وهو في هذه الحالة ملاك حارس ، وفقدانه يعني تهديدا بالخطر .. خطر الحماقة في الانجراف وراء حرية التعبير والإفصاح عن الخواطر ، هو لا يوبخ ، لا يضرب ، لا يعتقل .. فقط يصادر كلماتي وفي كثير من الأحيان يحبس أفكاري ، والحقيقة انه غير معيّن او مدسوس .. ولكنه نما وكبر معي وتمكن مني وأصبح جزءاً لا يتجزأ من تكويني ، ويمارس صلاحيات واسعة في تسيير أعمالي ..



يلاحق أناملي على لوحة المفاتيح ( على الدعسة ) وطالما سمعته يتذمر من بعض كلماتي وأحيانا يوقفني بالأمر ويأمرني بإعادة تشكيل العبارة وصياغة الأفكار وفق معايير ومقاسات يحددها ، والويل لي إذا حاولت التمرد على إرادته ، يؤرقني .. يرعبني يجيء إلي بالكوابيس طوال الليل ، والهواجس السوداء كل النهار، مع كل رنة هاتف او طرقة باب ، فاتعلم الا اعيد الكرة واصبح الابن البار الخادم المطيع لاوامره .. لان في هذا راحة بالي ..



ويمارس هذا العنصر الملاك دورا طريفا غريبا ، يتمثل في عرض الصور والحوادث طوال الفترة التي اقضيها في الكتابة ، طلاب يسجنون لمجرد التظاهر ، ومواطن موقوف بتهمة ارسال " ايميل " .. معتصمون تجتاحهم مظاهرة تأييد .. هذا عدا عن لعبه دور الذاكرة الحية التي تعيد عليّ وجوهاً عابسة وشخوصاً غاضبة وكلمات نابية .. مواقف سابقة لا أتمناها أن تعود ..



يمارس التشويش الصوتي على أفكاري ويعيد علي شريط متعفن قديم لا يتخلى عنه ابدا .. " شو بدك بهل الصرعة " ، " بعيد عن الشر وغنيلو " ، " هلق بيزعل " ، " بلا ما يجيك شي تلفون يزفك " ، " حرام عندك اولاد " ، " ما في شي محرز لتروّح حالك " ، " فخار يطبش بعضوا شو بدك بهل الصرعة " .. اقاوم اصارع واساند افكاري علها تتغلب على هذا الضجيج الذي لا يهدأ .. دون جدوى ..



ملاكي المخابراتي هذا ، يجول داخلي ويرسم ، خطوطا حمراء ، مستقيمة وملتوية ، دوائر ، اطر ، وخطوط متداخلة ، لوحة سريالية لها اول ليس لها اخر ، ممنوع المرور .. خط احمر ، وخط احمر.. ممنوع الدخول ، وهكذا ، اقتطع ، اختصر ، ابتلع ، الغي ، احذف ، امزق .. أعزف عن الكتابة ..



ملاكي هذا خبير في التعمق والتأويل ، " بلكي فسروها .. " ، " انتبه هذه لها اكثر من معنى " ، " يا استاذ يُفهم من هذه العبارة كذا " .. " هل تحسب نفسك ذكيا لتمرر بين السطور " .. " هذا تلميح غير مقبول " ، " انت لم تذكره بالاسم ولكنك عنيته " ، " هذا مناهض .. " ، " انتبه النظام " ، " الرئيس " ، " الاشتراكية " ، " الاهداف " ، " التاريخ " ، " الاستقرار " ، " الوحدة الوطنية " ، " النعرات الطائفية " ، " الدين " ، " الدولة " ، " الحكومة " ، " اعضاء الحكومة " ، " مجلس الشعب " ، " رئيس مجلس الشعب " .. ، .. " الشعب " .. ، .. مهلا .. " الشعب " ليس ضمن القائمة ..



ملاكي لا يوافق على أخر عبارة .. يقول لي :

* اشطبها

- لن اشطبها

* يصرخ في رأسي : اشطبها

- يا سيدي لن اشطبها

* " لا تكبر راس " واشطبها

- يا سيدي " خراس وسد نيعك " لن اشطبها



مهلا ملاكي " يوشوشني " .. ؟!!



عفوا لدي ما أقوله لكم بالنسبة لما ذكرت عن الشعب .. " الشعب " ضمن القائمة ..


syria-news.com