عون راجع،
لكن هذه المرة الى منفى جديد، بعدما خذلته بيروت، وأحبطته باريس، ورفضت واشنطن أوراق اعتماده.
لعل الجنرال ميشال عون أخطأ في عودته المبكرة الى بيروت التي لم تكن مستعدة لاستقباله وتتويجه بطلا للتحرير، بل كانت تتوقع منه الانتظار الى ما بعد الانتخابات النيابية، فيبدو حينها انه بالفعل رجل دولة وليس رجل سلطة كان يتحيّن الفرصة لكي يسترد ما ضاع منه خلال سنوات المنفى.
في أقل من عشرة أيام بهت البريق، وخسر الجنرال رصيدا يعادل ما جمعه في خلال عشرة اعوام. لم يعد لديه حلفاء سوى خصوم الامس من الطبقة السياسية التي طعنته في الظهر، عندما اكتشفت ان حجمه اكبر من ان يتم احتواؤه، وبرنامجه ابعد من ان يتم استيعابه، وطموحه يتعارض مع كل ما ترسخ في غيابه عن ارض الوطن.
بسهولة فائقة حوصر الجنرال في الرابية. سقط، أو يكاد يسقط في الانتخابات النيابية، لانه لم ينكر طموحه الى الرئاسة الاولى التي لا يمكن ان تطوّب لعائد من باريس، لا يحمل معه أي وعد فرنسي أو اميركي، او عربي على الاقل، ولا يتمتع الا بثقة جمهور طوباوي خاض معركة الحرية والسيادة والاستقلال ضد سوريا، وظن انه انتصر فيها.
لم يبق للجنرال سوى بعض الشتائم والاتهامات التي يطلقها في كل الاتجاهات، وتلك الاصوات الانتخابية الهائمة التي قد لا تجد صناديق اقتراع لكي تعبر عن نفسها، أو قد لا تجد حليفا يمكن ان تتبادل معه الارقام، ويمكن ان تشكل معه في ما بعد جبهة او كتلة صغيرة في المجلس النيابي الجديد.
15 عاما أمضاها في باريس يتفرج على زوّار العاصمة الفرنسية اللبنانيين، من دون أن يتحول إلى حصان فرنسي رابح في أي سباق لبناني، حتى تلك السياقات التي جرت في اعقاب القطيعة بين الفرنسيين والسوريين. ظلت فرنسا حتى اللحظة التي ودعته فيها توحي بانه كان عبئا اكثر مما كان وديعة ثمينة.
طار اكثر من مرة الى واشنطن ليعرض نفسه صديقا وحليفا وشريكا، لكنه اصطدم على الدوام بتاريخه الشخصي الحافل بالاتهامات لاميركا بأنها باعته لسوريا في مطلع التسعينات، ولم ينجح في تحقيق أي اختراق جدي في السياسة الاميركية تجاه لبنان.. قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي اخرج سوريا، لكن لم يفتح ابواب الحكم امام الجنرال.
هل يمكن للجنرال ان يظل محاصرا في الرابية، لا يستطيع اللجوء الى باريس التي تحالف خصومه اللبنانيين، ولا يمكنه السفر الى واشنطن لطلب الدعم الذي رفضت تقديمه له في اكثر من مناسبة: المؤكد انه ربح معركة العودة المتواضعة، لكنه لم يربح الحرب على المنفى.

http://www.assafir.com/iso/today/signature/48.html