الحريري رماداً للفينيق!


"ان الذين يؤمنون بالخرافات تنقصهم المخيّلة".

مثل سائر

كانت الطائرة على وشك الاقلاع من مطار باريس الى نيس قبل ظهر الاثنين عندما أوقف التلفزيون برامجه ليعلن حصول انفجار كبير في بيروت سقط فيه عدد من القتلى والجرحى.

ولحظة دخول الركاب الى الطائرة تلقت سيدة لبنانية كانت متوجهة الى "كان"، إبلاغا عاجلا من خدمة "سي ان ان" الاخبارية ان الانفجار استهدف الرئيس رفيق الحريري، وأنه استشهد مع عدد من مرافقيه، وان النائب باسل فليحان قد أصيب، وأن حالته خطرة.

وما أن أعلنت النبأ للبنانيين الذين كانوا في الطائرة متوجهين الى أهم مؤتمر عالمي يعقد في "كان" للبحث في مستقبل تكنولوجيا الاتصالات، ولعرض آخر مبتكرات العقل البشري في حقل الرياضيات والفيزياء المتصلة بتقنيات نقل المعلومات، واستكشاف آفاق هذا القطاع الذي تساهم في ازدهاره المدهش الطاقة الخلاقة للانسان أكثر من أي آلة أخرى ما ان أعلنت النبأ على الركاب اللبنانيين حتى ساد الطائرة وجوم مطبق. وبادر أحد هؤلاء الركاب الى القول: "مش ممكن. هيدا البلد ما عاد ينعاش فيه"، ولاحظ آخر انه في الوقت الذي يتوجه الى "كان" أكثر من عشرين الف عالم وتقني ورجل أعمال معنيين بأهم تقنية في العالم المعاصر، لتقريب المسافات بين الناس، ونشر المعارف وتأمين مشاركة العقول المبدعة في تحقيق عالم يسوده الاعتدال والسلام والتسامح، ينشغل العقل العربي في القتل والاغتيال والغاء الآخر بدل محاورته في الاصلاح والديموقراطية، في أبشع جريمة عرفها العصر في بلد سُلِب شعبه حقه في الحرية والسيادة والاستقلال والحياة الطبيعية شأنه شأن أي بلد آخر في العالم.

وأيا تكن النظرية الصائبة في الطريقة التي اعتمدت للتخلص من الرئيس رفيق الحريري بحرقه بالنار، والطرف الممكن وقوفه وراء العملية، والمستفيدون من اغتيال الحريري، فان ثمة "ثابتة" تاريخية هي أنه منذ محاصرة الاسكندر لصور بين 333 332 ق.م. ورفض أهلها الاستسلام مفضّلين احراق أنفسهم على الخضوع لمشيئته، واللبنانيون يقاومون كل اسكندر حاول إذلالهم من أجل الغائهم. لذلك ينضم الشهيد رفيق الحريري ابن صيدون الى مقاومي النار، وتصعد روحه الى حيث صعدت في القرن الرابع عشر روح البطريرك انطون حجولا الذي أحرقه المماليك بالقاء الزيت والقطران عليه في ساحل التل في طرابلس لأن البطريركية المارونية رفضت الانصياع لهم. ورغم ذلك صمدت بطريركية لبنان في وجه جحافل الغزاة، ونقلت مقرها من دير ميفوق الى وادي قنوبين حيث واصلت الدفاع عن وجود لبنان الحضاري والتاريخي. هذا الدور الذي يتابعه اليوم البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، "الاب الروحي" للمعارضة الوطنية. وربما كان اللجوء الى النار مع الحريري من أجل انتاج رماد يحتاج اليه الفينيق اليوم أكثر من أي يوم آخر لكي ينبعث لبنان الجديد المتحرر من التبعية والمؤكد وحدة شعبه وتماسكه في وجه الارهاب والطغيان.

وإذ نقول انه ليس مهما ان نعرف من قتل رفيق الحريري، فاننا لا نغفل السؤال: لماذا قتل الرجل؟ وهل الشخص هو المقصود أم لبنان المعاند الذي وحّد أهله استشراسهم في التمسك به والدفاع عنه، حتى في وجه نار جهنم؟ كذلك لا نغفل المسؤول عن "تحليل" الاجهاز على الحريري وازهاق روحه بالطريقة التي تمت بها، لتكون عبرة لـ"الآخرين"، وهم معروفون وقد سمّى بعضهم الامين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الى المنطقة السيد تيري رود لارسن.

[SIZE=5]ونسأل ايضا: هل كانت تنكات الزيت التي جرت مطاردتها في بيروت قبل اغتيال الحريري بأيام، الضوء الاخضر بلون الزيت الذي كشف ان الرجل لم يعد يتمتع بأي غطاء، وان استعجال ملاحقة الجمعية التي كانت توزع "زيت الزكاة" على أساس انه "زيت انتخابي" قبل اقرار مشروع قانون الانتخاب الذي يحدد المحظورات التي أدرجت تنكات الزيت في خانتها، كان المعبر الى الحريق الكبير الذي لفح لهبه العالم أجمع؟