(1)
بعد ساعات من العمل الشاق أراد ذات يوم أن يحمل مفاجأة لعياله وأمهم ويبسط يده المغلولة الى عنقه لأكثر من سبب وجيه أولها دخله المهدود وآخرها تهمة الإرهاب .. وقرر أن يكسر القاعدة ويقترب من الميزانية.. ولكن ماذا سأشتري.. سأل نفسه؟!
والله اشتقت أنا والعيال الى التفاح اللي ما زار بيتنا منذ شهور.. اقترب من أحد المحال الذي يعرض سلالاً مما لذ وطاب من الفواكه الشتوية والصيفية (عنب ومشمش وموز وكيوي و جارنك وتفاح وبرتقال و..) أراد أن يتفحص التفاح ولما قرأ تعرفة الأسعار الموضوعة فوق الصندوق اكتفى بشم التفاحة وأعادها الى مكانها بهدوء وروية.. وغادر الموقع وعيناه مشدودتان الى ذلك المشهد ((الفواكهي ))الذي يسيل له اللعاب.
(2)
توقف أمام محل مجاور تفوح منه رائحة المشاوي والتي لم تعرف طريقها الى أنوف عياله منذ عيد الأضحي المبارك.. ولج الى الداخل استقبله النادل: (تفضل يا بيه طلباتك.. كباب -كفتة -شيش طاووق -كبدة -جاج مشوي على الفحم -لسانات -ريش -جوانح..) بينما يسرد النادل الأنواع العديدة من المأكولات راح الرجل يتأمل ((جاطاً ))من اللحوم المشوية المتنوعة يتصدر الطاولة أمام أحد الزبائن تحيط به السلطات والمقبلات.. اكتفىببلع ريقه عدة مرات ((مُتلّمطاً ))ورجلاه تسحباه الى الخلف ليخرج بهدوء دون أن ينطق بكلمة واحدة.
(3)
أكمل طريقه وهو يتأمل الناس داخل المطعم وهم يأكلون الطيب من الطعام المصحوب بالعصائر اللذيذة.
تمنى أن يكون بمقدوره اصطحاب عائلته إلى هذه الأماكن مثله مثل غيره ولو مرة في السنة.
(4)
وقبل أن ينهي حواره مع نفسه وجد محلا مزدحما اقترب أكثر فوجد ضالته ولما جاء دوره اشترى أخيراًَ بعض حبات من الطعمية ((الفلافل)) وضعها له البائع داخل وعاء ورقي لفّة على شاكلة ((قاموع ))حمل الطعمية ونشوة النصر تُسيطر عليه من أعلى رأسه إلي أخمص قدميه وانطلق بالمفاجأة إلى عياله الغلابة صعد السلم حيث يسكن على سطح العمارة وهو يشعر بالتعب دخل المنزل ونادىعلى صغاره الذين حضروا بالحال وأعينهم مشدودة إلي ما يحمله الوالد.
مد يده إلى داخل القاموع ليخرج حبات الطعمية ويقدمها لأطفاله وإذ بالقاموع فارغاً أعاد فتح القاموع بحيث أصبح ورقة مسطحة- ولكنه لم يجد الطعمية التي سقطت حباتها دون أن يدري وهو في طريقه إلى المنزل.
فسيطر عليه الغضب وشعر بحرج كبير أمام أطفاله .. وجد في الورقة التي لفت فيها حبات الطعمية علي شكل قاموع صورة زعيم بلاده تتصدر احدى الصحف المحلية فخاطب صورة زعيمه قائلا: لهون وصلت معك الأمور ياريس ..البلد كلها مستباحه أمامك ولم تشبع لاحقنا لهون ولم تُوفّر الطعمية وتخطفها من بين أفواهنا
فقال الأطفال بصوت واحد: كفاية.. كفاية .. كفاية


أسامة سعد الدين