يعرف التحول الديمقراطي على أنه "الزيادة في حجم المشاركة السياسية الشعبية التي يمكن قياسها من خلال عدة متغيرات يمكن أن تأخذ قيمة متدرجة، وكذلك قدرة المجتمع المدني على مساءلة ومحاسبة الدولة وأجهزتها".
وهذه المتغيرات هي: حرية الرأي والتعبير والصحافة، الحرية الدينية، والتمييز على أي أساس كان.ولا بد للراغب في قراءة التحول الديمقراطي في البحرين أن يتوقف عند هذه المحطات ليختبر مشروعها "الديمقراطي" ومدى مطابقته للديمقراطيات العريقة، وسوف نستدل بذكر بعض الأمثلة إذا أننا لسنا في وارد الرصد والمتابعة التي قام الآخرون مشكورين.
فعلى صعيد حرية الرأي والتعبير والصحافة، لا ينكر المراقب المنصف أن الحالة قد تطورت عن ما كانت عليه في السابق، ولكن ليس من الدقة القول بأن الصحافة في البحرين تمثل سلطة رابعة، وبالتالي تسهم في التحول الديمقراطي المنشود.. صحيح أن هناك انفراجاً وانتعاشاً تشهده الحركة الصحفية في البحرين، ولكنها تظل تحت قبضة المارد الحكومي الذي يضع لها العديد من الخطوط الحمراء أو سقوفاً لا يمكن للصحافة أن تتجاوزها خوفاً على مشروعها "الصحافي" الاستثماري، فالصحف هي أولاً شركات استثمارية تهدف إلى الربح علماً أن بعضها مجير لصالح الدفاع عن العائلة الحاكمة والتسويق لمشروعها، ولكنها لا تتعاطى بشكل محايد مع أنشطة المعارضة وفعالياتها، وإن كانت تقوم بشيء من ذلك في بعض الأحيان، أضف إلى ذلك أن الصحافة غير قادرة على انتقاد رموز الحكم على صفحاتها، كما لا يفوتنا أن نشير إلى أن الصحافة محكومة بقانون المطبوعات الذي يعطي للنظام الحق في اعتقال الصحفيين وسجنهم وإنزال العقوبة بهم وفقاً لقانون العقوبات البحريني الذي لا يزال مثار جدل في الأوساط الشعبية، والأدلة على ذلك كثيرة وموثقة، وليس للراغب في التحقق من ذلك إلا زيارة موقع المنظمة العربية لحرية الصحافة على شبكة الانترنت على الرابط التالي http://www.apfw.org/indexarabic.asp?txtSea...%C8%CD%D1%ED%E4
، وسوف يرى ما لا يمكن أن يصدقه معتقد بأن البحرين واحة للديمقراطية حين يرى حجم الانتهاكات التي تتعرض لها حرية الرأي والتعبير.
ولعله من المفيد الإشارة إلى أن السلطات سعت جاهدة إلى منع مسيرة كانت قد دعت إليها المعارضة تطالب بالإصلاح الدستوري واستعملت في سبيل ذلك شتى الوسائل، وجيرت الصحف بكل كوادرها وكتابها، والجمعيات المحسوبة على النظام لاستنكار وشجب مسيرة سلمية احتشد فيها عشرات الآلاف من البحرينيين، وقد سعت الآلة الإعلامية المحلية إلى تحجيم المسيرة ونشرت معلومات غير موثقة تكذبها الوقائع، أضف إلى الصورة الوحيدة التي نشرتها صحيفتا أخبار الخليج والأيام المحسوبتان على النظام تم التقاطها من طائرة هليوكوبتر من على ارتفاع شاهق للتقليل من عدد المشاركين في المسيرة لخداع الرأي العام وتضليله، وقد قام مراسل قناة الجزيرة في قطر بدور بارز في تهميش المسيرة ونشر معلومات لا أساس لها من الصحة علماً انه موظف في وزارة الإعلام ويعمل مذيعاً في تلفزيون البحرين.
وعلى صعيد الحرية الدينية فلا يمكن أن ننكر الانفتاح الذي تعيشه البحرين من حيث السماح للمواطنين الشيعة بممارسة شعائرهم في شهر محرم بحرية، ولكن الحكم يخشى أن يكون لهذه المؤسسات دور في التوعية والتحشيد السياسي عن طريق سن قوانين تصادر هذا الحق الذي توافق عليه الشيعة وعائلة آل خليفة حين قدموا إلى البحرين قبل أكثر من قرن من الزمان، واحد هذه القوانين هو قانون التجمعات الذي ثار جدل واسع حوله حين حولته الحكومة على مجلس النواب المثير للجدل أصلاً، كما أن النظام عمد إلى إنشاء العديد من المساجد التي يرتادها السنة في مناطق ذات طبيعة ديمغرافية شيعية كما حدث في المنطقة الشمالية من البلاد التي يقطنها مواطنون شيعة، وذلك لأهداف سياسية بحتة، ومن المثير للسخرية أن من يرتادون هذه المساجد من السنة هم الآسيويون حين جرى توظيف العديد من البنغاليين والباكستانيين كأئمة مساجد.
كما انه من المهم أن نشير إلى أن النظام يسعى إلى تقييد أئمة المساجد والمؤذنين عن طريق كادر الأئمة والمؤذنين الذي احتدم الجدل حوله بين النظام وبين الرموز الدينية الشيعية التي ترى ضرورة استقلال النشاط الديني الأهلي من الناحية الشرعية، ولولا تنبه هؤلاء إلى الخطة الحكومية لأصبح بإمكان الحكومة حسب القانون أن تراقب خطب الجمعة والجماعة وأن تقاضي الأئمة إذا قالوا ما لا يعجب الحكم.
وعلى نطاق التمييز فيكفي المراقب أن يطلع على تقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان الذي حلته السلطات بقرار إداري نظراً لنشاطه في إعداد التقارير وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وهو موجود على الرابط التالي http://www.bahrainonline.org/showthread.php?t=116765
من الرصد والشواهد الموثقة التي تم استعراضها ضمن المتغيرات التي لا يمكن لراغب في دراسة التحولات الديمقراطية في بلد ما وفق المعايير الدولية يمكن أن يستنتج المراقب أن المشروع الديمقراطي في البحرين مشروع شكلي يتخذ بعداً إعلامياً فقط دون أن يكون هناك تغيير جذري على الأرض يمكن أن يجعل البحرين واحة للديمقراطية تحاكي الديمقراطيات العريقة.
• كاتب بحريني