مارسيل خليفة تألّق ولكن... أين الفيديو كليب؟
بيروت - بيار أبي صعب الحياة 2005/01/27


من اليمين بشارة شربل، نجيب فريجة، مرسيل خليفة وبول غصن خلال المؤتمر الصحافي. (علي سلطان)
كان الجوّ مؤثراً يوم أمس في بيت الأمم المتحدة في بيروت، حيث تحلّق أهل الاعلام وحشد من المثقفين والفنانين والناشطين في مجال العمل الانساني. المناسبة كانت مؤتمراً صحافياً دعا إليه مركز الامم المتحدة للاعلام في بيروت، لاطلاق «فيديو كليب» مرسيل خليفة، وقد أراده صاحبه صرخة تمسّك بالحياة، ولفتة تضامن انسانيّة مع كلّ ضحايا الكارثة التي حلّت، قبل شهر كامل بالضبط، بدول جنوب آسيا. في الحقيقة كانت المناسبة أشمل من ذلك، إذ طمح منظمو الحدث الى تعبئة الرأي العام اللبناني والعربي، في سياق حملة التضامن الدوليّة التي أطلقتها الأمم المتحدة، من أجل التضامن مع ضحايا «تسونامي»، المباشرين وغير المباشرين، كما لفت نجيب فريجي مدير مركز الأمم المتحدة الاقليمي للاعلام، في معرض تقديمه للقاء. وأشار فريجي في كلمته إلى ضحايا «تسونامي الصامتة» التي تشمل الجوع والفقر والأوبئة والكوارث الطبيعية الأخرى والنزاعات المسلّحة والجريمة المنظمة والمخدرات، وهي لا تقلّ تدميراً عن الأمواج العاتية التي ضربت شواطئ المحيط الهندي، وتنبغي مواجهتها ومكافحة نتائجها الفظيعة.

وحضر اللقاء الزميل بشارة شربل رئيس تحرير جريدة «البلد» التي احتضنت المبادرة، وتميّزت بحملتها الواسعة تضامناً مع ضحايا تسونامي. وشرح شربل في كلمته خلفيات المبادرة التي أطلقهاها مؤسسته الاعلاميّة، وأبعادها الانسانيّة والاخلاقيّة التي تتجاوز الكارثة بحدّ ذاتها، إلى رفع الطابع العنصري في التعاطي مع عشرات آلاف العاملين والعاملات في لبنان والعالم العربي، من أبناء تلك المناطق المنكوبة. وطالب رئيس تحرير «البلد» بوضع خطّة توعية شاملة لأهميّة التضامن الانساني، على المستوى الاعلامي والتربوي والثقافي، واستنفار أهل الرأي في قضايا حقوق الانسان، ومنع التمييز بين الجنسيات والاعراق، في مجتمعات ترزح تحت عبء العنصريّة والعصبيات.

وأثنى بشارة شربل على الدعوة التي أطلقها فريجي الى «أن يتم البناء على هذه المبادرة، من أجل أن يتحوّل لبنان إلى منبر تضامني عالمي يضمّ المؤسسات المختلفة، رسميّة ومدنيّة وانسانيّة، سواء اللبنانيّة أو العربيّة أو الدوليّة، في شراكة مع الأمم المتحدة، للوقوف معاً لمجابهة الكوارث المستوطنة والمستجدّة في مختلف أنحاء الكون الذي أصبح قريتنا أو خيمتنا».

وحين جاء دور الفنّان مرسيل خليفة، تحدّث بخفره المعهود، هو الآتي من ثقافة سياسيّة واخلاقيّة تعرف معنى «الشغّالين» و«المستغلين»، عن «لامبالاة مقرفة، أو بالأحرى عنصريّة تعشش في مجتمعاتنا العربيّة». وذكّر أن في لبنان 08 ألف مواطن من التابعية السريلانكية، ومع ذلك فـ«العالم بأسره يمد يد المساعدة إلى المنكوبين... أما نحن فلا!». ودعا خليفة إلى التبرع «كي نكفّر عن ذنوبنا تجاه العمالة الآسيويّة، من ظلم مكاتب حديثة ومنظمة تتعاون مع مافيات مرتبطة بوزارة العمل...»، لا ستيراد «رقيق» معاصر، «يتم استعباده بأجور زهيدة وساعات عمل لا ضبط لها». كما ذكّر بالممارسات السائدة بحق العاملين والعاملات، من «سجن مطبق وعنف جسدي واستغلال جنسي واحتقار يومي». واختتم: «على رغم ظلمة الأشياء سنضيء شمعة وسط ظلام دامس».

لكن النوايا النبيلة، ومشروع التضامن الذي يستحقّ كل ثناء شيء، والبعد الفنّي للـ «الفيديو كليب» الذي عرض على الحاضرين شيء آخر! فشريط الفيديو الذي يحمل عنوان «ونحن نحبّ الحياة» (انتاج شركة «Signature Production» التي تمثّلت على المنصّة بشخص بول صبّاغ)، أبعد ما يكون - من الناحية البصريّة والفيلميّة - عن العمل الفنّي! العمل الذي يحمل توقيع Sebastien L، عمليّة مونتاج (توليف) بدائيّة للمادة الأرشيفيّة التي شاهدناها على كل شاشات العالم (قدمها «تلفزيون المستقبل»)، من النوع الذي يمكن لأي طالب سنة أولى في أي معهد سينما، أن يقدّم أفضل منه. طبعاً هناك مقطوعة مرسيل خليفة المميّزة، جملة موسيقيّة واحدة، تتكرّر، في حركة تصاعديّة، بصيغ توزيعيّة مختلفة تتشابك وتتآلف، حتّى الذروة... إذ تتدخّل الأصوات البشريّة، ويبلغ النشيد ذروته حيث تستحيل نبرة الحداد الحزينة، صرخة صاخبة من أجل التمسّك بالحياة. «فكرت بأمّي التي فقدتها من زمن بعيد»، أوضح خليفة التي قال إنّه حاول أن يصوّر صراع الحياة والموت. لكن العمل لا يستحقّ تسمية «كليب» للأسف. وكان الأجدر بأصحاب المبادرة أن يعهدوا بالمشروع الى مخرج يوازي خليفة نضجاً فنياً، يمكنه أن يبتكر شريطاً ذا ملامح ابداعيّة خاصة، وقدرة على التأثير في الذائقة والمخيّلة والوجدان...

لكن ما همّ! فقد ربح «مركز الأمم المتحدة للإعلام» رهانه... إذ سلّط الضوء على التقصير اللبناني والعربي في حملة التضامن العالميّة مع ضحايا «تسونامي». وأفسح المجال أمام إعلامي بارز وفنّان مسموع على نطاق واسع في العالم العربي، كي يذكرانا أن في العالم العربي عشرات آلاف المعنيين في شكل غير مباشر بالكارثة... فإذا كنّا لا نستطيع تخفيف آلامهم، فعسانا على الأقل لا نزيد جراحهم نزفاً واتساعاً!