جقل
عضو متقدم
المشاركات: 678
الانضمام: Oct 2004
|
رياض الصالحين...
رياض الصالحين...
عبد الفتاح افندي رجل مهيب بلحية بيضاء وقورة, و عمامة مهولة لونشرت لكانت شراعا لمركب صغير ,يحمل سبحة طويلة من ذوات التسع و تسعين حبة يمسكها بكلتا يدية بحرص و تقوى شديدين , ثوبه قصير مشمور يظهر بوضوع عظم نهاية الساق الناتىء. و كل تلك شعارات تصرخ بوجه من يراه محذرة من مذهبة.يتكلم بهدوء و بطىء و لم يكن يلقي بالا الى الرذاذ الكثيف الذي يرطب به حديثة ووجة محدثة. عبد الفتاح افندي كثير التصدق بالأموال وكثير الحديث عن مقدار ما تصدق به في كل مجلس له و لكنه كان يختم حديثة بعبارة" أما بنعمة ربك فحدث" كي لا يساء فهمه.
نقطة ضعف عبد الفتاح أفندي ابنه انس . انس هذا حمار بكل معنى الكلمة , و عبد الفتاح نفسه يعترف بحمرنة ابنه و كسله في المدرسة و بالأضافة الى الكسل و الحمرنة كان كثير الحركة لا ينتقل من مكانه الا ليحطم أناءا أو كأسا أو يقلب منضدة أو كرسي, و كان ابوة السيد عبد الفتاح أفندي يطبق علية الحديث الشريف " أضربوهم عليها " بكل حذافيرة و بكل سرور وأيضا , فقد كان انس يتلقى عدة مقارع مؤلمه قبل كل فرض و نافلة , مما جعلة يختلق الأعذار الكثيرة قبل كل صلاة اما صوت المؤذن فكان يطلق في جسد انس موجة أدرنالين تنفخ اوداجة أستعدادا لمقرعة ابيه.
عندما جاء عبد الفتاح افندي يزورنا و هو بهندامة ووقار لحيته و هدوء حديثه , مثلا أعلى عندي و عند أبي, فقد كنت انسلخ عن طفولتي و أصطنع وقار العلماء و أجبر نفسي على الأنصات, و اصبر على كل الرذاذ المتناثر ليظن عبد الفتاح بأني نعم الرجل. أما عند الصلاة فكنت أشد قامتي و احسن هيئتي و اطيل السجود و أرفع صوتي بالتكبير لألفت نظرة أو لأدخل في منافسة مع أنس الذي لا يكاد يهدأ و ربما حك رأسة و جبينه و هرش ضهرة عدة مرات في الركعة الواحدة.
كان يربت عبد الفتاح أفندي على كتفي عدة مرات و يخصني بكلمات أطراء يثلج بها صدري بعد كل جلسة استماع أتسمر فيها امامه مسلما وجهي لرذاذة الرطب و موعظته الطويله , و قد تجرأت في أحدى المرات بعد هزني حديثة من فوائد كتاب رياض الصالحين فطلبت ان استعيره من مكتبته العامرة الضخمة , ابتسم في وجهي و نظر الى والدي متمتما:
- ما شاء الله اللهم قر به عينا.
ثم حول كلامه ألي:
- تعال غدا بعد صلاة العصر.
كان يوما مشهودا ... حرصت على لبس انظف ما عندي الرداء , الأبيض الطويل الذي يظهر عظم نهاية الساق الناتىء و سبحة صغيرة كاتمة للصوت و قبعة بيضاء مشغولة , و تقطيب على الوجه أقرب الى العبوس الجاد. انطلقت الى بيت عبد الفتاح افندي بعد أن صليت العصر في البيت . لم يكن عبد الفتاح في المنزل , أستقبلني أنس و أدخلني الى المكتبة الضخمة التي تطوق الغرفة من ثلاثة جهات بالكتب المنضدة في مكتبة خشبية ضخمة . جلست و أنا أنتقل بصري على الكتب المجلدة بعناية و احاول قراءة خطوطها العريضة المذهبة . فوجئت بأنس يخطف طاقيتي المشغولة و يركض هاربا في أنحاء الغرفة خفت على هيبتي التي نقصت طاقية , و طلبت منه أن يعيدها و لكنه رفض هازءا مستفزا هجمت عليه ففر من أمامي وقد اصطدم بزهرية كبيرة فسقطت على الأرض وقد ملئت المكان بشظاياها الكثيره , لم يهتم انس للأمر و استمر في أثارتي ممسكا بطاقيتي ملوحا بها, عاودت الهجوم و قبضت عليه هذة المرة و لكنه سرعان ما قذف الطاقية من يدة فأستقرت على ظهر المكتبة العالية.
و ضعت كرسيا و صعدت فوقه محاولا استرجاع طاقيتي و لكنها كانت ابعد منالا فأستعنت بعدة اجزاء من كتاب خزانة الأدب و لكن الأمر لم ينفع حتى و ضعت سبعة أجزاء أضافية من تاريخ ابن الأثير , تشبثت برؤؤس اصابعي بطرف المكتيه العلوي و جذبت جسدي الى أعلى , صعدت على ظهر المكتبة و جلست فوقها ثم تناولت طاقيتي و سويتها فوق رأسي فيما كان أنس يبعد الكرسي بعيدا عن متناولي و يخرج ليفتح الباب لوالدة.
عندما دخل عبد الفتاح أفندي ووجد أزهارة و كتبه مبعثرة في أرجاء الغرفة و أنا معلقا على ظهر مكتبته بكامل قيافتي , أسرع نحوي و جذبني الى اسفل و قد هرب الوقار من لحيته و فر الهدوء من حديثه و صرخ في وجهي مطلقا حمولة ضخمة من الرذاذ:
ماذا تفعل هنا يا ابن .....
.قلت له بهدوء ووقار يناسب العلماء:
و الله ياسيدي كنت أبحث عن كتاب رياض الصالحين.
|
|
01-11-2005, 06:32 PM |
|