{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
أبـــو الـــرائـــطة التــكريـتـيّ
إبراهيم غير متصل
بين شجوٍ وحنين
*****

المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #1
أبـــو الـــرائـــطة التــكريـتـيّ


كان أبو رائطه التكريتيّ في طليعة مَن كتبوا باللغة العربيّة في مختلف موضوعات الإيمان المسيحيّ، إلاّ أنّه لم يَحْظَ بمؤرِّخٍ معاصرٍ يستعرض أهمّ مراحل حياته ويصف لنا أبرز ملامح شخصيّته. لا يُعرف عنه سوى القليل، شأنه شأن علماء الكلام المسيحيّين في القرن التاسع الميلاديّ أمثال ثاوذورس أبي قرّه وعمّار البصريّ. حتّى إنَّ هويّته يلفـّها الالتباس والغموض : فالمستشرق الألمانيّ جورج غراف ( Georg Graf ) نشر مجموعة أعماله تحت اسم حبيب بن خدمه، أبو رائطه(1) . ويتحدّث أبو البركات بن كَبَر والمؤتمن بن العسّال عن مؤلـِّفنا فيحدِّدان اسمه على الوجه التالي : (( أبو رائطه حبيب حديثه التكريتيّ، اليعقوبيّ السريانيّ، أسقف تكريت، من كرسيّ سروج )) (2) ، مع العلم بأنّ

ــــــــــــــــــ
(1) راجع :
Georg Graf, Die Schriften des Jacobiten Ḥabib Ibn Ḥidmah Abū Ra'iṭa, coll. (( Corpus Scriptorum Christianorum Orientalium )), (Louvain 1951), vol. 130 (texte arabe), p. 1-26; vol. 131 (trad. allemande), p. 1-31.
(2) راجع :
Georg Graf, Geschichte der christlichen arabischen Literatur, coll. (( Studi e Testi )), (1947), p. 438- 445.
أثبتَ ابن كَبَر اسم أبي رائطه في الفصل الأوّل من كتابه مصباح الظلمة، وقد قرأ الأب لويس شيخو وﭭيلوكور كلمة (( حَدِيثـَة )) بالتصغير (( حُدَيْثـَة )) . أمّا المستشرق غراف فقد قرأ (( خدمه )) وقد جاءت من دون نقاط في المخطوطات (حدمه)، ثمّ درجت العادة عند المهتـّمين بالتراث العربيّ المسيحيّ على تبنّي هذه الكتابة، كما نحن نتبنّاها في هذا المؤلـَّف.

9

بعض المخطوطات اختلفت في قراءة نسبة أبي رائطه، بحيث إنّّ بعضها جعلها ابن حَدِيثـَه، وبعضها الآخر ابن حُدَيبة أو حُدَيْثـَة. وتتعقّد الأمور عندما تقول بعض المصادر إنّ أبا رائطه كان أُسقفًا، في حين ينفي بعضها الآخر أن يكون هذا الكاتب قد ارتدى ثياب الحَبْريَّة.

1. السيرة : غموض ومعلومات قليلة

ثمَّة تاريخان يتّصلان بحياة كاتب الرسالة في الثالوث الأقدس. فمن المؤكَّد أنّ حبيب بن خدمه أبي رائطه ( سنعتمد هذه الكتابة ) أرسل ابن أخيه الشمّاس إليان النصّيبيّ سنة 817 إلى البطريق أشوط بن سنباط الملقّب بأبي العبّاس، حاملاً رسالةً يشرح فيها عقيدة اليعاقبة في موضوع الثلاثة التقديسات. وقد جاء في الرسالة الثالثة من مجموعة رسائل أبي رائطه أنّ البطريق أراد جمع أبي رائطه وثاوذورس أبي قرّه ومناقشتهما في موضوع التقديسات. لكنّ أبا رائطه لم يستطع الحضور أمام البطريق لأنه كان (( مكتبلاً مأسورًا، محولاً بيني وبين المسارعة إلى أمرك والتحّرك إليك )) ، فأرسل إليه ابن أخيه ومعه الموقف اللاهوتيّ من موضوع التقديسات، وقد طلب أبو رائطه إلى موفده أن يقرأ الرسالة ثلاث مرّات أمام البطريق والأشراف قبل مناقشة أبي قرّه في الأمر. ما أثبتته هذه الرسالة هو أنّ أبا رائطه كان يُمثِّل طائفته في أمور العقيدة والمواقف الجدليّة، وأنّ كاتبنا حال الأَسر والكَبْل بينه وبين المسارعة أمام البطريق لمناقشة أبي قرّه، المدافع عن عقيدة الخلقيدونيّين. وإذا كان أبو رائطه، في الرسالة التي حملها ابن أخيه إلى البطريق، لا يشير إلى سبب وجوده في الأسر، فإنّ مطلع الرسالة في الثالوث الأقدس يفيدنا بأنّ مواقف أبي رائطه وجداله مع مَن اختلفوا معه في الدين، كانت تسبّب له

10

الشقاء والخوف. ويفيدنا فحوى الرسالة إلى البطريق أنَّ أبا رائطه كان في عزّ عطائه حوالى السنة 815، أيّام كان البطريق ممثّلاً الخليفة هارون الرشيد في أرمينيا ( 806 ـ 825 ). والمعلوم أيضًا أنّ أبا قرّه توجّه إلى أرمينيا حوالي السنة 815 في إطار جولاته التبشيريّة(3) .

أمّا التاريخ الثاني فقد أورده ميخائيل السريانيّ، بطريك أنطاكية اليعقوبيّ (+ 1171) في تاريخه الكبير، حيث أورد أنّ أبا رائطه كان واحدًا من ثلاثين وجيهًا التقـوا في سينودس (( رأس عينا )) الذي التأم سنة 828 لمناقشة أمور الكنيسة اليعقوبيّة وأحوالها. ويضيف تاريخ ميخائيل السريانيّ أنّ كاتبنا حاول مع ابن أخيه إليان النصيبيّ التآمر بهدف إقالة الأسقف فيلوكسينوس راعي أبرشيَّة نصيبين(4) من منصبه. إنَّ المعطيات التاريخيّة هذه، مع بعض الإشارات التي نصادفها في رسائل أبي رائطه ( على سبيل المثال محاورته ثمامه المعتزليّ في الجزء العاشر من أعمال كاتبنا )، تثبت أنّ ما نعرفه من أعمال أبي رائطه الفكريّة يمكن حصره في الربع الأوّل من القرن التاسع. أمّا ما يخصّ مولده ومماته ونشأته وعلاقاته ودراسته، فلا نجد أمرًا يساعد على كشف المجهول منها والمستور.

2. أبو رائطه، (( الفيلسوف والمنطقيّ ))

نعرف عن أبي رائطه أنّه (( كان متبسّطًا في علمَي الفلسفة والمنطق )) ، وهذا ما يقوله البطريك السريانيّ ديونيسيوس التلمحري ( + 845 ) في تاريخه، وهو كان معاصرًا له. وقد نقل ميخائيل

ــــــــــــــــــ
(3) راجع : CSCO، رقم 130 ص 65 ـ 66.
(4) راجع تاريخ ميخائيل السريانيّ، نشرة شابو.

11

السريانيّ، في طيّات تاريخه، ما قاله ديونيسيوس عن أبي رائطه(5) فالتكريتيّ، على حدّ قول ديونيسيوس، كان متبسّطًا في علمَي الفلسفة والمنطق، ممّا يعني أنه كان من ذلك الرعيل الذي أخذ عن التراث الفكريّ اليونانيّ، وقد نُقِلَ معظمه إلى السريانيّة فالعربيّة. والفيلسوف، في عصر الترجمة والنقل، عصر المأمون، هو مؤثر الحكمة، كما يقول الفارابي. (( والمؤثر الحكمة، يضيف الفارابي، هو الذي يجعل الوكدَ من حياته وغرضَه من عمره الحكمة )) . والجرجانيّ يعرّف الحكمة بأنّها (( العلم الذي يبحث عن حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشريّة، فهي علم نظريّ غير آليّ )) . وغاية الحكيم، كما يقول الشهرستانيّ، (( هو أن يتجلّى لعقله كلّ الكون، ويتشبّه بالإلٰه الحقّ تعالى وتقدَّس بغاية الإمكان )) ، وغاية المنطقيّ هي (( البحث عن أحوال المعاني التي في ذهن الإنسان من حيث يتأدّى بها إلى غيرها من العلوم ))(6) .

ويمكن القول إنّ أبا رائطه، في كتاباته الجدليّة الكلاميّة، يؤثر الحكمة ويريدها بحيث يعتمد أساسًا على العقل والمنطق، لا سيّما على الأدوات الجدليّة التي أفرزها الفكر الأفلاطونيّ والأرسططاليّ، إذ إنّ العقل والمنطق هما العنصر المشترك بين البشر. وإن لم يكن أبو رائطه فيلسوفًا على مثال الكنديّ والفارابي، فهو عالمٌ بأمور الفلسفة والمنطق، كونه يستند في أساليبه البرهانيّة إلى أساس متين من التعاليم المنطقيّة ومن المعاني الخاصّة بالفلسفة الأُولى، الميتافيزيقيا وهذا ما سنتبيّنه لاحقًا في أمثلة نوردها من الرسالة في الثالوث المقدّس.

ــــــــــــــــــ
(5) راجع : لويس شيخو، علماء النصرانيّة في الإسلام، سلسلة (( التراث العربيّ المسيحيّ )) الجزء الخامس، 1983، حقّقه وزاد عليه وقدّم له الأب كميل حشيمه اليسوعيّ، ص 93 ( حاشية رقم 85 ).
(6) راجع كتاب التعريفات للجرجانيّ، مادّة (( حكمة )) ، مكتبة لبنان.

12

3. هل كان أبو رائطه أسقفًا ؟

يقول ج. غراف في مقدّمته لأعمال أبي رائطه إنّ هذا الأخير كان أسقفًا على بلدة تكريت. وقد استند المستشرق الألمانيّ في قوله هذا إلى رأي العالِمَيْن القبطَّييْن أبي إسحٰق بن العسّال وأبي البركات ابن كَبَر ( من القرن الرابع عشر )، اللذين ربطا بين شخصيّة أبي رائطه وأعماله اللاهوتيّة وأسقفيّته على تكريت(7) ، وهما يستشهدان بما أورده كتاب اعتراف الآباء الموضوع بعد سنة 1078. وتقول إحدى المخطوطات التي نقلها ابن العسّال إنّ أبا رائطه كان أسقفًا على نصيبين. فما هي حقيقة الأمر في هذا الموضوع ؟

يجيب البطريك إغناطيوس أفرام برصوم في كتابه اللؤلؤ المنثور عن هذا السؤال فيقول : (( إنَّ العالِمَيْن القبطَّييْن أخطآ لمّا نسبا أسقفيّة تكريت لحبيب بن خدمة أبي رائطه، وكذلك فعل أولئك الذين استشهدوا بكلامهما ))(8) . ويضيف الأب جان ـ موريس فييه في مقالة عن الموضوع (( إنَّ الخطأ يعود إلى أبعد من ابن العسَّال وابن كَبَر، إذ إنّ كتاب اعتراف الآباء، وهو مجموعة من المقالات اللاهوتيّة لا يُعرَف اسم كاتبها، ووضعت بعد سنة 1078، يورد اسم حبيب بن خدمه أسقفًا على تكريت، لكنّ المجموعة نفسها تشير إلى القدّيس أفرام الأسقف أيضًا على تكريت ))(9) .

وبالعودة إلى كتابات أبي رائطه، فإنّها لا تورد أيّ إشارة واضحة إلى أسقفيّته على تكريت أو أيّ مدينة أخرى. لكنّ اهتمامه

ــــــــــــــــــ
(7) راجع :
G. Graf, CSCO, vol 130 tome 14 p. II (Einleitung) et GCAL II (1947), P. 222- 226.
(8) اللؤلؤ المنثور، الطبعة الثانية، حلب، 1956 ص 413 ـ 414.
(9) راجع جان - موريس فييه، في مداخلة تحت عنوان (( حبيب أبو رائطه لم يكن أسقفًا )) ، ألقيت في مؤتمر التراث العربيّ المسيحيّ، غروننغن، سنة 1984.

13

الواسع والعميق بالشأن اللاهوتيّ العقيديّ والدعوة الموجّهة إليه لمجادلة تاوذورس أبي قرّه، ووضعه الرسائل والمقالات في موضوع هو من اختصاص رجال الدين تقليديًّا، هي أمور تشير إلى أنّ أبا رائطه كان يحمل صفة تمثيليّة لكنيسته في الدفاع عن عقيدتها. فابن أخيه إليان الذي كان على درجة واسعة من المعارف الدينيّة واللاهوتيّة كان يحمل درجة الشمّاسيَّة. فهل كان أبو رائطه يحمل الدرجة نفسها في كنيسته ؟ في أيّ حال، لا شيء يثبت بصورة واضحة أن كاتبنا كان أسقفًا على مدينة تكريت أو نصيبين. والملاحظة التي يوردها ميخائيل السريانيّ في تاريخه حول مشاركة أبي رائطه في سينودس رأس عينا، لا تشير إلى منصب تبوّأه، بل يحصر حضوره بتوجيهه الاتّهام، مع قريبه إليان، إلى فيلوكسينوس، أسقف نصيبين. أمّا لائحة أساقفة تكريت، فإنّها لا تشير من بعيد أو من قريب إلى أبي رائطه الأسقف على هذه المدينة.

ويمكن في هذا الإطار إثبات عدم أسقفيّة أبي رائطه من خلال مقارنة بين تاريخَي ديونيسيوس التلمحري وميخائيل السريانيّ : فالمعلومات المتعلّقة بالحقبة التي عاش في أثنائها أبو رائطه نقلها ميخائيل السرياني عن الأجزاء المفقودة من تاريخ ديونيسيوس، وهو معاصر لأبي رائطه. فلو كان أبو رائطه أسقفًا لأشار التلمحري إلى ذلك من دون تردّد، كما أشار إلى غيره من الأساقفة والمسؤولين أصحاب المناصب. ولكان ميخائيل السريانيّ، المعروف بدقّته في كتابة التاريخ، قد نقل ذلك من دون مواربة. وهكذا يكون أبو رائطه ذلك (( الفيلسوف المنطقي )) المجادل المتبحّر في علوم الدين والمدافع أشدّ الدفاع عن عقيدته وإيمانه، في عصر كانت فيه الكنائس قد بدأت تعاني وبدأ فيه المتقدّمون في العلم والعقيدة يفكّرون ويكتبون بلغة أصحاب السلطة السياسيّة.

14

4. أبو رائطه (( الأسير المعوز ))

في مستهلّ الرسالة في الثالوث المقدّس، يحدّث أبو رائطه قارئه عن وضعه المعيشيّ، فيورد جملةً من الأسباب تمنعه عن الخوض في الموضوع الذي طُلب إليه مناقشته : (( ثمّ مَنْ قد لحقه من المَؤْنِ والكَلَفِ في أمرِ معاشه الدنياويّ، ما لا سبيل إلى إشخاص رؤيّته وإرسال أشراط ذهنه في البغية ليحترس من الخطأ والغلط )) ( رر 9 )(10) . من هذا التصريح، نفهم أن أبا رائطه يعاني صعوبة في الحصول على قوته اليوميّ، ممّا لا يتيح له أن ينصرف إلى معالجة السؤال المطروح عليه. وهذا الأمر يترك الأثر السلبيّ على مقدرة كاتبنا في التفكير والكلام.

ويضيف أبو رائطه في المكان نفسه : (( أمّا الثالثة ( أي العلّة الثالثة في محاذرته الكلام ) (ف) هي التي تُفسِخ الشهوة، وتَرْدَعُ عن التكلّف بشيءٍ من هذه الأمور الواضعة الزمام والرباط على شَفَتي حذاري لسفه سفيههم، وشغب أهل الباطل منهم، وتطاولهم وافتخارهم، وإعجابهم بما أوتوا من القدرة والسلطان، فلا يأمن مُخَالِطهم أن يورّطوه فيما لا خلاص منه ولا منجى، إلاّ بعون الله وعصمته )) .

في هذا النصّ يقول أبو رائطه إنّه في وضع يصعب معه الخوض في الموضوعات الحسّاسة بصراحة وسهولة. فكيف يستطيع الحديث عن قضايا الإيمان، والحدّ الأدنى من الحرّيّة بحسب رأيه، غير متوفِّر بسبب تطاول الخصم وافتخاره وإعجابه بما أُوتي من القدرة والسلطان ؟ فعدم توفّر ما هو أساسي للحوار والمناقشة يعني أنّ كاتبنا، الذي يعيش في مطلع القرن التاسع ميلاديّ، متخوّف ممّا سيحصل له إذا كتب وعبَّر عن رأيه. وأمام هذه الحالة، يقع أبو رائطه

ــــــــــــــــــ
(10) نشير إلى (( الرسالة في الثالوث المقدَّس )) بالرمز رر، عندما نستشهد بها.

15

في الحيرة والتيهان : (( إلتبسَ عليَّ ذهني وانتشرت أركان حيلي، وَتِهْتُ المذهبَ وتحيّرتُ، وصرتُ مُؤَامرَ نفسي التقدّم على ذلك والتخوّف ممّا ذكرتُ أو أُهملُهُ )) .

هذه الأسطر وغيرها تدلّنا على بعض ملامح من الحالة النفسيّة التي كان يعيشها أبو رائطه وهو يستعدُّ لكتابة رسالته الدفاعيّة في الثالوث المقدّس. هو عارفٌ أنَّ ما يكتبه سيوقعه في الشدّة وسيسبّب له الاضطهادات. ولا بدّ هنا من الربط بين تخوّف أبي رائطه في تصريحه ببداية الرسالة في الثالوث المقدَّس وما كتبه إلى البطريق الأرمنيّ أشوط بن سنباط : (( ألقاني كتابك أيّها الفاضل مكتَبَلاً مأسورًا، محولاً بيني وبين المسارعة إلى أمرك والتحرّك إليك )) . ألا تعني هذه الكلمات أنّ كاتبنا كان أسيرًا مسجونًا، أو أنه كان يتخوّف من ذلك المصير ؟

5. المتواضع والعالم

ما يلفت النظر أيضًا في شخصيّة أبي رائطه هو جمعها بين التواضع والمعرفة العلميّة. فهو يعترف أمام مراسله في بداية الرسالة في الثالوث المقدّس بعجزه عن القيام بمهمّة معالجة موضوع شائك مثل موضوع التثليث والتوحيد، لأنّ في الأمر عسرًا وصعوبة : (( لقد سألتَ من ذلك أمرًا فيه بعض العُسر والصعوبة، لا يعين عليه إلاّ الله له المجد دائمًا، وذلك لخِلال أنا آتٍ على ذكرها إن شاء الله. فأوَّلُ ذلك مَن كان في مثل حالي، ممَّن قد بَلَغَ عليه الغيّ وبروز الكلام، وقلّة الاشتمال له والحضور لأهله، فلا شيء أولى به من الكفِّ عمّا لا طاقة له به ولا نهوض )) ( رر 8 ). وفي مكان آخر، يتكلّم أبو رائطه على نفسه فيصفها بـ (( الخساسة والضعف )) أمام المهمّات الملقاة على عاتقه في محاورة أهل الكلام من أمثال ثاوذورس أبي قرّه وغيره.

16

لكن قراءة كتابات أبي رائطه بتعمّق ومقارنتها بمؤلفات معاصرة له تبيّنان أنّ الرجل كان ركنًا من أركان الكلام في أيّامه(11) . فهو يعالج بحنكة المنطقيّ ومعرفة المتكلّم قضايا لاهوتيّة معقّدة، فيضع مقاييس البرهان على الدين الصحيح، ويُبارز خصومه في الموضوعات الشائكة مستندًا إلى فهم الكتاب المقدَّس بعمق والقرآن واطّلاع على حجج الخصام، ومعتمدًا على آباء الكنيسة أمثال : (( أغريغوريوس أسقف نيسيس )) و (( أغريغوريوس ذو النطق الإلٰهيّ )) و (( أغريغوريوس ذو العجائب )) و (( أفرام السريانيّ )) و (( ديوناسيوس )) وغيرهم من الآباء(12) . وما تجدر الإشارة إليه هو أنّ أبا رائطه عاش، كمعاصريه أبي قرّه وعمّار البصريّ، في مرحلة مهمَّة من حياة الكنائس الشرقيّة؛ مرحلة تكوّنت فيها المصطلحات الفلسفيَّة والتعابير اللاهوتيَّة باللغة العربيّة. وقد قام المسيحيّون في تلك الحقبة بدور رئيسيّ، إذ كانوا على رأس المترجمين والنقلة من اليونانية والسريانيّة إلى العربيّة، وانبرى عددٌ منهم للدفاع عن عقيدة ديانته باللغة التي أصبحت أداة الاتّصال الثقافيّ، وقد دخلت بلدان الشرق ومدنه مع أصحاب الفتح السياسيّ العسكريّ آنذاك. وللدلالة على علم أبي رائطه وثقافته، نشير إلى أنّه استخدام عددًا وافرًا من المصطلحات والتعابير المنطقيّة والفلسفيّة ممّا يؤكِّد أنَّ كاتبنا له ما يكفي من الخبرة والاختصاص في هذا المجال. لقد أتى على ذكر التعابير من الخبرة والاختصاص في هـذا المجال. لقد أتى على ذكر التعابير المختلفة : (( ماهيّة )) ، و (( كَوْن )) و (( علّة )) و (( قَبْليّة )) و (( بعديّة )) و (( جوهريّة )) و (( هيولى )) و (( جنس )) ... ولأنَّ الكاتب عالج مسائل لاهوتيـّة، فهـو استخدم مصطلحات لاهوتيـّة لشرح عقيدته، كتعابير : (( اتّصال )) و (( إضافة )) و (( أسر )) و (( مفرد )) و (( امتزاج )) لدى الحديث عن

ــــــــــــــــــ
(11) G. Graf, CSCO, vol. 130, p. 65.
(12) أوردنا هذه الأسماء كما جاءت في نصوص أبي رائطه.

17

علاقة الأقنوم الإلٰهيّ بالآخر. أمّا مفردات (( ذات )) و (( أَبَويَّة )) و (( انبثاق )) و (( خاصّة )) وغيرها، فإنّها تدلّ على قدرة أبي رائطه التجريديّة.

05-04-2005, 08:52 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
أبـــو الـــرائـــطة التــكريـتـيّ - بواسطة إبراهيم - 05-04-2005, 08:52 PM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS