الاتصالات الامريكية البعثية تتواصل متجاهلة الجعفري
2005/06/13
هارون محمد
جاء الاعتراف الامريكي بوجود اتصالات أدارها قادة قواتها واركان سفارتها ببغداد مع اطراف في المقاومة العراقية نهاية الاسبوع الماضي خجلاً ومكابراً في آن، خجلاً لان الرئيس بوش لا يريد ان يصدم الجمهور الامريكي ويقول له انه اضطر للتفاوض والحوار مع الذين ما يزال يسميهم بالارهابيين والمخربين والمسلحين، ومكابراً لان البيت الابيض لا يرغب في اهتزاز صورة القوة الامريكية امام حلفاء واشنطن واصدقائها من جهة، وامام دول اخري كفرنسا وروسيا والمانيا، حذرت من شن الحرب علي العراق مطلع العام 2003، وباتت اليوم تشمت من طرف خفي بالتورط الامريكي وما تكبدته قوات الاحتلال من خسائر وهزائم واخفاقات منذ احتلال العراق.
ولان انباء الاتصالات الامريكية مع فصائل المقاومة العراقية لم تعد سراً في الاوساط السياسية والحزبية والشعبية في العراق، رغم ان بعض تفاصيلها مازال طي الكتمان لاعتبارات عديدة تخص الجانب الامريكي الذي يمارس لعبة مزدوجة في هذا الاطار، فهو يتوسل وسطاء وممن يسمون بالمقربين من المقاومة العراقية لتخفيف شروطها والتنازل عن بعض مطالبها من جهة، ويظهر لا مبالاته وكأنه غير معني بالحوار معها امام المتعاونين والموالين له، خشية ان يغيروا مواقفهم او يغادروا العراق ويعودوا الي العواصم والبلدان التي كانوا يقيمون فيها قبل التحاقهم بقوات الاحتلال، خصوصاً وان كثيرين منهم، حسب المعلومات الامريكية، يشعرون بان وجودهم في العراق مؤقت ويرتبط باستمرار الاحتــلال ليس الا.
ولم يعد سراً ايضاً في بغداد ان الاتصالات الامريكية مع اطراف المقاومة العراقية وخصوصاً مع القيادة البعثية الميدانية وفصائل عسكرية واخري عشائرية تصاعدت خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة، وتحديداً منذ تعيين ابراهيم الجعفري رئيساً للحكومة الانتقالية، حيث عمد القادة والمستشارون والدبلوماسيون الامريكان تغليف رسائلهم الي المقاومين بـ(نصائح) تدعوهم الي الاسراع بعقد المفاوضات واجتماعات الحوار، واستخدام مفردات تحمل طابعاًُ تفريقياً وتحذيرات طائفية، الامر الذي اكتشفه قادة المقاومة والمقربون منها وتعاملوا معه بطريقة حازمة واصروا علي مواقفهم ومطالبهم السابقة، وآخر تلك الرسائل وتاريخها قبل اسبوعين تقول: ان القوات الامريكية ليست لها علاقة بخطة (البرق) الامنية العسكرية وانما هي من صنع الائتلاف الشيعي وحكومته الجعفرية وان (القوات المتعددة الجنسية) لن تتدخل فيها، والمفارقة في الرسالة الاخيرة ان من (طيرها) واوصلها عبر قنوات عديدة الي المقاومة مسؤولون كبار في الهيئات الحكومية تصنعوا بانهم غير موافقين علي الخطة ولمحوا بانهم ابلغوا الامريكان بعدم دعمها اعتقاداً منهم بانها طائفية التوجهات.
وقد ترشحت انباء ومعلومات جديدة عن الاتصالات الامريكية مع القيادة البعثية الميدانية، ومنها ان الاخيرة رفضت عرضاً امريكياً يدعوها الي اعلان تخليها عن السلاح واستعدادها للمشاركة فيما يسمي بالعملية السياسية لتمهيد الارضية وتهيئة الاجواء للدخول في مفاوضات ثنائية، وكان الرد البعثي عبر الوسيط، وهو شخصية كردية مستقلة، انه لا يقبل شروطاً مسبقة، وكل شيء يتوقف علي نتائج المفاوضات عند عقدها، وان القيادة البعثية تري في النقاط التي اقترحتها في رسائلها السابقة اساساً يمكن الإنطلاق منه للإجتماع والحوار، وهذه النقاط هي: (1) الاعتراف الامريكي الرسمي بحزب البعث كطرف سياسي عراقي له الحق في ممارسة انشطته وفعالياته بحرية دون إملاءات واشتراطات وضغوط أجنبية أو محلية. (2) الغاء هيئة الاجتثاث رسمياً وجميع القرارات والاجراءات التي صدرت عنها. (3) الاعتراف بالمقاومة العراقية ضد الاحتلال كما تنص عليها القرارات الدولية ومواثيق الامم المتحدة. (4) إشراك الامم المتحدة كجهة دولية في الاشراف علي الاوضاع في العراق. (5) إعلان امريكي رسمي بتحديد سقف زمني لوجود القوات الاجنبية المحتلة في العراق. (6) إطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين وتعويضهم اضافة الي تفصيلات اخري تتعلق بآثار الاحتلال والسياسات التي اتخذها خلال المرحلة السابقة.
والجديد في النقاط الجديدة كما ورد في الرسالة الاخيرة ان القيادة البعثية خيرت الامريكيين بتحديد مكان الاجتماعات عند عقدها في الامارات او قطر او القاهرة او تونس بدلاً من المنطقة الكردية في شمال العراق كما كان يرد في الرسائل السابقة. وكانت هذه النقاط قد وردت لاول مرة في رسالة اوصلها العضو السابق في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب عبدالفتاح الياسين الي القيادة الامريكية في وقت سابق عبر رئيس الحكومة المؤقتة السابقة اياد علاوي وتضمنت ايضاً ان حزب البعث قوة شعبية يتوهم الامريكيون اذا اعتقدوا انهم قادرون علي شطبه بقرار بريمر فهذا الحزب مضي عليه وهو يعمل وينشط في الساحة العراقية اكثر من نصف قرن وله تجربتان في الحكم بغض النظر عما رافقهما من ملاحظات ومشاكل وازمات.
وجاء في الرسالة كذلك نصيحة للامريكيين مفادها ان حزب البعث مستعد للظهور العلني والعمل السياسي السلمي اذا توافرت نوايا امريكية للتعاطي معه بعيداً عن التجريم والاقصاء والملاحقات.
وحسب المعلومات التي تسربت عن اوساط علاوي، فان الجانب الامريكي اهتم برسالة الياسين في اول الامر، وانكب علي دراستها ومناقشتها، ولكن تدخلات رجال (البنتاغون) واعتراضهم علي بنود وردت فيها افسدت التعامل الجدي معها.
وقد حاول الامريكيون تجريب خطة اخري في الاتصال مع البعثيين عندما اوفدوا كلاً من فلح النقيب وزير الداخلية السابق وبرهم صالح نائب رئيس الوزراء السابق ووزير التخطيط الحالي في مطلع العام الحالي، الي صدام حسين في معتقله لحثه علي اصدار بيان او تسجيل خطاب بصوته، يطلب فيه من انصاره ومحازبيه عقد هدنة مع الامريكيية ولان الامريكان كعادتهم يفتقرون الي رؤية صحيحة للوضع العراقي الشائك، وما زالوا اسري لذهنية السطوة والقوة وفرض القرار الاحادي، فقد اخطأوا عندما اختاروا النقيب وصالح لمثل هذه المهمة، وحاولوا الضغط علي صدام حسين المعتقل لديهم دون ان يتعلموا ام يتعرفوا علي طبيعة شخصيته وتفكيره.
وينسب الي النقيب ان صدام عندما عرف شخصيته وانه ابن اللواء حسن النقيب قال له ساخراً (طالع مثل ابوك)، والتفت الي برهم صالح عندما عرف انه من حزب الاتحاد الوطي الكردي، وقال له (بلغ جلال يكفيه الغلط بحقنا وذكره بما قدمناه له ولصاحبه مسعود)، وانهي اللقاء دون ان يستمع للاثنين الذين اضطرا الي مغادرة السجن خائبين.
ولعل أبرز محطات الاتصال الامريكية البعثية تمثل في ايفاد وزير الدفاع السابق حازم الشعلان الي عضو القيادة القطرية للحزب فاضل المشهداني واللقاء معه للبحث في افضل السبل والوسائل لتمهيد الطريق امام مفاوضات بين الامريكيين والبعثيين. ورغم ان الشعلان الذي يرتبط بعلاقات قديمة مع المشهداني حاول التكتم علي اسرار الاجتماع، الا ان معلومات تسربت من اوساط الحكومة السابقة اشارت الي ان المشهداني ابلغ وزير الدفاع السابق جملة ملاحظات جواباً علي اسئلة واستفسارات الاخير، منها انه يرفض شخصياً ان يتولي قيادة الحزب كما لمح له الشعلان، وان قضية القيادة تقررها مؤتمرات الحزب، ورفض ايضاً تغيير اسم حزب البعث كما يريد الامريكيون وابلغ الشعلان ان الحزب اذا غير اسمه يصبح حزباً آخر غير حزب البعث وهذه المسألة لن يقتنع بها نصير في الحزب فكيف بقادته وكوادره واعضائه، وانتهي الاجتماع دون نتائج محددة.
وازاء اصرار القيادة البعثية الميدانية علي التمسك بمواقفها ورفض التعامل مع الشروط الامريكية التي تريد من حزب البعث ان يتخلي عن اسمه وثوابته ويتبرأ من ماضية، ويتحول الي حزب يشبه الاحزاب المتعاونة الحالية مثل وفاق اياد علاوي ومؤتمر احمد الجلبي ومجلس عبدالعزيز الحكيم ودعوة ابراهيم الجعفري واسلامي محسن عبدالحميد وتجمع عدنان الباجةجي وشيوعي حميد مجيد الموسي، فقد سعت السفارة الامريكية في بغداد بناء علي نصيحة من جلال طالباني الي استقطاب بعثيين معروفين بارتباطاتهم التنظيمية مع حزب البعث السوري وتشجيعهم علي تأسيس حزب بعث في العراق يشترك في العملية السياسية القائمة الان ويتعاون مع الاحزاب الموالية مع الاحتلال، وقد تولي هذه المهمة طالباني الذي مهد لها باطلاق تصريحات اشاد فيها بالبعثيين العراقيين في سورية وقال انهم مناضلون ساهموا في النضال ضد صدام حسين ونظامه السابق الي آخر الكلام الذي يشم منه نبرة تحريضية وتقسيمية واضحة، ولكن الخطأ الذي ارتكبه طالباني بهذا الصدد تمثل اولاً في تعيين باقر ياسين وهو عضو قيادة قومية سابق في حزب البعث السوري مستشاراً له لشؤون الفيدراليات، وهذا الشخص الذي اقام في دمشق اكثر من ثلاثة عقود مفصول من حزبه منذ عام 1983 وعليه ملاحظات وتنظيمية وسياسية تتعارض تماماً مع توجهات الخط السوري نفسه، كما انه انخرط منذ عودته الي العراق عقب احتلاله في مشاريع فيدرالية لتقسيم العراق وعين نفسه اميناً عاماً لمجلس اقليم الجنوب وهو مجلس صوري يضم بضعة انفار من المغمورين سياسياً والباحثين عن مواقع وظيفية، وبالتالي فهو لا يصلح لمثل هذه المهام.
واستقبل طالباني عضواً قيادياً بعثياً آخرمن المجموعة السورية كان في زيارة لاهله وذويه في النجف مؤخراً هو السيد رشاد الشيخ راضي الذي يقول المقربون منه انه ابلغ رئيس الاتحاد الوطني الكردي ان جناح حزب البعث السوري غير مؤهل في المرحلة الراهنة للتعاون مع الامريكيين الذين يستمرون في ضغوطهم وتهديداتهم لمرجعيته العليا المتمثلة في سورية، وانتهي اللقاء بفشل مساعي طالباني وتوقفها بعد ان ادرك ان العملية ليست بسيطة كما كان يتصور.
وآخر المعلومات عن الاتصالات الامريكية البعثية ان رئيس الحكومة المؤقتة السابقة اياد علاوي اقترح علي الامريكان السماح له بدعوة ممثلين عن حزب البعث لحضور مؤتمر سياسي يستعد لعقده له وحدد موعده في منتصف الشهر المقبل لتأليف جبهة سياسية واسعة وعريضة كما يأمل لمواجهة الائتلاف الشيعي الذي يهيمن علي حكومة الجعفري، حيث يعتقد علاوي ان مشاركة البعثيين في هذا المؤتمر تتيح فرصة جيدة للامريكيين اللقاء والحوار مع القيادات البعثية اوالمقربة اليها، لتذويب جليد الخلافات بين الطرفين وطمأنة البعثيين وازالة تصورات راسخة في اذهانهم خلقتها الحرب الاخيرة وتداعيات الاحتلال، والعمل جار حالياً في هذا الاتجاه.
ويتردد كلام في بغداد بان القيادة البعثية الميدانية ناقشت اقتراح علاوي وانها بصدد اتخاذ قرار يشأنه نهاية الشهر الحالي، والاعتقاد السائد انها ستكلف عددا من القياديين البعثيين السابقين الذين مازالوا علي صلات طيبة بها لحضور المؤتمر وجس نبض الامريكيين والتعرف علي حقيقة وجهات نظرهم واجندتهم فيما يتعلق بموضوعات التفاوض والحوار بين الطرفين. وتبقي مسألة لابد من الاشارة اليها وهي ان الجهود والمساعي الامريكية للاتصال بالبعثيين والحوار مع قياداتهم تجري بعيدا وبمعزل عن ابراهيم الجعفري ووزراء الائتلاف الشيعي في حكومته، فهم آخر من يعلم كالزوج المخدوع.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=20...لة%20الجعفريfff