أقدم اعتذاري للشاعر شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري، صاحب القصيدة المعجزة المسماة "البردة"، القائل:
[CENTER]دَعنِي وَوَصفِيَ آيـــاتٍ له ظهَرَتْ
ظهُورَ نـارِ القِرَى ليـلا على عَـلَمِ
فالــدُّرُ يزدادُ حُسـناً وَهْوَ مُنتَظِمُ
وليس يَـنقُصُ قَــدرَاً غيرَ مُنتَظِمِ
فمَــا تَطَـاوُلُ آمــالِ المدِيحِ الى
مـا فيـه مِن كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ
آيــاتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَــةٌ
قــديمَةٌ صِفَةُ الموصـوفِ بالقِـدَمِ
لم تَقتَرِن بزمـــانٍ وَهْيَ تُخبِرُنــا
عَنِ المَعَـــادِ وعَن عـادٍ وعَن اِرَمِ
دامَتْ لدينـا ففاقَتْ كُــلَّ مُعجِزَةٍ
مِنَ النَّبيينَ اِذ جــاءَتْ ولَم تَـدُمِ
مُحَكَّـمَاتٌ فمــا تُبقِينَ مِن شُـبَهٍ
لــذي شِـقَاقٍ وما تَبغِينَ مِن حِكَمِ
ما حُورِبَت قَطُّ الا عــادَ مِن حَرَبٍ
أَعـدَى الأعـادِي اليها مُلقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بلاغَتُهَــا دَعوى مُعارِضِهَـا
رَدَّ الغَيُورِ يَـدَ الجــانِي عَن الحُرَمِ
لها مَعَــانٍ كَموْجِ البحرِ في مَـدَدٍ
وفَـوقَ جَوهَرِهِ في الحُسـنِ والقِيَمِ
فَمَـا تُـعَدُّ ولا تُحـصَى عجائِبُهَـا
ولا تُسَـامُ على الاِكثــارِ بالسَّأَمِ
قَرَّتْ بَهـا عينُ قارِيها فقُلتُ لــه
لقـد ظَفِـرتَ بحَبْـلِ الله فـاعتَصِمِ
كــأنَّها الحوضُ تَبيَضُّ الوُجُوهُ بِـهِ
مِنَ العُصَاةِ وقَــد جاؤُوهُ كالحُمَـمِ
وكـالصِّراطِ وكـالميزانِ مَعدَلَــةً
فالقِسطُ مِن غيرِهَا في النـاسِ لم يَقُمِ
لا تَعجَبَنْ لِحَسُـودٍ راحَ يُنكِرُهَــا
تجاهُلا وَهْـوَ عـينُ الحـاذِقِ الفَهِمِ
قد تُنكِرُ العينُ ضَوْءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ
ويُنكِرُ الفَمَ طعمَ المـاءِ مِن سَــقَمِ
لن أتحدث بدءاً عن ماهية النبوة، ولا عن مكانتها في الدين الإسلامي، ولا عن الاتفاق والافتراق في مفهوم النبوة بين الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام.
وإنْ كنتُ أظن أن النقاش سيقودنا إلى هذه المسائل وغيرها حتماً.
كما لن أتحدث عن نبوة موسى، ولا عيسى؛ فليس بيننا ممثل لأتباع موسى، أما عيسى فقد تمت ترقيته من نبي كما يعتقد المسلمون إلى ابن الإله، كما تعتقد المذاهب المسيحية الرسمية.
بالنسبة لنبوة محمد؛ فالسؤال يتوجه كالتالي:
ما الدليل على صدق محمد في دعواه النبوة؟
في علم الكلام الإسلامي، تكون مرتبة هذا السؤال تابعة لقضية: إثبات وجود الله، ووحدانيته، وأفعاله وصفاته. ولما كان الدخول في قضية وجود الله كالدخول في المتاهة التي لا مخرج منها، لأنه وبكل بساطة (في اعتقادي على الأقل) لا يمكن إقامة الدليل العقلي على وجوده، لكن انشغالنا وبحثنا في وجوده وعدمه يعطيه كينونة ووجوداً ولو ذهنياً على الأقل.
والمسألة في النهاية (وفي رأيي أيضاً) هي مسألة اختيار محض، فهل أنت تختار تصوراً للكون بوجود إله؟ أو تريده كوناً لا مكان للإله فيه؟
لذا سأدع (الخالق للخلق)، أو أهمل هذا الخالق، لأنتقل إلى نقطة أخرى مباشرة، بعيداً عن التسلسل الكلامي المتبع.
ما الدليل على صدق محمد في دعواه للنبوة؟
أود من (إخواننا) المسلمين التكرم بالإجابة عن هذا السؤال، وجزاهم الله خيراً.