قالت الإذاعة الإسرائيلية العامة إن الرئيس السوري بشار الأسد صافح الرئيس الإسرائيلي موشي كاتساف إثناء المشاركة في مراسم تشييع البابا مرتين .. المصافحة باليد بين الأعداء كانت دائما ذات دلالات عميقة ليس اقلها أنها احد ابسط مظاهر التطبيع ، فهي في دلالة رمزيتها تحمل الكثير من المعاني البليغة أكثر من كونها مصافحة شكلية عابرة .. وللتعليق على هذا الخبر اجرت قناة الجزيرة اتصالا مع المحلل السياسي السوري فوزي عماد الشعيبي الذي كذبه جملة وتفصيلا ، واتهم الصحف الإسرائيلية باختلاق الأكاذيب ، وترويج الشائعات ، وذلك في محاولة للنيل من صمود سوريا المزعوم ، وذهب الرجل إلى ابعد من ذلك بوصف الحدث بالنكتة التي تثير السخرية ، وترفع القهقهة !.

لكن ما حدث في المساء أتى معاكسا لما يشتهيه الشعيبي ، فسوريا عبر مصدر مسئول أكدت ( جُرم ) المصافحة ووصفتها بأنها كانت عابرة .. وبذلك أصبح الشعيبي - المسبح بحمد نظامه - هو النكتة - لمن سمعه - تثير السخرية ، والكثير من التقزز !.. الشعيبي الذي اتهم الإعلام الإسرائيلي بالكذب ، واختلاق الأكاذيب ، وترويج الشائعات قد نسي في خضم حماسه إن الإعلام الإسرائيلي - ورغم عداءنا له - فانه يظل حرا ، وأكثر موضوعية من إعلام الأنظمة الديكتاتورية ، والتي تحرك أبواقها كلما حُشرت في الزاوية ، ولعل الشعيبي مثال صارخ لتلك الأبواق ! .. لقد كان على الشعيبي بدلا من إن يتحدث بتلك الثقة ، واليقين ، والمعرفة الواثقة بطبائع الأمور، وبدلا من الدفاع المستميت عن رئيسه مكذبا ومستخفا بذلك الجميع ، كان عليه عوضا عن ذلك إن يجعل الامر معلقا بين كل الاحتمالات ، وذلك بان ينفي علمه ودرايته وان يحفظ له طريق العودة بان يصف المصافحة - إن حدثت - بالعابرة والروتينية الطبيعية مُلقيا الكره في الملعب المقابل بأنه يهول ، ويسعى لتضخيم الأمور .

لكن الشعيبي لأنه يعلم إن هذه الشكليات الرمزية البسيطة كانت دائما مثار اهتمام وشغل الأنظمة الديكتاتورية المستبدة التي أذهبت بها رقاب الكثير ، وخونت من اجلها بعض الأنفس والأرواح المعصومة ، لم يفته إن هذه الأنظمة القاسية لم تعترف يوما بشكليات بسيطة ، فهي دائما ما تحاسب الإفراد والناس على النوايا وما تخفي الصدور .. فتلك الشكليات البسيطة كفيلة دائما بان توصم مقترفيها بالخيانة والعمالة ، وتدلدل رقابهم من على المشانق .
لكن الشعيبي نسي في خضم هذا اليقين بطبيعة تلك الأنظمة بان رمز المصافحة الاعتبارية الواهن هو أول ، واوهن ، وارخص ، وابسط قربان يقدم عندما تشعر الأنظمة المستبدة بأول ضغط حقيقي يمارس عليها ، ويوجه لها.

أن هذه العينات التي على شاكلة الشعيبي من الأبواق الإعلامية الرخيصة التي تغزونا محدثة عقولنا بما لا تقبله ، هي أول من تستلقي على ظهورها عندما تشعر إن أولياء نعمتهم قد قرروا تغيير سياساتهم التي ألفوها منذ ردح من زمن اغبر ! .