عندما تكون الظروف أقوى!
عندنا مثل يقول : الحرة لا تأكل بثدييها!

والمثل غير صحيح، فهي تأكل بثدييها وشفتيها وذراعيها وساقيها ـ نجوم السينما والرقص مثلاً !

وهي تفعل ذلك لأن المجتمع يسمح لها مع الاحترام، وانها تحاول أن تجعل هذه الحرفة أو الصناعة عملاً فنياً، ولأنه فن، فنحن نتجاوز عن إدانة هذا العمل، فالذي يمشي على الحبل، والذي يمشي على النار، والذي ينفخ النار من فمه، كلهم يحاولون أن يأكلوا النار، يريدون أن يعيشوا ونحن نشجعهم، لأن الذي يقومون به هو نوع من البراعة، فالضرورة لها أحكام، ومن أحكام الضرورة أن نفعل في ظروف خاصة ما لا نفعله في الظروف العادية.

فنحن عادة نتحدث عن وفاء الكلاب لأصحابها، وبعض الكلاب بعد موت صاحبها تظل إلى جوار قبره حتى تموت جوعاً، فقد كانت تعتمد عليه في إطعامها، ولما ذهب ذهبت معه، وحتى لو قدم لها أحد غيره طعاماً فانها ترفضه لأنها لم تتعود عليه، على صوته على رائحته، لكي تأكل!

ونرى أن الكلاب وفية لأصحابها، وأن الكلاب أحسن من الإنسان، فهي لا تعض اليد التي تمتد لها!

ولكن العالم الروسي بافلوف له نظرية أخرى، فهو يرى أنه لا حب ولا وفاء عند الكلاب، وانما هي اعتادت على لون صاحبها وعلى صوته وعلى رائحته وعلى معاملته لها، فاذا حدث كل ذلك في كل مرة يقدم لها الطعام فانها تقبل على الطعام، فاذا لم تجد كل هذه المواصفات عند شخص آخر فانها لا تأكل، ونظرية بافلوف معروفة، فهو يقول : لو أننا في كل مرة قدمنا الطعام لكلب أو لقط، ضربنا جرساً، فان الكلب يعتاد على الطعام والجرس معاً، فيسيل لعابه، واذا نحن ضربنا الجرس من دون أن نقدم طعاماً فان لعابه يسيل، هذا كل ما في الأمر، فلا حب ولا وفاء!

ويقول أيضاً: إن أي إنسان إذا وقف في مواجهة الناس، فإن الناس بسرعة يقفون ليسمعوا، فقد اعتادوا على ذلك، واعتاد الإنسان على أنه اذا واجه اناساً، فإنه لا بد أن يخطب.

وقد نشرت الصحف أن رجلاً كبيراً في السن كان يعيش مع عدد من الكلاب، بعيداً عن الناس، فكانت الكلاب هي الناس والأهل الذين لم يجد احداً منهم، مات الرجل، وقد حبس معه الكلاب، جاعت الكلاب، لم تجد إلا لونه ورائحته، أكلته الكلاب، لان الضرورة فرضت على الكلاب هذه الوحشية، انه الجوع الكافر بكل حب ووفاء!

وقد حكمت المحاكم الألمانية على رجل أكل زميله وسط الجليد، حكمت عليه بالسجن مع وقْف التنفيذ، ووقْف التنفيذ سببه أنها الضرورة التي لها أحكام، واعترف الرجل انه لم يأكل زميله حياً، وانما لما مات من البرد، وقد تشككت المحكمة في ذلك، وحاسبته وحاكمته على أنه أكل انساناً حياً، ولكنها الضرورة أيضاً.

وفي عالم الحيوان نجد أن حكمة البقاء أقوى، [SIZE=5]ففي عالم العناكب مثلاً نجد أن الانثى تنهش الذكر بعد عملية اللقاح، لماذا؟ لأنها تحتاج إليه طعاماً للصغار، بعد أن انتهى دوره في استمرار الحياة، ولكن بعض ذكور العناكب تعلمت بعد ملايين السنين أن تتفادى موقف الأنثى المتوحشة، فقبل العملية الجنسية يلف الذكر حولها نسيجاً قوياً يجعلها انثى فقط، ثم يهرب بجلده بعد ذلك!

[SIZE=6]وهذا ما لم يستطعه الانسان ـ لأنه اختار أن يكون ضحية الأنثى في كل الأحوال.