حزب التماسيح.....تحذير..هذا المقال محزن ومبكي ..فقط عنوانه ساخر
الكاتب: سعاد جروس المصدر: الكفاح العربي
طار خبر إفلاس «مجموعة الديري» الصناعية من حلب إلى أرجاء البلاد, وطار معه على الهامش الهامشي المهمش جداً قائمة لطيفة بأسماء المساهمين الكبار, مرفق بها أرقام مبالغهم المالية المستثمرة فيها, المقدر مجموعها عشرة مليارات ليرة سورية, تعود لعدد من كبار الموظفين في الدولة, كل اسم منهم اكبر من الثاني. فاستغربنا كيف تفلس مجموعة يسهم فيها مسؤولون من هذا العيار الثقيل؟ بمعنى حتى هؤلاء يفلسون؟!! لكن سرعان ما تم نفي صحة ما ورد في القائمة وثبت انهم لا يفلسون, وكل ما في الامر ان مجموعة الديري «وقعت ولم يُسَمِّ عليها أحد»!!
وحسب الواقع المؤلم, ثمة من سيتضرر ضرراً بالغاً وهم أكثر من 1000 عامل يعتاشون من معمل نسيج الديري؛ مهددون بأن يصبحوا قيمة مضافة إلى عديد العمال العائدين من لبنان, تضاف إلى عديد العاطلين المزمنين الذين ينوء بهم «اقتصادنا» إذا جاز نسب هذا الاقتصاد للـ«أنا الوطنية» الخسرانة دائماً. وإذا لم يجز, فهذا الاقتصاد لهم, والـ «هم» تعني هؤلاء الذين جنوا من خيرات وظائفهم ومناصبهم المليارات ومئات الملايين, جزاء بسيطاً يستحقه تاريخهم النضالي العريق, يعوضهم عن أيام الحرمان والشقاء حين كانوا في عداد صغار الكسبة من العمال والفلاحين. وهي أيام لا يملّ مناضلونا من تذكيرنا بها في كل مناسبة, ولا تزال الذاكرة تغص بتلك القصص البائسة؛ حين اصطحبنا أستاذنا في قسم الصحافة, كالقطط المغمضة إلى مكتب أحد المسؤولين المناضلين, لنفتح عيوننا على سيرة كفاحه, منذ وفد إلى العاصمة مستلقياً على ظهر الباص, لأنه لم يكن يحتكم على قرش سوري, مروراً بسيرته الجامعية منتعلاً حذاء مثقوباً, إلى أن حانت الفرصة وتصدى لأخطار وطنية انتصر فيها للطبقات المسحوقة. قصص درامية لم تخل من تفاصيل حزينة, وإنما شيقة مهدت فيما بعد لانتهاز فرص سانحة وخاتمات سعيدة, عاش أبطال الثورات يمسحون عرقهم ويجددون قواهم في فيلات راقية وسيارات فارهة, كتعويض عادل عن عذابات الماضي. وليصبح من بعدها سؤال «من أين لك هذا؟» والذي ركب عليه الصناديد, لتأميم المعامل وتقليص ملكيات الأراضي, سؤالاً نافلاً, بلا معنى, يعبر عن سذاجة السائل, ويؤكد ذكاء المسؤول الاستثنائي, المتماهي مع الكرسي والدولة والوطن.
ليصبح المسؤول هو الوطن والمواطن, إذا شئنا التخفف من أعباء المواطنة, وارتضينا لأنفسنا الاستمرار بممارسة دور المشاهد المدهوش مذ كانوا يتعمدون ادهاشنا بفقرهم وعصاميتهم. واليوم يدهشوننا بأرقام ثرواتهم الخيالية, وحجم الانهيارات التي تحاصرنا من كل جانب. ومن إصرارهم رغم ما جنته أيديهم من كوارث على تدبيج الخطابات العصماء في مديح الجندي والعامل والفلاح والكادح وسائر المنقرضات الثورية البيانية, بمن فيهم المواطنون بالوكالة, في وطن لا يملكون فيه اكثر من حقوق التصفيق أو الصمت.
ولأننا من الفريق المحتكر للدهشة, فكّرنا بكسر جدار الاندهاش المديد, والاستسلام النهائي «للتمسحة», لأنها الحالة الوحيدة التي تعيننا على احتمال الآتي من فضائح بدأت بشائرها بأخبار عن مليارات هنا ومليارات هناك, إما تائهة أو متنازع عليها أو ركبت بساط الريح وسافرت تشق الرياح فوق المتوسط والأطلسي.
الأخبار ليست جديدة, وإنما بائتة بدأت بالخروج من دوائر الشائعات والشكوك لتدخل حيز اليقين, في وقت تستعصي فيه المحاسبة. الأمر الذي يجعل من «التمسحة» حاجة جماهيرية ضرورية ومعبراً عميقاً عن تطلعات الشعب لسبات شتائي طويل, على هدهدة صوت فيروز «ما بتسأل لا تسأل مش فارقة معاي» أغنية لا ضير في أن تكون شعاراً لحزب «التماسيح الشعبي الديمقراطي» ومرشحاً ليكون أكثر الأحزاب ديمقراطية وجماهيرية, يفتح أبوابه لكل مواطن بائس فيائس, مغدور ومنكود, مقهور ومعتر. حزب لا يحتاج إلى ترخيص, إذ لا يمكن حظره ولا ملاحقة أتباعه, فهم غير معنيين بشيء ولا يهزهم شيء, أحرار باستلابهم ومتحررون من مشاعرهم الوطنية, لا يغضبون من أخبار الفساد ولا تزعجهم صولات الفاسدين, ولا يتأثرون بمصائب تهبط عليهم من السماء, أو ضغوط تهب على بلادهم من جهات الأرض الأربع.
حزب «التماسيح» هو حزب غالبية طال تهميشها, فلم تعد معنية بثروات وطنية نهبت في عز النهار وحلكة الليل, ولا بعقول نخرها التطرف بكل تلاوينه, ولا بأخلاق أكل الانحطاط عليها وشرب. حزب الغالبية المغلوبة... فاتها الماضي, وها هي تنفض أيديها من الحاضر والمستقبل.
|