ولست هازلا في هذا الطرح ، بل سبق لي منذ زمن أن كتبت مطالبا الإخوان المسلمين إما بالتنحي تماما عن اللعبة السياسية والعودة إلى المساجد ، أو أن يماشي طبيعة المرحلة ويعلن نفسه حزبا تقدميا سياسيا بخلفية إسلامية ، تماما كالحزب المسيحي الديموقراطي الألماني إن جاز لي التشبيه .

الآن ، هناك سبب ثالث ومهم لإقصاء الإخوان المسلمين ( تماما ) عن المسرح السياسي السوري ، واعتباره أنه لم يكن ولم يمر في خيال سوريا ولا لحظة واحدة وللأسباب التالية :
1- حركة الإخوان المسلمين كحركة سلفية إسلامية ليس لها أي حظ في أن تكون طرفا في أي تغيير مرتقب في سوريا ، وسوف لن يسمح لها أن تكون أكثر من حزب شبه رسمي يدخل قوائم الإنتخابات عبر ( جسور ) حزبية أخرى ، وهذا في أحسن الأحوال .

الإسلام السياسي لم يعد له مكانا في النظام العالمي الجديد ، وسيلعق الإخوان المسلمون الصخر قبل أن يتمكنوا من مجرد الظهور كحركة علنية ، وسيعودون من حيث بدأوا حركة سرية ربما لن تجد سوى العنف وسيلة للتعبير عن نفسها وسط تضييق كبير إن على صعيد القرار العالمي ، أو الإقليمي .
2- حركة الإخوان السورية برزت منذ مطلع الثمانينات كجناح مهيمن وبارز في المعارضة السورية ، الأمر الذي جعل معظم الأحزاب المعارضة هياكل ورقية ليس لها أي وجود فعلي في هيكلية المعارضة السورية الخارجية ، ولا حتى من خلال الجبهة الوطنية لتحرير سوريا التي كان للإخوان الكعب الأعلى فيها ، ولا أيضا في ميثاق الشرف الذي وقعته الأحزاب السورية تحت مظلة الإخوان في لندن .
هذا الأمر سبب مصاعب كبيرة للمعارضة السورية في الداخل والخارج ، فقد نجحت السلطات السورية أن توظف هذا البروز الإخواني لصالحها وأن تصور للشارع السوري الذي تربى طويلا على أسطورة مدرسة المدفعية وما تلاها أنه لا معارضة إلا الإخوان ، وأن كل المعارضة إخوان و (( إسلاميين )) .. ورأيتم بأنفسكم يا سادة تبعات هذا التفكير السوري الحكومي هنا في هذا النادي ممن يفترض أنهم ( مثقفون ) ..
على الصعيد ( الطائفي ) .. فقد استطاعت السلطات السورية أن توظف الخطاب الإخواني لصالحها بشكل كبير وتصور للأقليات أن نسبة 82% من الشعب السوري هم إخوان محتملون كونهم أغلبية سنية ، وأن أي وصول للإخوان المسلمين ، يعني بالضرورة الوصول ( الديني ) للأغلبية السنية ورمي بقية الأقليات إلى المحرقة .

في واقع الحال ، تحول جسدا ميتا إسمه الإخوان المسلمين إلى ( فزاعة ) صارت تستخدمها الحكومة و بعض الأقليات وبعض الأحزاب التقدمية التي تسربت عن جسد المعارضة مبررا للإستبداد والديكتاتورية التي تشهدها سوريا ، وصرنا نسمع عن تحالفات بين بعض هذه القوى والعسكر لمنع وصل أي صوت إسلامي ( إخواني ) محتمل إلى الشارع السوري .

وعودة إلى نقطة البداية ، فحركة الإخوان المسلمين حركة ميتة بفعل المتغيرات الحالية ، وبالتالي فإن وجودها في جسد المعارضة السورية هو عامل ( ضعف ) وليس عامل قوة ، لذا فإن خروجها عن هذا الجسد والعودة إلى كونها حركة دعوية أفضل لها ولنا .