" في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ، ثم قال : "والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا ورأينا مجده " ( يوحنا 1 : 1 و 14)

يتوارد هذا السؤال في ذهن البعض: لماذا يتجسد الله ؟ لماذا جاء المسيح بهذا المفهوم الذي نؤمن به كمسيحيين؟؟ ألم يكن الانبياء الذين سبقوه فيهم الكفاية لتوصيل رسالة الله الى البشر ؟؟ . فما الداعي لكي يأتي المسيح (كلمة الله) في الجسد ؟؟

يعتقد البعض ان تجسد الله لتحقيق الفداء كان لعجز الله عن الغفران بكلمة من فمه ، فهل يعجز الله عن شيء ؟؟؟ ولكن الحقيقة ان تجسد الله كان لعجز الانسان عن ان يصل الى الله .

وللإجابة عن سؤالنا هذا نقرأ اجابة السيد المسيح: "وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل." (يوحنا 10 : 10) ، لقد تكلم الله إلى العالم كله بالانبياء وبطرق كثيرة متنوعة وكان محتوى الرسالة عن طريق الخلاص والعودة الى الله ، ولكنه أخيرا أرسل كلمته متجسدا ، لكي يحقق كل ما تنبأ به الانبياء ، ان هناك طريق واحد للحياة والخلاص من حكم الموت الروحي والانفصال عن الله الصادر على البشرية بطرد آدم من الجنة ، " وكما هو مكتوب أنه ليس بار ولا واحد. الجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد.. لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 10:3-23). ولكن المسيح جاء ليعطينا حياة كما قال " لان اجرة الخطية هي موت. وأما هبة الله فهي حياة ابدية بالمسيح يسوع ربنا" ( روميه 3 : 23)

كيف يعطينا المسيح هذه الحياة ؟

وللاجابة على هذا السؤال ايضا نقرأ قول المسيح عندما أقترب من الصليب ، " ولكن لأجل هذا أتيت الى هذه الساعة " (يوحنا 12: 27) لم يكن مجيء المسيح لالقاء تعاليم رائعة فقط ، بل كان هناك عملا لابد له أن يتمه ولا يستطيع أن يفعله أحدا غيره ، فقد قال " لان ابن الانسان قد جاء لكي يخلّص ما قد هلك." (متى 18: 11) ، لقد كان المسيح في مجيئه ينقض أعمال الشيطان الذي استعبدنا بعد سقوطنا كلنا في الخطايا والعصيان ، وقد أعترفت الشياطين بهذا حين عرفته وقالت " ما لنا ولك يا يسوع الناصري. أتيت لتهلكنا. أنا اعرفك من انت قدوس الله" (لوقا 4: 34)

ولهذا فقد كان يتعين في مجيئه أن يكون مشابها لنا نحن البشر في كل شيء ماعدا الخطية (عبرانيين 2: 17 و 4 : 15) " فاذ قد تشارك الاولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت اي ابليس" ( عبرانيين 2: 14) ونقرأ أيضا في الكتاب المقدس عن قول الوحي المقدس: " لذلك عند دخوله الى العالم (أي المسيح) يقول: ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيأت لي جسدا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسرّ. ثم قلت هانذا اجيء في درج الكتاب مكتوب عني لافعل مشيئتك يا الله." (عبرانيين 10: 5– 7)

والحديث في الوحي عن لسان المسيح يخاطب الآب السماوي هنا بقوله: قرباناً ومحرقاتٍ وذبائح للخطية لم تُرد ولا سررت بها ، (التي تقدم حسب الشريعة) ، ولكن هيأت لي جسداً !.. ثم يقول : هنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله، أي ها أنذا أجيء بجسدي الذي هيأته لي من دمٍ ولحم لأُتمم مشيئتك يا الله لأنوب بجسدي هذا عن قرابين الأضاحي الحيوانية في شريعة موسى.


الآن نحن نعلم أن موت المسيح على الصليب كان حتميا وقد ألغى الأضاحي الحيوانية التي كانت تقدم من قبل . فدم الأضاحي من الثيران والتيوس والخراف لم تكن كافية لتقربنا الى الله بصورة قاطعة ، ولم يكن لها قوة التكفير عن خطايا الناس ، وعند تقديمها للذبح نيابة عن الخطاة لم يكن ذلك برغبةٍ منها ، فهي لم تذنب في شيء ، إنما كانت ذبائح رمزية أمر بها الله حتى يأتي الزمن الذي يتحقق فيه ذبيحة الصليب بواسطة " حمل الله الذي يرفع خطية العالم " ( يوحنا 1: 29 و 39) .. هذا الذي رآه بروح النبوة أبونا أبراهيم حينما هّم بذبح ابنه ففداه الله بذبح عظيم ، ذبح هيأه الله بنفسه ، وأرتضاه ليكون كفارة عن الخطايا وأستحقاق موتنا .


نعم عزيزي القاريء :

فعندما ارتفع المسيح على خشبة الصليب أُبطلت كل الأضاحي الحيوانية ، ولم يعد لها من قبولٍ عند الله لأن المرموز إليه قد حضر ، وإذا حضر الماء بطل التيمم ، ولذلك انتهت الحاجة إلى الهيكل اليهودي، وهو المكان الوحيد الذي فيه تقدم الأضاحي الحيوانية ولا تجوز في مكان آخر غيره (بحسب شريعة الله على لسان نبيه موسى ) ، لكن بعد الصليب انتهى الهيكل في مسيرة الشعب فلم يعد للهيكل من وجود على أرض الواقع لكي يتحولوا إلى ذبيحة المسيح الدائمة ، التي قٌدمت مرة واحدة والى الابد " وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الاقداس فوجد فداء ابديا" ( عبرانيين 9 : 12)
عزيزي القاريء

إن أهم حدثين في حياة المسيح على الأرض هما حدث الميلاد وبه تجسد الله في هيئة انسان هو المسيح ، أما الحدث الثاني فهو الصليب والقيامة ، قيامة المسيح من القبر . فالصليب هو النقطة المركزية التي جاء المسيح وتجسد لأجلها ،الأمر الذي قد ينكره البعض ، ولكن لأجل الصليب وُلد المصلوب وأرتضى بأن يعيش بينا بالهيئة المتواضعة التي حل فيها في الأرض، ولذلك بعدما أنجز المسيح ما جاء من أجله ارتفع إلى السماء التي منها جاء (يوحنا 16 : 28).

لم يكن مجيء المسيح لالقاء تعاليم رائعة فقط ، بل ليعطينا القوة بالروح القدوس لكي نعيش طبقا لهذه التعاليم ، والأهم أن يمهد لنا طريقا الى الله حيث عرفنا به بأنه الآب المحب حيث يقول: " أنا هو الطريق والحق والحياة ، ليس أحد يأتي الى الآب الا بي " (يوحنا 14: 6) ليس هناك عدة طرق الى الله ، وليس هناك طريقا آخر غير الذي عينه الله ، لقد تكلم الانبياء عن مجيء المسيح ، وعن كل ما فعله بكل دقة ، وقد أثبت المسيح بالفعل قبل القول انه هو محقق النبؤات ، وانه صادق فيما قاله عن نفسه ، ويحاول الشيطان الآن بكل الطرق أن يحجب هذه الحقيقة عنك ، فلا تعطه الفرصة، وانجو بحياتك الى المسيح الذي لازال يدعو الناس بكل طوائفهم وجنسياتهم وأديانهم .
هذه حقائق إيمانية مؤكدة مدعومة بالبرهان القاطع ، حقائق نؤمن بها ونحياها في قلوبنا ونسير بنورها والكنيسة المسيحية بكل فروعها وطوائفها عبر كل التاريخ عاشتها وتعيشها باطمئنان راسخ .


الرب يبارك لكم في قراءة هذه الكلمات