قبل أن يوارى أحمد زكي....كلمة

لم يكون نموذجا متفردا أو لحنا نشازا كان واحدا من جملة وجوة "نماذج" شكلت مفردات السينما المصرية خلال ثلاث عقود.لم تكن هذه المفردات بذاك الغنى الذي يجب أن تكون عليه سينما عريقة ذات اساس يمتد ذيلة ليلامس نهايات القرن قبل الماضي.قد يكون السبب أنعدام المنافسة و قبول الجمهور لكل الأنماط المقدمة.و النمط هو الذي فرض نفسه على النجم و لونه بلونه.فمن موجة أفلام الأغتصاب الى موجة أفلام المخدرات الى موجة أفلام البنايات التي تتساقط نتيجة الغش الى موجة الأفلام التي سميت "سياسية" حتى موجة أفلام "الشباب" عمرت الوجوه التي أحتلت الصف التمثيلي الأول طويلا رغم أختلاف الأنماط و الموجات, و ذلك لأن هذه الوجوه لم تكن"حرفية" و أكاديمية بقدر ما كانت ذات قدرات "المقلد" و هو الشخص القادر على تقليد صوت و حركة و تصرفات الناس.و ان كانت ثمة بذور "حرفية"في "المقلد" و لكنه ليس هو الشخص الذي يتبوا بطولة فيلم.احمد زكي كان "مقلدا" بقدرات تمثيلية خاصة.

كانت قدرات المقلد بارزة و منذ "هالو شلبي" المسرحية الظريفه التي شارك بها مع سعيد صالح و مديحة كامل,فقد قدم فيها "نمرتين" في منتهى الأتقان كانتا جواز مرور له ليسجل حضورا أوسع في مدرسة المشاغبين دون أن يسمح له "بشكل مقصود" أن يضحك الجمهور لأن هذه المهمة كانت موكولة الى عادل أمام و سعيد صالح.ألتزامة الحرفي بعدم الخروج "عن نص" مدرسة المشاغبين قدم له فرصة ذهبيه لظهور طويلا في العيال كبرت هي ظهرت اكثر قدرات أحمد زكي التي تفوقت على من كان الى جانبة على الخشبة وخاصة زميلة سعيد صالح الذي كان يضحك الجمهور أعتمادا على سمعة سابقه ليس لها علاقة بشغب الأولاد. هذا الظهور الثلاثي ورغم ان حجمة غير كاف حقن قناعات كثيرة بكل من رأه بقدرته الفذه على الإضحاك و استدرار الدموع.

يعتقد الكثيرون أن أول بطولة سينمائية لأحمد زكي كانت في شفيقة و متولي و هو ليست كذلك فرغم أن أسم متولي الذي جسده أحمد زكي يحتل نصف عنوان الفيلم و لكن البطولة كانت مطلقه لسعاد حسني بنفس أسلوب الكلاسيكيات المصرية التي تدلل أحد ابطالها لدرجة "أفساده" على حساب بقية الأبطال و تدليل سعاد حسني جاء هنا على حساب أحمد زكي الذي "بلعها" و قام بما يتوجب القيام عليه لأنه يعرف أن مهمات أخرى تنتظره و شفيقه ليست الا جرعة مرة "يزلطها" ستهون امام الشهد الذي سيأتي بعدها.سلوكة خلال شفيقة و متولي اوحى بثقه كبيره يملكها الرجل في نفسه ساعدته على تخطي ما جاء بعدها بثبات.

خطا أحمد زكي خطواته الجدية في الثمانينيات و اصبح نجمها بلا منازع بسلسة أفلام لم تخرج عن الموجات السائدة و لعلنا لا نطلب منه أن يغرد خارج السرب ولو فعل لبقي خارج السرب.أفلام الثمانينات ركزت بشكل كبير على البطل الفرد تاسيا بالسينما الأمريكية التي ابتكرت هذا المفهوم فجاء "النمر الأسود" بنسخته المجاهدة و"البيه البواب" بنسخته الوصوليه,ما جعل عهد الثمانينات السينمائي يتوشح بلون معبر عميق منتج متميز "فلسطيني" اسمه حسين القلا له على السينما المصرية اكثر من يد بيضاء هذا المنتج أعطى أحمد زكي دور حياته و هو شخصية رجل الأمن في فيلم "زوجة رجل مهم" في هذا القيلم بالذات خرج أحمد زكي من ثوب "المقلد" و ذلك بفضل الفيلم و شخصية الضابط المرسومة بعناية وبراعة فائقين,فقدم تمثيلا راقيا يليق بنجم حقيقي و ليس كذاك الذي تصنعه المفرقعات الصوتيه لفيلم "يلم ناس و يلم فلوس".

في التسعينات جاءت دور أفلام البطل "الكاجول" على شاكلة فيلم "الأمبراطور" و "كابوريا" و "استكاوزا" و هذه ركزت على البطل "الحربوق" "أخو أخته" الذي ينتصر بفضل ذكائةالماكر و خفة يده البارعة علما بأن حظه من التعليم يكاد يكون معدوما.و هذه النوعيه تناسب جيوش العاطلين عن العمل قليلي التعليم الذي تدغدغ حواسهم غزل من هذا النوع.ثم انقلب المناخ لتسود افلام "السياسة" فقدم أحمد زكي "ضد الحكومة" و "البرىء".مجمل هذه الأفلام ذات خطاب طنان يبدو مهول الحجم يتمثل بعنوان الفيلم أو تفاصيل مشاهده,و لكنه في الحقيقة لا يقدم اكثر من مكيدة يضحك بها على الجمهور المغفل الذي يظن نفسه فعلا "ضد الحكومة".احمد زكي الممثل كان يتلبس الدور و ما يستخدمة من "حيل" تمثيليه تنطلي على كل جمهور السينما و خلال فترتي التسعينات أو ما سميناه "بالكاجوال" و "السياسي" أقنع مشاهدة بما يقدمه له و هو كان مخلصا لسيناريو الفيلم و منتجه على حد سواء و عمل بضمير مهني بغض النظر عن القيمه الفنيه لهذه الأفلام.

عندما انغمر الوسط السينمائي بفيض من الأفلام الشبابية بطولة مجموعة مغامرة من الممثلين الشباب و قد اكتشف هؤلاء ان 90 بالمائه من جمهور السينما تقل أعمارهم عن العشرين مما سهل مهماتهم في تمرير خلطة سينمائية قوامها "ولد روش" و بعض التهريج ادعت أنها سينما الشباب.أنحسر جيل احمد زكي الى الصفوف الثانية مما يعكس جهود هذه الجماهير التي تابعت بأعجاب كابوريا و الإمبراطور و غيرها.فهرب بعض النجوم الى التلفزيون بعد ان وجدوا ان مساحاتهم السينمائية تتآكل لصالح ممثلين عديمي الموهبة . لم يفعل أحمد زكي و لكنه أختار حلا اذكى عنما هرب الى الوراء باستحضار شخصيات لها حضور عاطفي امنت له أستمرار في سوق السينما فنجح بشكل مثير في فيلم "ناصر 56" و فشل بشكل مثير في "أيام السادات" و حضر أحمد زكي "المقلد" بشده في الفيلم الثاني و لكنه كان فاشلا في محاكاة" تأتأة" السادات وفاشلا في رسم صلعته.مما عمق أكثر شخصية ناصر 56 فحفرت في الذاكرة و قد يستمر مرتبطا بها الى حين.

أخيرا أقول منتج فيلم حليم سيضحك "بعبه" طويلا فموت احمد زكي امن لفيلمه دعاية مجانية.كفلة بتعويض الملايين الثمانية عشرالتي أنفقت عليه.

أحمد زكي شديد السمرة,شديد سواد الشعر,يعمل ممثل.توفي أمس سنذكره.فقد كان وفيا لما يقوم به.