لدي تعليق عن استغلال مصطلح صدام الحضارات من أجل دفن بعض المشاكل الداخلية في بعض الدول، والقضاء عليها تحت هذا الشعار.

لنأخذ مثالاً الحركة التي حصلت في ضواحي المدن الفرنسية في نهاية عام 2005 وتم إحراق عشرات آلاف السيارات خلالها، وبقيت الحركة أسابيع طويلة أتعبت الفرنسيين حكومة وشعباً.

لقد صنف بعض الفلاسفة الفرنسيين هذه الحركة ضمن صراع الحضارات، واستغلوها لمحاربة ثقافة نشأت في ضواحي المدن الفرنسية ونقدها.
هذه الثقافة هي خليط من الثقافة العربية المغاربية والثقافة الفرنسية.
ولكن المؤسف أن هذه الأحياء تعاني فقراً مدقعاً بسبب سياسة تاريخية فرنسية منذ إنشائها، وهي عزل هذه الأحياء عن المدن الفرنسية...

ما حصل كان بوضوح صدام طبقات لا صدام حضارات...
عندما كنت أطرح السؤال لمن حولي من الفرنسيين عما يجري، كانت أجوبة من أتى منهم من طبقات فقيرة بتأييد هذه الحركة، وحتى ضرورة تحولها إلى ثورة حقيقية شبيهة بالثورة ضد الملكية. وكانوا يذهبون حتى إلى التعبير عن رغبتهم في المشاركة بهذه الأعمال لو كانوا ما يزالون صغاراً في السن.

أما من أتى منهم من طبقات موسرة فكان جوابه دوماً الاستنكار والقول بأن معظم من يقوم بهذه الحركات هو من أصل عربي.
سكان هذه الأحياء معظمهم من الأجانب لأن الهدف من إنشائها كان إيواء العمال الأجانب بأسعار معقولة، ولكن سرعان ما تحولت هذه الضواحي إلى ملاجئ للفقراء من الفرنسيين وكل الأصول. ومن أتى من أصول عربية فيها ذاب في هذا المجتمع، أثر وتأثر.... لا يمكن أن نقول بعروبته لقدم عهده بفرنسا، وإنما هو فرنسي بإطار ثقافي متأثر بالعروبة والإسلام...
ومع ذلك فإن من شارك في تلك الأعمال كانوا من جميع الأصول، وجمعهم شيئ واحد: انتماؤهم إلى الطبقة الفقيرة.

الصدام الحضاري خارجي وقد وجد منذ الأزل، ولكنه كان مدمراً قي معظم الأحيان وتمثل في اختفاء مدنيات بأكملها كما حصل ببغداد مع المغول.
وهوً أقل قيمة من الصدام الطبقي الذي أسس لثقافات جديدة، وأعطى دوماً دماءاً جديدة تساهم في بناء الحضارة الإنسانية.

لذلك، يجب ألا نقع في الخلط بين هذين المصطلحين. ويجب التمييز بين الصدامات الداخلية التي تأتي من منطلق فكري أو طبقي، والصدامات الخارجية التي هي في معظمها حضارية.
ولا أعتقد أن أي صدام ثقافي داخلي قد يمكن إطلاق مصطلح حضاري عليه، بل هو فكري أو طبقي أو الاثنان معاً.