إنْ لـم تكـن "طائفياً" أَكَلَكَ "الطائفيون"!



جواد البشيتي



في العراق، وفي جواره، رُبَّما، عمَّا قريب، إنْ لـم تكن "طائفياً" أَكَلَكَ "الطائفيون"، فهذا هو جوهر "اللعبة الديمقراطية" في بلد "الـمَثَل الديمقراطي الأعلى".
وقد تمثَّـل "العرب السنَّة"، أخيراً، هذه "اللعبة" و"جوهرها"، فأعلنوا، إذ هيَّأ لهم الـمناخ الطائفي وزير الداخلية (العربي الشيعي) الـمستعد للتعاون مع "الشيطان" في سبيل القضاء على "الإرهاب"، قيام "تكتُّل سياسي جامع لأهل السنَّة"، يُمهِّد السبيل إلى قيام "مرجعية"، على غرار "مرجعية النجف الشيعية"، التي يقودها (دينياً وسياسياً) السيستاني، تأخذ على عاتقها "مسؤولية تمثيل" الطائفة في "العملية السياسية الـمقبلة".
وينظر قادة "العرب السنَّة"، الذين تركَّز دورهم السياسي القيادي، حتى الآن، في "حيِّز تنظيمي انتقالي"، يُدعى "هيئة علـماء الـمسلـمين"، إلى نتائج انتخابات "الجمعية العراقية الانتقالية"، والتي صنعوا بعضها إذ قاطعوا تلك الانتخابات، على أنَّها "زلزال" ضرب تفكيرهم السياسي، فباتوا يرون في الـمشاركة في "العملية السياسية الـمقبلة"، التي يُعدُّ كتابة دستور جديد للعراق من أهم مراحلها، "واجباً"، و"مصلحة طائفية واقعية كبرى".
لقد ظلُّوا مستمسكين بمواقف مبدئية جيِّدة، مِنْ قبيل رفض الـمشارَكة في انتخابات تُجرى في وجود الاحتلال، ورفض الـمنطق الطائفي في توزيع السلطة والـمناصب العامة، ودعم الـمقاوَمة العسكرية للاحتلال، والتي تأتي، حتى الآن، مِن مصدر عراقي واحد هو "العرب السنَّة"، مع تمييز هذه الـمقاوَمة، والدعوة إلى تمييزها، مِن أعمال الإرهاب.
ولكن الاستمساك بهذه الـمواقف شرع يعود على "العرب السنَّة" بضرر طائفي، فـ "التحالف الشيعي ــ الكردي"، الذي أجادت الولايات الـمتحدة "لعبة دعمه"، اشتد ميله إلى مزيدٍ مِن الهيمنة، الأحادية تارة، والـمشتركة طوراً، وإلى أنْ يقوم هو بـ "ملء الفراغ" الذي خلَّفته الـمقاطعة العربية السنِّية للانتخابات.
حتى "لجنة كَتَبة الدستور" أُلِّفت بطريقة بعثوا مِن خلالها رسالة إلى "العرب السنَّة" مؤدَّاها أنَّ الدستور الجديد يمكن أنْ يُكتب، وسوف يُكتب، في غيابهم، أي ضدَّهم!
ومضوا قُدماً في "لعبة استثارة العصبية الطائفية"، التي هي جزء لا يتجزأ مِن "لعبة تعميق الجذور العراقية الداخلية للهيمنة الإمبريالية للولايات الـمتحدة على العراق"، فزجُّوا في هذه "اللعبة"، أو "الـمعركة"، بميليشيا "بدر" الشيعية الطائفية.
وهكذا تهيَّأت الأسباب لاتِّهام "هيئة علـماء السنَّة" لهذه الـميليشيا بارتكاب جرائم طائفية، بالتعاون مع وزير الداخلية الشيعي، في حق "العرب السنَّة" ومساجدهم ورموزهم الدينية.
وانتهت هذه اللعبة الطائفية الحقيرة بنتائج متَّفقة مع توقُّعاتهم، فأخذ "العرب السنَّة"، عن اضطرار، بالـمبدأ "الطائفي الإمبريالي الأوَّل" لـ "الديمقراطية العراقية"، وهو "إنْ لـم تكن طائفياً أكَلَكَ الطائفيون"، فظَهَرَ لديهم مِن "قوَّة العصبية الطائفية الـمضادة" ما أضعف كل "انقسام جيِّد"، وذوَّب كل "خلاف جيَّد"، فامتزج في هذا "الكيان الطائفي الجديد" حتى أولئك الخصوم الطبيعيون للزواج غير الشرعي بين "الطائفية" و"العشائرية" وبين "السياسة"، فالألوان الـمختلفة اندمجت، جميعاً، في "لون طائفي جديد"، فهنا "طائفية"، وهناك "طائفية"، وهنالك "عرقية".
أمَّا "الاحتلال" فيشُقُّ الصفوف، ويوحِّدها، بما يتَّفق مع مصالحه، التي فَقَدَت "عدوها الحقيقي"، وهو "العراق" و"الشعب العراقي"!
وهذا "الـمُركَّب العراقي الجديد" مِن "الطائفية"، و"العشائرية"، و"الاحتلال"، وغيرها مِن "قوى الـموت والـماضي"، يسمُّونه، تجارياً، "الـمَثَل الديمقراطي الأعلى"، الذي يتوفَّرون على تسويقه إقليمياً.
ومع ولادة هذا "الكيان الطائفي الجديد"، في مناخ "ازدهار العصبية الطائفية"، وُلِد "وَهْمٌ طائفي جديد"، فـ "العرب السنَّة" يمكن أنْ يمسكوا، من الآن وصاعداً، بـ "التوازن العراقي الداخلي"، فـ "انتماؤهم القومي" يسمح لهم بالتحالف مع "العرب الشيعة"، و"انتماؤهم الطائفي" يسمح لهم بالتحالف مع الأكراد.
هذه هي "الأرباح" بالـمعيار الطائفي، فما هي، وكم هي، الخسائر بالـمعيار القومي ــ الديمقراطي؟!

ü كاتب ومحلل سياسي فلسطيني ــ الأردن