الجزائر: محاكمة «الشاب عزالدين» بسبب أغنية ساخرة انتقد فيها مظاهر الفساد
الجزائر - محمد مقدم الحياة 2005/03/18

قرر قاضي محكمة جزائرية وضع مغن بارز رهن الحبس الاحتياطي في انتظار محاكمته قريباً بتهمة المس بشرف القضاء وهيئات نظامية. ويُعتقد انها المرة الأولى التي يحاكم فيها القضاء مغنياً بسبب مضمون كلمات أغنيته والتي تكتسي طابعاً سياسياً.

وأفاد قريبون من عائلة مطرب أغنية «الراي» الشاب عزالدين، أن الشرطة اعتقلته مطلع الأسبوع الجاري بسبب شكاوى قضائية رفعها ضده قضاة ووالي الولاية وهيئات محلية يتهمونه فيها بالمساس بـ»شرف هيئة نظامية».

وأكدت مصادر محلية أن متاعب الشاب عزالدين، المعروف بوصفه أحد أبرز وجوه أغنية «الراي» الشبابية التي تنتشر في غرب الجزائر، بدأت مع صدور شريطه الأخير «شوف الحقرة شوف». ويتناول الشريط تزايد المظالم على المستوى المحلي وانتشار مختلف مظاهر الفساد في ولاية الشلف (250 كلم غرب الجزائر).

وحمل الشريط الأخير، الذي يلقى رواجاً هائلاً في ولاية الشلف، تشريحاً ساخراً من تنامي مظاهر الفساد في هذه الولاية التي مزقتها أعمال العنف منذ مطلع التسعينات قبل أن تسيطر «مجموعات المصالح» المحلية، كما يصفها بعض السكان، على مقاليد القرار فيها وتبدأ في تحويل الأموال والممتلكات لمصالحها. وفقدت الشلف عدداً كبيراً من مسؤوليها الذين قُتلوا على يد الجماعات المسلحة. ومن أهم ملفات الفساد في الولاية ملف إعادة اعمارها بعدما هزها زلزال مدمر سنة 1980 وخلّف خسائر مادية وبشرية كبيرة.

وتضمن شريط الشاب عزالدين وصفاً نقدياً لمظاهر الفساد، وذهب إلى حد تقديم أمثلة عن حالات فساد ورشوة، وحض سكان الولاية في أغنية على مكافحة هذه المظاهر الغريبة عن تقاليد سكان الولاية المحافظة.

ويقول م. أحسن (45 عاماً) أن اعتقال الشاب عزالدين «لا ينهي مظاهر المعاناة التي استنكرها بشجاعة (...) عزالدين لا يمارس السياسة وهو استنكر مظاهر موجودة ونعيشها يومياً». أما الأستاذ هـ. جعفر (36 عاماً) فقال ان اعتقال مطرب أغنية الراي بسبب موقفه «يعني شيئاً واحداً فقط وهو أن هؤلاء لا يرغبون في أن يعرف الناس خطورة ما يرتكبونه من جرائم». وأضاف: «اعتقاله لا ينهي من صدى شريطه الغنائي بل سيزيد من شعبيته».

ومنذ اعتقال عزالدين مطلع الأسبوع لم يجد السكان من وسيلة للتضامن معه إلا اقتناء شريطه الجديد ونسخه مجاناً واستعماله في المحلات والمقاهي للتعبير عن تعلقهم به وتقديراً لدفاعه عن «المحقورين» (المظلومين) في هذه الولاية الريفية.

ومنذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة العام الماضي صدر شريط أول للفكاهي «عطاء الله» دان فيه مظاهر الفساد وتقاسم الريع بين «جماعات المصالح»، وهو ظهر الثلثاء في حصة «الفهامة» الساخرة التي يبثها التلفزيون الجزائري، واستنكر غياب الأخبار من نشرة الأخبار وهيمنة الموائد المستطيلة بعد زوال الموائد المستديرة الحوارية، في إشارة إلى غياب الرأي الآخر.

وظلت المساجد تشكل منذ مطلع التسعينات الملجأ الأكثر «استقلالية» لإدانة الفساد، لكن تردي الأوضاع الأمنية ساهم في تراجع تأثير المساجد واهتمامها بظواهر الفساد. وتواجه صحف مستقلة منذ شهور متاعب مع القضاء الذي أصدر، الثلثاء، أحكاماً قاسية بالسجن والغرامات المالية في حق صحافيين بسبب كتابات تناولوا فيها مظاهر فساد مزعوم في البلاد.