أعاصير من الخارج.. وزوبعة فى الداخل




إن العام الحالى يعتبر أصعب عام فى تاريخ مصر على مدى نصف قرن من الزمان.. أصعب حتى من عام 1967 الذى شهد الهزيمة الفادحة التى كسرت نفوس الجميع، وأصعب أيضا من عام 1973 الذى شهد حرب التحرير التى توقف عليها كيان مصر بأكمله والتى أشعلناها - واستمررنا فى معاركها - على العكس تماماً من إرادة القوتين العظميين! والسبب وراء صعوبة وحساسية هذا العام - والكلام هنا على لسان مسئول سياسى كبير وقدير لم أستأذنه فى نشر اسمه وبالتالى لا أذكره هنا ـ هو أن مصر فتحت حصنها العتيد وانفتحت بالكامل على العالم كله بكل تكتلاته وكل تياراته، وهنا انقضت علينا قوى خارجية مختلفة تسعى بانتهازية لاستغلال هذا الموقف لأقصى حد ممكن خدمة لمصالحها الذاتية دون غيرها! والهدف من وراء ذلك - والكلام مازال على لسان هذا المسئول السياسى الكبير - [SIZE=6]هو أن العالم كله يدرك جيدا أن مصر هى محور المنطقة بأكملها وأن تغيير اتجاه مصر هو تغيير الاتجاه العام فى المنطقة..
:lol2::lol2::lol2:

إلى هذا الحد وصل تفكير أشهر قائد عسكرى على مر التاريخ، اتفق الجميع على مكانة مصر وعلى أهميتها البالغة للسيطرة على المنطقة، وإنها السبيل الوحيد لذلك وأيضا العقبة الوحيدة أمام هذا الهدف، ومن هنا كانت مصر مستهدفة على الدوام، وفى ذلك فإن أقرب الأمثلة وأكثرها إيلاما لذاكرتنا الوطنية هى هزيمة يونيو 1967 التى كانت تهدف بالدرجة الأولى للقضاء على مكانة مصر داخل العالم العربى وإخضاع هذا العالم العربى الفاحش الثراء من خلال ضرب القوة المصرية وتشويه صورتها ومكانتها أمام هؤلاء الذين يستندون عليها ويحتمون بها! لم تكن تلك المواقف جديدة على مصر، فقد تكررت كثيرا حتى تعودنا عليها، أما الجديد فى هذه المرة فإنه يتمثل فى تزامن خروج البعض من الداخل فيما هو أشبه «بالهوجة» الفوضوية شاهرين حناجرهم وأقلامهم مستهدفين النيل من كل رموز الدولة وتشويه كل الإنجازات وتلطيخ الصورة العامة لصورة وطن كافح وضحى كثيرا للوصول إلى المكانة التى يستحقها داخل المنطقة... وعلى مستوى القارة التى ينتمى إليها... وعلى خريطة العالم الذى نتربع فى قلبه.. تحرك غريب من جانب هؤلاء وأداء أكثر غرابة هو أشبه بزوبعة صاخبة تهب علينا من الداخل فى ذات الوقت الذى نواجه فيه أعاصير وضغوطاً عديدة من الخارج، والأكثر غرابة أن يعتبر البعض عندنا هذا الوضع الخطير بمثابة «نافذة فرصة» يسعون من خلالها لتحقيق مصالح ذاتية بحتة، لا تتناسب مع إمكانياتنا ولا تتفق مع القوانين أو الأعراف، وأكثر غرابة من هذا هو أن يتحول هؤلاء لاستغلال الدين والمشاعر الدينية العميقة للمصريين ويمزجونها ببدع استعراضية جديدة لم نسمع عنها من قبل عندما يخرجون بالشموع المضيئة تارة، وتارة أخرى يخرجون لكنس ضريح السيدة زينب - رضى الله عنها - على حكومة مصر التى تلهث لإصلاح أحوال الوطن وكل طوائفه وأبنائه الكادحين الذين لا وقت لديهم لإضاءة شموع لا فائدة منها فى وضح النهار، أو «كنس الأضرحة» على طريقة جهلاء القرون الوسطى! والأكثر غرابة من هذا وذاك أنهم يعتمدون كلية وأساسا على أن أحدا لن يقترب منهم لأن العالم الخارجى سيتحرك ويعتبر ذلك انتهاكا للحريات وانتكاسا للديمقراطية مع أن ما يقومون به لا علاقة له بالمرة بحريات أو ديمقراطيات، فالحرية مشعل نور وليست شعلة حرائق، والديمقراطية نظام حكم حضارى عصرى يحترم القوانين والضوابط إلى حد القداسة، وليست أبدا سبيلا للفوضى والعبث وضرب مصالح الوطن وتجاهل إرادة الغالبية.. كذلك فإن التطاول على الكبار والرموز الذى أصبح «موضة» أقلام الهدم والدمار.. هذا التطاول المريض ليس شجاعة أو بطولة، ولكنه انفلات يصل فى معظم الأحيان إلى حد البذاءة المنفرة التى يتعفف المرء عن الخوض فى أوحالها! وبالتسلسل المنطقى فإن السؤال الذى يفرض نفسه علينا بعد ذلك هو: هل تنجح هذه المخططات وهذا الأداء فى التقليل من مكانة مصر وأن تنال من قوتها الدافعة؟ والإجابة بأمانة شديدة هى أن كل ما يحدث الآن على المستوى الخارجى لا يخرج عن نطاق المناورات وما يسمونه بـ «سبر الأغوار» والتحقق، وعلى مستوى الداخل فإنه لا يخرج عن نطاق الشوشرة والإعاقة الفوضوية المحدودة.. وكلاهما لا يرقى إلى مستوى المساس بمكانة مصر وقوتها.. وأن مصر بأبنائها وكوادرها الذين لا يضيئون شموعا تحت أشعة شمس ساطعة، ولا يكنسون أضرحة الأولياء استغلالا لمشاعر البسطاء.. مصر هذه تستطيع دائما - كما يقول لنا تاريخ طويل - أن تنهض.. وحينذاك تختفى وتتبدد كل العواصف والزوابع.. وكل الأشباح الذين خرجوا علينا تباعا من مقابرهم العتيقة.. خرجوا علينا، وللعجب، يتحدثون عن ضرورة وحتمية التغيير!.

محمد عبدالمنعم