تمكر المعارضة و تمكر الموالاة و الله خير الماكرين..

أما وقد تبين أن الشارع مجرد" نرد" طيع مرن تقول له "شيش" فيقف عند الرقم سته أو تقول له "جهار"فيقف عند الرقم أربعة فلا عزاء "للديمقراطيات",و لا نقاط في سجل أي من الفريقين و قد جيش كل منهم "حارة"طويلة عريضة تختفي تحت العلم اللبناني .فليبحث كل فريد عن نقاط دعم أخرى تعزز مركزة و لا بأس بالأستقواء بدول عظمى أو دول كانت عظمى أو حتى دول مهددة بتكسير الرأس.فقد أنكشف عورة الشارع عن فزاعة و كل من تجمع في ساحتي رياض الصلح أو ساحة الشهدا مجرد رؤوس قابلة للعد تباهى كل طرف بعدد الأصفار التي تستلقي على اليمين.

في مباراة نفخ الأوداج و شد الحلوق هذه و بعد المظاهرة "المليونية" اليوم و قد تبين أن الهدف من المظاهرة كلها الأستماع الى السيد حسن نصر الله الذي كرر ما قاله في مؤتمره الصحفي .يتكشف لنا أن الشارع مجرد "مركوب" سلس مروض و مبرمج وفق أرادات عليا تتحكم بهتافاته و شعاراته و مطالباته . و الحال كذلك لا يحق لأحد معارضة أو غير معارضة أن تدعي أمتلاك شارع حقيقي يشكل لها مستند رسمي.و لا فضيلة لأحد يدعيها بامتلاك شارع تبين أنه شارع ماكر مصاب بانفصام في الشخصية.

جميع اللافتات كانت مكتوبة بخط واحد و يبدو أنها مطبوعة بنفس المطبعة و قد يكون صاحبها من منظمي هذه التظاهرة العفوية الأعلام اللبنانية جديدة لامعة نظيفة مفصله وفق مقياس موحد و كذلك عند خياط واحد,أما الهتافات فكانت باتجاه واحد و لكنها كهتافات الشارع الآخر مكسورة الوزن و القافية مما يدل على أن شاعر هذه الشوارع غير متمكن من فن الزجل الذي يتقنه أكثر أهل الشارع اللبناني مما يدعو الى الأستغراب الشديد.أما المتظاهرون فكانوا أقرب الى" التجمهر" من التظاهر أو أقرب الى المتجمعين حول خناقة للأستفهام عما يجري.

هذا الداء داء" التجمهر" حول حوادث المرور أو حوادث الشجار لا للمساعدة و لكن للفرجة يصيب كل الشوارع العربية فما نشاهده من حشود هلامية ليس أكثر من فقاعات كبيرة محشوة بالقش لا تصمد أمام شرارة صغيرة.لأن هذه الجماهير العريضة و على ضفتي الخلاف ما زالت أسيرة خطاب حماسي بعيد عن الواقع و لا يعبر عن عمق الفكرة التي تتجمهر حولها و قد اذهب أبعد لأقول أنها لا تعرف لماذا تتجمهر اصلا.و هي تقابل كل خطاب صارخ بتصفيق أو هتاف جنوني رغم عدم وضوح الصوت.

خبرة الجماهير ضعيفة أو محدودة فما زالت تتراقص أمامها شعارات المرحلة الماضية و تجمعات المرحلة الماضية و هي غير واثقة بشكل كلي في الجهة "العظمى"التي تطلق نداءات الحرية و الديمقراطية,فالجماعات المنساقة ورائها تسبح خلفها و لكن بمنطق من سبح خلف قيادات الثمانينات المؤدلجة بدون وعي كمن "يروبص" في نومة و يتوقع أنه سيقع في نهاية المطاف على كنز ثمين.أما المخالف فما زال يتمترس خلق كيس الرمل ذاته و يبتهل أن لا تكون الرصاصة القادمة في راسه و ينتظر ربما "غودو" في مدد لن يأتي و لكنه مشدود الى كيسه الرملي بقصة حب لا يمكنه الفكاك منها.

الديمقراطية ليست "تحميلة" طبيب "تمقرط" من يأخذها بعد ربع ساعة و بدون اثار جانبية الديمقراطية منتج حضاري لا يمكن استيراده و لكن يمكن صناعته وفق أفضل الحداثات و أتمها .و خطاب متنمر من السيد جورج بوش لن يدس الديمقراطية في انوفنا .و السلوك الديمقراطي لا يعترف باسلوب "المجاكرة"الذي يجري على الساحة فأن أحضرت عشيرتك الأقربين أحضرت عشيرتي الأقربين.و يتحول الأمر الى مكاثرة و منافرة على طريقة العربان.

يبقى لدي ملاحظة بسيطة...

في تظاهرة اليوم شاهدت شابا يمتلىء حماسا و قد رفع صورة "الفارس الذهبي المرحوم باسل الأسد" فقفزت الى ذاكرتي فورا حكاية "عباس و دباس"