أطراف النهار

"استراتيجية خروج" أو "سكتة قلبية"

حسن البطل

"الجنبلاطية" اللبنانية للخطير من الأمور، منذ "حرب الجبل" سنة 1860, فالى الانتفاضة المسلحة ضد "الشمعونية" العام 1958, فالى "حرب الجبل الثانية" او الحرب الاهلية اللبنانية العظمى 1976 - 1989.. والآن، تتزعم الجنبلاطية "انتفاضة الاستقلال"!
الرحى اللبنانية تدور، منذ "المسألة الشرقية" في القرن 18 و "امبراطورية الرجل المريض العثماني" على محوري الطائفة - العائلة، وبعد حرب العام 1958 حتى مطالع سنوات الحرب الاهلية العظمى او "حرب الجبل الثانية"، قال احد ساسة لبنان ان مصيبة هذا البلد في "حرب كميل وكمال" او الزعيم الماروني كميل شمعون، والزعيم الدرزي كمال جنبلاط. وسبب المصيبة - كما قال - انهما "متفقان في المنطقة ومختلفان في المنطق".
المنطقة الانتخابية هي الجبل، وجبال الشوف تحديداً، والمنطق هو، كما قال مؤسس وزعيم "الكتائب اللبنانية" بيار الجميل: "اي لبنان نريد". هذه المرة ستكون الحرب مختلفة، لأن اولاد السلالة الجنبلاطية والشمعونية والجميلية متفقون على سورية؛ ومتفقون في المنطق وعلى اي لبنان يريدون.
ترون وليد ابن كمال جنبلاط يتصدر المنصة، ويحيط به امين ابن بيار الجميل، ودوري ابن كميل شمعون.. وانضم الى المنصة شاب جديد هو النجل الأكبر لرفيق الحريري، وارملة هي نائلة معوض، حرم الرئيس اللبناني رينيه معوض المقتول بعد انفجار غامض!
هكذا، تتزعم الجنبلاطية جبهة لبنانية وطنية تبدو فوق طائفية، وإن كانت عائلية. يمكن القول، حتى قبل تشظي الحريري ورفاقه، ان سورية خسرت الحرب، لأن الشارع الغاضب على سورية في لبنان يحمل صوراً متجاورة لكبار قتلى العائلات اللبنانية في الحرب: كمال جنبلاط 1976 الى جانب بشير الجميل 1982, الى جانب رفيق الحريري 2005.
ستقولون ان "امراء الحرب" دفعوا ثمن حروبهم من حيوات آبائهم، اولادهم، واشقائهم، غير ان معظم "امراء الحرب" شكلوا تحالفاً لضحايا الحروب التي اشعلوها.. انه تحالف بقيادة جنبلاطية ايضاً.
كان لياسر عرفات توأم جنبلاطي اسمه كمال جنبلاط. في مذكرات جنبلاط الأب، او "سيد المختارة" التي نشرت بعد مصرعه، قال اسبابه للتحالف مع الفلسطينيين: "اذا نصرت الفلسطينيين قد يذكرني التاريخ بسطر مضيء.. لكن، ان خذلتهم سيلعنني بصفحات سود".
جنبلاط الابن ودع عرفات والفلسطينيين في مرفأ بيروت 1982 بعيون دامعة.. وصليات من البندقية الرشاشة. فيما بعد، سيوجه وليد جنبلاط نقداً سياسياً لاذعاً لعرفات، الذي زعل جداً، وقال: "هذا ولد جنبلاط". الولد كبر ولا يروقه ان يأتمر بالأسد - الابن، علماً ان جنبلاط - الاب تمرد على الأسد - الأب.
لماذا تمرد جنبلاط - الاب على سورية؟ لأن لبنان العربي غيره لبنان السوري.. ولأن سورية صارت "تمتحن" رؤساء الجمهوريات اللبنانية منذ ولاية الرئيس الياس سركيس .1976 قبل ذلك، كان الرؤساء المرشحون يخضعون "لامتحان" وليد بيك جنبلاط!
ذات مرة، اعطى كمال جنبلاط درساً في الحكمة السياسية لياسر عرفات، فعندما عارض الزعيم الفلسطيني نشر الجيش اللبناني في بيروت، مطلع الحرب الاهلية اللبنانية، قال له جنبلاط: مع كل الاحترام، لا يحق لك ان تقول "لا" لجيش لبنان، في عاصمة بلاده. تعلم ان تقول "لعم"!
لعل على الاسد - الشاب، الموشك على خسارة لبنان ان يدرس جيداً تكتيكات عرفات - الاسد الاب طيلة ست سنوات، منذ اغتيال جنبلاط - الاب الى خروج عرفات من بيروت.
عليه، ثانياً، ان يطرد "الحرس القديم" السوري المحيط به الذي ورثه عن والده، واولهم السيد عبد الحليم خدام، خصم عرفات اللدود، لماذا؟ عندما حذروا اسد سورية من التورط في لبنان، قال خدام: "ما بيطلع شيء من شباب الديسكو والبارات" ولكن هؤلاء خاضوا اشرس الحروب ضد الجميع: مع الفلسطينيين ضد سورية، مع الاسرائيليين ضد الفلسطينيين، مع السوريين ضد الاسرائيليين.. والآن، جنباً الى جنب، في "انتفاضة الاستقلال".
الاسد الشاب يحتاج "استراتيجية خروج" من لبنان، ان لم يتعلمها من الفلسطينيين، فمن الاسرائيليين. لا يكفي ان يغير مدير الاستخبارات السورية العسكرية اللواء حسن خليل بصهره اللواء آصف شوكت.
ليست كارثة ان تخسر سورية لبنان، لأن الكارثة ان تخسر سورية نفسها في سورية، آنذاك، ستصاب العروبة السياسية بأكثر من جلطة عراقية.. ستصاب بسكتة قلبية.


http://www.al-ayyam.com/znews/site/templat...&Date=2/20/2005