النص الديني بعدم الحجية العلمية لا علاقة له بقداسة النص أو رفضه ، و لكن له علاقة بالمعايير العلمية ، فكل ما لا يقبل النقد و الإبدال ليس علما .
رغم هذا علينا أيضا و بالقدر نفسه أن نكون واعيين لحقيقة أنه كان هناك دائما محاولات محمومة لتوظيف الفكر حتى العلمي و الأكاديمي من أجل أغراض سياسية وبأساليب متنوعة ، و أن هذا الاتجاه لتزييف العلوم الإنسانية أصبح سافرا في السنوات ال 30 الأخيرة نتيجة لتوظيف استثمارات هائلة في مجال البحث العلمي الموجه سياسيا ، و لا نغفل الجهود الصهيونية لإعادة طرح التاريخ البشري كله من منظور توراتي مقنع بل و سافر أحيانا ، ولو استطردنا في ذلك لحولنا الموضوع كله عن هدفه .
سأتوقف الآن عند هذه الملاحظة و سيكون لي مداخلة في مرحلة لاحقة لنقد أفكار هينتنجتون حول صراع الحضارات .