مقاطعة وطنية وليست سنيّة
2005/01/08


عبد الباري عطوان

العناد في الخطأ هو أبرز صفات الرئيس الامريكي جورج بوش الأبن، ولذلك لم يكن مفاجئاً بالنسبة الينا ان يكون الشخص الوحيد تقريباً الذي يؤيد اجراء الانتخابات العراقية في موعدها، ويعتبرها لحظة تاريخية .

ولا بد ان الرئيس بوش، وحتي يخالف الجميع في موقفه هذا، بما في ذلك اركان الحكومة العراقية المؤقتة، يملك رؤية لا يملكها غيره من البشر نتمني ان نعرفها ونتعلم منها. ولكن ما نعرفه ان جميع قرارات الرئيس بوش بشأن العراق والشرق الاوسط كانت كارثية علي المنطقة والولايات المتحدة نفسها، وقرار الاصرار علي اجراء الانتخابات العراقية في موعدها لن يكون استثناء.

الدكتور اياد علاوي، رئيس الحكومة العراقية المؤقتة، طالب بتأجيل الانتخابات، وأوعز لحزبه (الوفاق الوطني) التوقيع علي بيان الي جانب احزاب اخري تري ان الظروف غير ملائمة لاجرائها. وزير دفاعه حازم الشعلان قال انه يؤيد التأجيل اذا تعهدت الطائفة السنية بالمشاركة لاحقا، وحتي بعض قادة الاحزاب السنية، مثل عدنان الباجه جي ونصير الجادرجي مع التأجيل، والطرف الوحيد الذي يؤيد الانتخابات بحماسة ملفتة للنظر غير الرئيس بوش، وتابعه توني بلير، هو السيد علي السيستاني المرجع الشعي الأعلي.

كل الوقائع علي الارض تشير الي ان الشروط الملائمة لاجراء انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة شعبية واسعة، غير متوفرة علي الاطلاق. فالأمن شبه معدوم، والقوات الامريكية التي يزيد تعدادها عن مئة وخمسين الف جندي غير قادرة علي حماية نفسها، ناهيك عن حماية الشرطة وقوات الحرس الوطني العراقية المتعاملة معها.

والمرشحون في هذه الانتخابات يخافون من اعلان اسمائهم خوفا من الاغتيال، بما في ذلك المدرجون علي قوائم لائحة السيد السيستاني, كيف سيصوت المواطن العراقي لمرشحين لا يعرف اسماءهم، ولاحزاب تتزعمها في الغالب شخصيات عراقية عادت الي البلاد علي ظهور الدبابات الامريكية، ومارست الخداع عليه طوال الاعوام الماضية، عندما وعدته بالأمن والأمان والديمقراطية والرخاء الاقتصادي، فوجد نفسه، وبعد عامين من التحرير بلا ماء ولا كهرباء ويتمترس خلف ابواب منزله خشية السطو المسلح، او خطف اطفاله ونسائه، وهو الذي كان ينام وابواب منازله مفتوحة علي مصراعيها.

المرشحون المجهولون لا يستطيعون التنقل في انحاء البلاد، وزعماء اللوائح الانتخابية لا يظهرون الا علي شاشات التلفزة الامريكية التمويل داخل العراق او خارجه، والوزراء لا يستطيعون مغادرة المنطقة الخضراء ويتكتمون علي مواعيد تحركاتهم، ورئيس الحكومة العراقية لا يشعر بالأمان الا عندما يغادر العراق، ولهذا يقيم خارج البلاد اكثر مما يقيم في داخلها.

المسؤولون العراقيون يطوفون بعواصم دول الجوار العراقي، والعربية منها علي وجه الخصوص، من أجل اقناعها بالتدخل لدي ابناء المثلث السني لوقف مقاطعتهم للانتخابات.
سبحان الله، الآن اكتشف هؤلاء ان العراق عربي، ينتمي الي جوار عربي، وهم الذين رفضوا الاعتراف بعروبة العراق، عندما وضعوا دستورهم المؤقت، وسخروا كل ابواقهم الاعلامية لشن هجمات مقذعة علي العرب والعروبة، وذهب بعضهم الي درجة محاولة اقامة علاقات تحالف مع الدولة العبرية، حبا فيها ونكاية بالعرب.

الحكومات العربية التي يستغيث بها هؤلاء لا تملك سلطة حتي علي شعوبها، ناهيك علي المقاومة العراقية، فالقيادة المصرية التي استنجد بها حازم الشعلان، تآمرت علي العراق، وعلي عروبته، وايدت الغزو بحماس غير عادي، بل قدمت المبررات الكاذبة للحكومة الامريكية للاقدام عليه، عندما زودت هذه الحكومة بمعلومات تؤكد امتلاك العراق لاسلحة دمار شامل، وكانت خلف صور المعامل العراقية الكيماوية والبيولوجية المتنقلة، وهي الصور التي اظهرها كولن باول وزير الخارجية الامريكي امام مجلس الأمن كأدلة دامغة، ثم عاد واعتذر عنها رسمياً.
اما المملكة العربية السعودية فخصصت كل مناطقها الشمالية كقاعدة انطلاق للغزو، وعلمت بخطط الحرب قبل وزير الخارجية الامريكي، والشيء نفسه يقال، وان بدرجة اقل عن الحكومة الاردنية التي يتردد عليها الدكتور علاوي بصورة منتظمة هذه الأيام طالبا النجدة.

انها ليست مقاطعة سنية للانتخابات، وانما هي مقاطعة وطنية عربية ، لأن التيار الصدري الذي يتصدر المقاطعين ليس تيارا سنيا، وانما هو تيار وطني عراقي اسلامي. المقاطعون هم الذين يقفون في الخندق الوطني المواجه لمحاولات الهيمنة الامريكية علي العراق والمنطقة بأسرها.
الاصرار الامريكي علي المضي قدماً في الانتخابات ليس له الا تفسير واحد في رأينا، وهو ان الرئيس بوش ادرك انه كسب الحرب، ولكنه خسر السلام في العراق، وان بقاءه في العراق كقوة احتلال بات مكلفاً للغاية ماديا وبشرياً، ولهذا بدأ يفكر بالهروب، ويجد في الانتخابات هذه ممرا ضيقاً للانسحاب.

فالثمن الامريكي في العراق باهظاً جدا، والامريكيون بدأوا يتساءلون: هل اطاحة النظام الديكتاتوري في العراق تستحق خسارة مئتي مليار دولار، والف وخمسمئة جندي قتلي وعشرة الاف جرحي وعداء متصاعد في العالم، وحرب استنزاف دموية تحصد يوميا الارواح والاموال والقيم الامريكية في المساواة والتسامح والعدالة وحقوق الانسان؟

الرئيس بوش يريد ان يقول للامريكيين انه وعد بتحقيق الديمقراطية في العراق، وها هو يفي بوعده، فالانتخابات جرت في 14 محافظة من بين 18 محافظة، اي في اغلبية المناطق العراقية. وينسي ان الدستور العراقي المؤقت الذي وضعه بول بريمر حاكمه السابق للعراق يعطي ثلاث محافظات فقط حق الفيتو علي اي دستور دائم.
ولنبسط الأمور للرئيس بوش، لاننا ندرك حجم مداركه العقلية، ونقول له هل يمكن اجراء انتخابات حرة ونزيهة وشرعية في امريكا دون مشاركة نيويورك وميامي وواشنطن وكاليفورنيا؟
نترك الاجابة للرئيس بوش، ونحن علي اتم الاستعداد لتقديم بعض وسائل الايضاح له اذا طلبها.