هذا زمن تراجيدي ، و في مثل هذا الزمن نحاول أن نتفادى النهايات التراجيدية.
الزملاء الأكارم وليد ومالك ، أشكر تجاوبكم ولي عوده لمناقشة ما تفضلتم به ..
قبل ذلك لي سؤال للزميل بهجت : حسب قراءتك الدقيقة - وهي دقيقة بحق - لطبيعة تجاوبنا مع الأمر ، هل نحن جزء من حالة عامة نتلاقى بها مع الضفة الأخرى للمحيط ، أو حالة خاصة أفرزتها طبيعتنا الثقافية وجذورنا التراثية ؟
وإن كنا كذلك ، فأين السبيل ؟!

وللجميع تقديري [/quote]

الزميل المحترم حسان .(f)
لم أفهم تماما ما هو المقصود بالسؤال هل هو طبيعة الإستجابة العربية لنظرية التصادم الحضاري أم طبيعة العلاقة بالغرب ، لهذا سأضع بايجاز رأيي في كلا من القضيتين .
أما بالنسبة للتجاوب مع أفكار صمويل هانتنجتون فملاحظاتي ليست مقصورة فقط على ردود الزملاء و لكنها قديمة تمتد إلى متابعتي للمناقشات حول النظرية منذ طرحها و إلى اليوم ، فمنذ البداية كانت هناك آراء تهاجم النظرية كونها جزءا من مؤامرة أمريكية خاصة و أن صمويل هانتنجتون على علاقة معروفة بالمخابرات المركزية ، مثل هذا الرأي سمعته من يساريين كالسيدة فريدة النقاش ومن إسلاميين كالعريان ، و لكن من النادر أن يكون نقد النظرية عربيا على أساس موضوعي فمعظم من ينتقد النظرية لم يقرأها ، ومما يستحق الملاحظة أن النظرية لم تجد قبولا من معظم النخب الأمريكية ذاتها بما في ذلك الرئيس الأمريكي وقتها ( بيل كلينتون ) الذي عارضها في حوار مشهور حول النظرية ، كل هذا النقد أدى إلى تنحي النظرية التي لم تعد إلى الحياة كعمل أكاديمي له مصداقية عالية سوى بعد حوادث 11 سبتمبر .
أما عن العلاقة مع الغرب فأرى أن إنسان بسيط مثلي لن يكون قادرا على الوصول إلى إجابة ترضيه و ترضي الآخرين في الوقت ذاته ، كل ما أستطيعه هو أن أساهم في هذا الحوار و غيره باذلآ غاية جهدي ، مستحضرا اجتهادات سابقة لي في هذا الموضوع تحديدا ، وهو موضوع يشغلني كثيرا ، فمصر لا تحظى بالعوائد البترولية العالية ، و هي بالتالي لا تملك ترف التسكع في دهاليز التاريخ و النوم كتنابلة السلطان ، وهذا ما يفعله العرب الآن للأسف متجاهلين تراثهم الكبير .
هذا زمن تراجيدي ، زمن التحولات الكبرى و التحديات الكبرى ، في مثل هذا الزمن نحاول أن نتفادى النهايات التراجيدية ، و أن نستكشف شعاع الأمل في الليل المطبق البهيم ، كل ما نستطيعه الآن أن نوقد شموعا جديدة تجعل المهمة أسهل للآخرين ، و أن نساهم في تشكيل عقل جديد لعالم جديد غير مسبوق .
نحن في مفترق الطرق و أمامنا طريقان ، أحدهما هو الإسلامي الجهادي الذي ترعاه الوهابية الإخوانية ، هو ببساطة تحكيم التراث الفقهي و متلازماته التراثية ، في عالم تراه واحدا لابد أن يسوده الإسلام كمصدر وحيد للحقيقة ، هذا الطريق سيقودنا إلى مواجهات عالمية كبرى ، الطريق الثاني هو الحداثة ذات المرجعية الإنسانية ،وهو اتجاه تعددي يدين بالعلمانية الليبرالية و علينا أن نختار .
بالرغم من أن الإسلام هو الثقافة الوحيدة الكبرى التي لها مشاكل متجذرة و عميقة مع الحداثة فإنني شخصيا لا أعتقد أنه من الضروري أو المفيد أن نتصارع مع العالم كله ، أو أن الصراع مع هذا العالم هو صراع إغريقي حتمي لا يمكن تلافيه ، إن الإسلام هو مجموعة من التقاليد الثقافية التاريخية و ليست كلها معادية للحداثة و المعاصرة ، لهذا علينا تنقية ثقافتنا بحيث تلائم العصر ، إن إصرار المسلمين على تمسكهم بالنموذج الأصولي للإسلام و تكوين شموليات دينية شيعية و سنية سيقودنا حتما إلى مواجهات مدمرة كبرى لا تكافؤ فيها ، مثل هذه المواجهة حماقة عمياء محكوم علينا فيها بالهزيمة النهائية .