قبل وصول الجنود للقبض على المسيح قال الكلمات التالية، فهي من كلماته الاخيرة جدا:-

17:4 أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ.
17:5 وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ، بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ. (انجيل يوحنا)

نفهم من الاية الرابعة ان المسيح قد أكمل عمله وأنجز المهمة التي أعطاها إياها الله. فإذن أي شيء حصل بعد أن اكمل المسيح عمله يعتبر خارجا عن جدول أعماله (unplanned work). فهل نسي المسيح للحظة ان عليه ان يموت فداء لاتباعه؟ وعليه ان يقوم من بين الاموات؟ ويحقق "نبؤات" العهد القديم؟ فاذا كان كذلك، فابن الاله هذا يبدو انه يعاني من مشكلة في الذاكره، وسيئ الحفظ!

أنا شخصيا لا أعتقد انه نسي كل ذلك، فالمهمة انتهت، وهي كالتالي:

17:3 "...أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ." -- بمعنى آخر، ان المهمة التي جاء المسيح من أجلها هي أن يعلم الناس بانه لا إله الا الله وحده لا شريك له، وان المسيح رسول الله.

والموت على الصليب لم يكن من ضمن المهمة الموكلة إليه. لذا نرى في الاية الخامسة انه يدعو الله ان يمجده عند ذاته، في حضرته، وليس على الصليب. فالصليب لايبدو انه مكانا للمجد، خاصة اذا كان الرجل صلب عريانا أمام الناس. فبعد ان أنجز المهمة، دعا المسيح ربه ان يعطيه المكافأة التي وعده إياها. ولكن الله لم يفي بوعده، خذله عندما كان في أشد الحاجة إليه، وكافئه بالموت على الصليب نظير الخدمة التي قدمها المسيح الى الله!

"لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!" (متى 23:39)

طبقا لما أورده متى، فان المسيح قال الاية السابقة في معبد اليهود قبل يوم واحد فقط من القبض عليه. وقال لليهود بكل صراحة انهم لن يروه من تلك اللحظة الى ان يأتي مرة أخرى في نهاية العالم. عندها سيقولون له "مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ". ولكنهم رأوه مرة أخرى وصلبوه وقتلوه! فاذا كان لايستطيع ان يتنبأ بأحداث في المستقبل القريب جدا، فبالتأكيد ان عودته الثانية ليست حتمية!

يطالعنا كتاب حبكوك بنبوئة عن المسيح هذا نصها، طبقا لترجمة (Holman Christian Standard Bible) أو النسخة العبرية:

"تأتي لانقاذ قومك (أو جماعتك)، لانقاذ مسيحك، سحقت القائد من بيت الاشرار، وعريته من الرأس الى القدم" (حبكوك، 3:13)

فمنذ الزمن الذي جاء فيه النبي حبكوك الى يومنا هذا لم يأتي الا مسيح واحد، فلابد ان يكون هو المقصود في الاية السابقة. والاية تتحدث بصيغة المستقبل ولا تدل على حدث ماضي. نستنتج من الاية السابقة ان الله سينقذ أوليائه، اتباع المسيح، وسوف ينقذ مسيحه، وسيعاقب الله القائد الآتي من بيت الاشرار، بأن يعريّه من الرأس الى القدم. بمعنى آخر، ان قائد الحشد هذا هو المفروض ان يكون نال العقوبة وليس المسيح. ولكن، طبقا لروايات المسيحيين، فان المسيح يسوع، وليس القائد الشرير، من تم تعريته من الرأس الى القدم على الصليب! فكيف ذلك؟

أمّا نحن المسلمين فليس عندنا مشكلة على الاطلاق في تفسير الاحداث. فعندما قال المسيح لليهود بانهم لن يروه من تلك اللحظة، فقد صدق فيما قال، واليهود لم يروه ولكن شبّه لهم. وعندما دعا المسيح ربه بان يمجده في حضرته، لم يخذله ربه أبدا، استجاب لدعوته ورفعه اليه. "وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي..." (يوحنا 11:42). فمهمته انتهت كما قال هو بالضبط. والقائد الشرير الذي جاء للقبض على المسيح هو من نال العقوبة "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين"