لأنني مدرك لما سأتسبب به لأولادي إن تزوجت فقد اتخذت قراري بالعزوف عن الزواج .. ولأن الخاص يتبع العام بشكل أو بآخر ويؤثر فيه كما يتأثر به .. فقد كانت الأسباب العامة أشد خطورة من الخاصة ، كما أن أمر إزالتها في الواقع مستعصياً لدرجة لم تعد وصفات الخبراء ولا تحذيرات أهل الاختصاص تفيد شيئاً .. ولو كان الخاص أقوى من العام لوجدتُ ألف حلٍّ وحلّ .. لكن أصل المشكلة يتجاوزني ليشمل الكثيرين ممن يعيشون حياة تشبه حياتي ، ومخاطر سوف يتعرضون لها كما سأتعرض ..
ولن أكترث لما يعتبره غيري تطنيش تحت مقولة " طنّش تَعِش " .. فقد مقتُّ هذه المقولة طوال حياتي ولم أعمل بها قط .. فما تشير إليه الإحصائيات المتوقعة يتجاوز حدود الفردية ليضع الجميع في سلّة واحدة .. فمن 17 مليون سوري سوف يرتفع هذا العدد ليبلغ في عام 2020 ما يقارب 30 مليون سوري ، ومن معدل بطالة تبلغ حالياً 20 % من عدد السكان سوف تزيد عن هذه النسبة ما دامت نسب الإنجاب إلى ارتفاع .. فمن أين لنا بتدبير حال أولادنا في المستقبل إذا كنا نحن أنفسنا لا نستطيع تدبّر أحوالنا ؟؟.. وهل ستتوفر الإمكانات اللازمة لحياة أطفالنا ؟؟ فإن وفرنا لهم المسكن والملبس والتعليم والعمل فمن أين لنا لندبر لهم الموارد الطبيعية التي تضمن استمرار حياتهم .. وهي في نقص مستمر .
لهذه الأسباب مجتمعة وغيرها ... لن أتزوج
لن أتزوج لأنني لا أمتلك بيتاً أسكنه .. ولا أملك مالاً أقدمه مهراً لفتاة ستكون زوجة لي .. وليس بمقدوري أن أشتري عفش بيت كامل أو ناقص وأرمي به في بيت بالأجرة لأحترق بنار بدلات الإيجار اللاهبة .. ولأن أبي لم يورثني سوى الديون .. سأبقى أعمل لأوفي ديوناً بذمته لأهل الخير .. وليس من المنطقي أن أترك ديون أبي بعنقي لأتناساها وأهرب إلى حضن زوجتي ..
ولأن الطرق التي توليها الحكومة في مساعدة الشباب في أمور الزواج لا تؤتي أكلها فلن يقدر المصرف العقاري أن يساعدني في شراء بيت لأن فوائده مرتفعة إلى حد إن خاطرت وأقدمت على شراء بيت عن طريقه فلن أفعل سوى أن أعمل وأدفع راتبي وراتب زوجتي ونفتح أفواهنا للهواء الملوث ليكون غذاءنا الوحيد هو الميكروبات والجراثيم والغبار ودخان السيارات وغيرها من مسببات الأمراض .. والمصيبة إن حدث ومرضنا فمن أين لنا بالعلاج ؟؟ فزيارة الطبيب تكلفنا 500 ليرة سورية ندفعها خلال أقل من خمس دقائق نقضيها في عيادته السوبر ..
ولأن قرض الزواج لم يجلب المنفعة سوى لمصرف التسليف الشعبي لأنه بفوائده الكبيرة وأقساطه المرهقة ومبلغه المتواضع جداً أمام متطلبات الحياة منعني من التفكير به كحل من الحلول التي يسهرون ليلهم ( أولو الشأن ) وهم يطيلون التفكير بنا نحن معشر الشباب ..
ولأن والدتي رفعت العشرة وهي تولول قائلة : " روووح تزوج على كيفك بقا .. ما بيعجبو العجب ولا الصيام برجب " ..
ولأنني لم أعد أثق كثيراً بفتيات هذه الأيام ( عذراً ممن هن فوق الشك ) كما أنهنّ لا يثقن بكثير من الرجال ، إضافة إلى أن من أراهنَّ في مكان عملي عوانس ( وهنّ كثيرات ولا أقدر على عدهنّ ) ويكبرنني بالعمر بضع سنين .. فلا مجال لدي لأن أفكر في إحداهن زوجة لي ورغم أن وردة الجزائرية تغنّت بفرق السنين بين أي اتنين مالوش مكان عند العاشقين .. إلا أنني لا أحبذ هذه الفكرة نفسياً وجسدياً .. وبسبب ما سوف ألُحقه بأولادي ( إن حدث وأنجبت ) من فاقة وتعتير وعوز دائم لماء ينضب شيئاً فشيئاً من دمشق .. ولكهرباء فواتيرها تقوّس الظهر .. ولفواتير الهاتف نصيب من الغلاء بعدما أصلحوا الحال ( بنظرهم وحدهم ) ورفعوا قيمة المكالمات الداخلية ( واليقين أنها سترتفع ريثما يكبر ابني ويتعلم الكلام ليحدثني وأنا في مكان عملي إن لم أُطرد منه شرَّ طردة بحجة إصلاح حال القطاع العام ) وإلى أن يكبر ويصبح لديه الكثير من الرفقة السعيدة فيتبادلون النكات والأحاديث المضحكة عبر الهاتف .. ولفاتورة الموبايل التي سيحملها في يده متحدثاً طول الوقت ..
ولأنني لا أقدر على التفكير ( مجرد التفكير ) بشراء سيارة .. ولأن زوجتي سيكون من ضمن أحلامها هذا الكابوس المرعب مما سيخلق بيننا مشاكل كبيرة نحن في غنى عنها ..
ولأني أدرك أن حلم الطفل لعبة يلهو بها .. وحلم المرأة أن تدّخر من وراء زوجها لسود الأيام المقبلة أو أن تشتري بما ادخرته ذهباً ( ولن تستطيع ذلك ما داموا شملوا الذهب بضريبة الإنفاق الاستهلاكي ) .. وحلم الرجل دائم في الجنس والمال والنفوذ واللعب وملاحقة الحسناوات بأعين شبقة ..
لأجل هذا كله ولغيره .. قررت أن لا أتزوج
ولا تظننَّ عزيزي القارئ أنني الوحيد من اتخذ هذا القرار فكثيرون مثلي فقدوا الأمل .. وعزفوا عن الزواج والتفتوا للعزف على أوتار المعاناة والكآبة لتخرج من صدورهم سيمفونيات أعظم مما ألّف بيتهوفن وموتسارت ..
ولكن سأعدل عن قراري هذا إن حدث ..... وأصبح راتبي يتجاوز مبلغ ثلاثون ألف ليرة على أقل تقدير دون أن يحدث توابع لزلزال زيادة الرواتب بزيادة في أسعار ما عددته من أسباب قاهرة تمنعني من التفكير بالزواج ..
وقتذاك فقط ربما .... ربما أفكر بالزواج ...
نضال كرم
نشر بتاريخ :2005-02-03
http://seczn.com/viewnews.php?nseq=17551