{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
وخلقه على صورته ومثاله! فأيّهما الصورة وأيّهما الأصل؟
فرج غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 104
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
وخلقه على صورته ومثاله! فأيّهما الصورة وأيّهما الأصل؟


وخلقه على صورته ومثاله! فأيّهما الصورة وأيّهما الأصل؟

إنّ من يتصفح الكتاب، أو الكتب المقدسة الناطقة باسم الديانات الثلاث المسماة "سماوية"، تأخذه الدهشة أمام الصفات "الإنسانية" التي يتصف بها الإله. كما هي الحال في الديانات السابقة، من السومرية إلى البابلية إلى الأشورية وغيرها. حتى في البعد "اللاإنساني" لهذه الصفات الإنسانية نلاحظ أن الإله مغرق في التشبه بالإنسان إلى درجة المزايدة عليه. فإذا مكر الإنسان فالإله أكثر مكراً! وإذا ما طغى الإنسان وتجبر فالإله يطغى ويتجبر أكثر منه، وهو الجبار المتكبر، وهو خادع المخادعين... يقود الجيوش ويقتل ويدمر ويغضب ويفرح ...
حتى ليظن المرء أن هذه الآلهة، أو هؤلاء الآلهة مرضى مصابون بأمراض السلاطين المتسلطين، بالسادية والتحريض على القتل والذبح كما في قصة إبراهيم إذ طلب منه الرب أن يذبح ابنه الوحيد قربانا مقدساً للتكفير عن ذنب مفترض، أو لامتحان إخلاصه في عبوديته (نشير هنا إلى أن العبودية والعبادة والعبد والعابد من جذر واحد). أين وجه الذنب في أن يأكل الإنسان من ثمار شجرة تعطيه القدرة على المعرفة وتمييز الخير والشر؟ ولماذا يُمنع المرء عن هذه المعرفة كما مُنع من أكل ثمر شجرة الخلود، حسب الرواية التوراتية؟ وهذا المنع الأخير لم ينجح أكثر من الأول، إذ اقتحم الإنسان مملكة الخلود من بابها الواسع، من حيث هو "وعي ذات"، وعي الذات لذاتها في ذاتها وفي آخرها، أو في الآخر عموماً، متخذاً من اللغة مطية وسفينة يعبر بها القارات والمحيطات والعصور والحضارات على اختلاف لغاتها والمنفتحة بعضها على بعض بفضل الترجمة.
طبعاً لم يكن المنع،على كثرته، من أجل المنع، ولكن الغرض من هذا المنع وذاك هو اختبار الإنسان وامتحان قدرته على الطاعة، الطاعة المطلقة العمياء بدون سؤال ولا تساؤل. فالسؤال محدود بحدود سقف الطاعة. ففعل الطاعة، مثلاً، في صيغة الأمر "أطيعوا..." ورد ما لا يقل عن ثلاثين مرة في النص القرآني. ولم ترد صيغة الأمر "إعرف" ولا مرة، بل ورد في الآية: "وقل رب زدني علما". وعلى سبيل المقارنة والمثال لا الحصر، نلاحظ أن سقراط لخص تعاليمه كلها في جملة واحدة بصيغة الأمر: "إعرف نفسك بنفسك".والقول: "أطلب العلم ولو في الصين" ليس آية بل حديث، وما أدراك ما الحديث.
إذا ما ضرب زلزال مدينة بكاملها وأزهق عشرات الآلاف من النفوس البريئة، قالوا إن في ذلك لحكمة وعبرة لمن يعتبر! ولماذا كل هذه الآلام والأحزان والبكاء والشقاء؟ في حين أن هناك ألف وسيلة ووسيلة أقل عنفاً وأقل دماراً وأقل إيلاماً لتوصيل الحكمة والعبرة. هل من حاجة للتذكير بأن هذه الأساليب في الحكم وفي تلقين الدروس لمن بقي على قيد الحياة ليقدّر تقديراً عاليا حظه السعيد، هذه الأساليب هي المفضلة لدى حكام لا يتوانون عن التأكيد لرعاياهم مثلما كان فرعون يقول لعبيده: "أنا ربكم الأعلى".
هؤلاء الحكام ارتكبوا جرائم فظيعة ضد الإنسانية. وقد بدأ الضمير الإنساني العالمي يستيقظ من حين لآخر ويطالب بمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. وليس بعيداً اليوم الذي ستنظم فيه باسم حقوق الإنسان محاكمات لشخصيات أدبية (معنوية) تحث على القتل وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية. ولكن للأسف ما زال القانون الدولي والعلاقات الدولية خاضعة لاعتبار "قانون الأقوى بمثابة الأفضل". والقوة المقصودة هي القوة العسكرية والوزن الاقتصادي أكثر مما هي القوة المعنوية لمفاهيم الحق والعدالة. ذلك أن التوازن العالمي وميزان القوى العالمي ما زال مختلاّ لصالح القطب الواحد، الطرف الأقوى على الساحة العالمية. ولكن هذا الوضع لن يستمر أبد الدهر! وإن استمر ردحاً من الزمن فلن يمنع الدول والحكومات من السير قدماً على طريق احترام الإنسان والاسترشاد بمبادئ حقوق الإنسان.
ونلاحظ، على سبيل المثال، أنّ الحكومات المعاصرة، باستثناء بعضها، تسعى جاهدة للحاق بتلك البلدان الطليعية منها التي ألغت من قوانينها حكم الإعدام. وإلام تنتظر هذه التي لم تلغ حكم الإعدام بعد؟ ما بال هؤلاء القوم لا يغيرون ما بأنفسهم، هل ينتظرون أن تغير آلهتهم ما بهم؟ أو ما يشاؤون إلاّ أن تشاء آلهتهم؟ وآلهتهم هذه المحنطة بثياب الأمس، ما بها؟ ألا تريد اللحاق بالركب، أم أنها لا طاقة لها على ذلك؟
وصورة الإله في نصوص الديانات "السماوية"، كما في أذهان العابدين، أقرب إلى صورة الحاكم السياسي المستبد بسلطته الفردية المطلقة التي لا يقيدها أي قيد، لا موضوعي ولا حتى ذاتي وكأنه لا يعرف الالتزام بقانون ما، أو بمبادئ معينة صادرة عن شخصه على الأقل، إلى درجة أنّه يخرق القوانين الطبيعية المطلقة التي إن مثلت شيئا فهي تمثل "المطلق الحق"، تلبية لنزوات بعض الكائنات الصغيرة والتي رغم صغرها فهي قادرة على التشكيك في عظمته وقدرته اللامتناهية!؟ وهل يعقل أن يكون الكائن المطلق، "واجب الوجود بذاته" في لغة الفلاسفة القدامى، هل يعقل أن يكون هذا المطلق بحاجة إلى إنسان فرد ينطق باسمه ويقوم بدور الوسيط بينه وبين خلقه؟ وكأن الخلق في عالم وهو في عالم آخر! وكيف يكون مطلقاً في حين أن العالم غارق في "الظلام" وفي "الفساد" بعيدا عن إرادته ومشيئته؟ فما هذا الشرك؟ وبالتالي يحتاج العالم من حين لآخر لتدخل الإله عبر وسطائه لإعادة العالم من جديد إلى الطريق القويم. ومن ثم يمتنع عن التدخل ولا يبعث الوسطاء مع أن العالم ما زال يعاني من فتنة كبرى هنا وحرب كبرى هناك! وكيف يخص بعنايته جماعة دون غيرها؟ فأين العدل في كل ذلك؟؟؟
فهو يتصرف بكل "حرية" وكأن الحرية هي الاعتباطية! يتصرف بشكل اعتباطي، "يضل من يشاء ويهدي من يشاء"، وهو على كل شيء قدير، يعني على الشيء ونقيضه. من "هو"؟ عمن نتحدث؟ عن الحاكم أم عن الإله، أم عن الحاكم الإلهي أو عن الإله الحاكم؟ فأيهما الصورة وأيهما الأصل؟ هذا التداخل ما بين الإلهي والإنساني عرفته المجتمعات البشرية كلها في مراحل وعيها الطفولي لذاتها وللعالم حيث الإلهي يتمتع بكل الصفات الإنسانية بما في ذلك تلك الأكثر لاإنسانية. أما اليوم، وقد انعتقت غالبية هذه المجتمعات من الفرضية الغيبية، فنكاد لا نرى هذا التداخل، ما بين الإلهي والإنساني في شخص الحاكم الفرد المطلق، إلاّ في هذه المنطقة التي شهدت وما زالت تشهد ولادة الصورة والمثال، الواحدة تلو الأخرى. و"الناس على أديان ملوكهم"، (لا حاجة لإضافة "ورؤسائهم" لأن هؤلاء الأخيرين ملكيون أكثر من الملوك). وقيل أيضاً: "كما تكونوا يولّ عليكم".
قال الإغريق قديماً: "الإنسان هو مقياس كل شيء".
ويقول هايدغر: "حقيقة الإنسان في انفتاحه على الحقيقة".
إن هو إلاّ الإنسان، الكائن الفرد، الذي رغم كونه محدوداً في الزمان والمكان إلاّ أنه هو الكائن الوحيد القادر على إدراك اللامحدود واللانهائي، وهو محل المطلق رغم محدوديته ونسبيته. وهل للمطلق من محل غير النسبي؟ وإلاّ صار النسبي مطلقاً آخر مستقلاّ عن المطلق الأول وهذا محال ويتنافى مع تعريف المطلق. الحقيقة تستوعب ذاتها ونقيضها، بينما الباطل لا يحيط حتى بذاته.
طالما أن إنساننا وشعبنا لم يكتشف حقيقة ذاته كمحل للحقيقة، كمصدر لكل حقيقة ولكل قيمة، فلن تقوم له قائمة. "إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلاَ".
هذه هي الخطوة الأولى الضرورية للتحرر من كل القيود التي تكبل الفرد بتصورات وهمية وتمنعه من أن يخطو خطوة واحدة دون الاستناد إلى قوة تقع خارج إرادته ووعيه. كما أنّ الخطوة الأولى التي لا بد منها للطفل حتى يمشي على قدميه هي في أن يستقل عن اليد االقوية التي كانت تأخذ بيده. ولكن قبل أن يخطو الطفل الخطوة الأولى لا مفر له من محاولات عديدة، ربما بضعة أشهر، حتى يتمكن من السيطرة على حركة قدميه والسير قدما. وهكذا يحقق الطفل درجة من درجات الحرية التي لم يكن منها لديه شيء البتة. فالأطفال لا تلدهم أمهاتهم أحرارا، إذ يولدون في منتهى الضعف والعجز عن الإتيان بأي حركة غير التنفس والهضم، وحتى التنفس قد يتوقف فجأة، وكأن الطفل نسي أن يتنفس ويقع الموت المفاجئ. أمّا إذا لم ينس الطفل التنفس وتوفرت له العناية اللازمة فيبدأ باكتساب حريته درجة درجة من المشي إلى الأكل والشرب، إلى تنظيم هذه الضرورات البيولوجية فيتحرر من وطأتها إذا ما تركت على سجيتها. وهكذا تتواصل مسيرة الإنسان، فردا وجماعة، في إنتاج الوعي والمعرفة بالعالم المحيط به وبظواهره على اختلافها واكتساب المزيد من الحرية بعد أن كان عبدا لجهله المطبق. ولكن عندما كان المجتمع منقسما إلى عبيد وأسياد عبيد كان المرء يولد عبدا في بيت العبد، أي من أبوين عبدين. أمّا إذا كان الأب والأم من طبقة الأحرار الأسياد فيولد الطفل حرا، أي منتميا بحكم الولادة إلى طبقة الأحرار الأسياد. وهذا لا يمنع تحول السيد إلى عبد أو إلى "مولى" (منزلة بين العبد والسيد الحر) كما قد يتحرر العبد إذا أعتقه صاحبه. في هذا السياق أطلق عمر بن الخطاب قولته الشهيرة : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟!"
هناك من يريد أن يحمّل هذا القول أكثر مما يحتمل وكأنه يؤسس للحرية كما نفهمها اليوم، في حين أنه لا يزيد عن كونه تكريسا للطبقية السائدة آنذاك. كما هو معروف عن عمر، الحريص على إنزال الناس (؟) منازلهم، موقفه من حجاب الأمة إذ كان كلما رأى أمة تضع حجابا يضربها بعصاه وكأنها ارتكبت جريمة! وهو كذلك فهذا قانون الحجاب في عهد عمر: الحجاب للحرة وليس للأمة!
إذن الخطوة الأولى هي في اكتشاف الذات لا كمركز للكون بل كمركز للعلاقة التي تربط ما بين الذات والعالم المحيط بها. والخطوة الثانية تتلخص في اكتشاف الذات عند الآخر، وبالتالي إقرار المساواة بين الذات والذات، أو الاعتراف بالآخر كمثيل للذات.
هذا هو المنعطف الحاسم الذي يطبع بطابعه العصور الحديثة والحداثة عموماً ويميزها عن مراحل الاستلاب على اختلاف أشكاله. عند هذا المنعطف، الأقرب إلى الثورة الكوبرنيكية، لا يكتشف الإنسان حقيقة ذاته كفرد فحسب، بل يكتشف حقيقة الآخر، مثيله في الإنسانية، من حيث هو ذات مماثلة له. فالوصول، بالوعي أولاً وفي الممارسة ثانيا"، إلى درجة الاعتراف بالآخر كمثيل للذات رغم الاختلاف، يشكل نقطة تحول جذري في مسيرة الوعي الفردي كما في مسيرة الوعي السياسي الاجتماعي للجماعة.
هذا التحول الذي حققته بعض المجتمعات لم يحصل بين ليلة وضحاها. بل استغرق قروناً من الزمن بكل ما رافقها من صراعات اجتماعية ومراكمة المعارف العلمية وتطبيقاتها التقنية، وكذلك الأمر في مجالات الفكر الفلسفي والاجتماعي بما في ذلك الفكر الديني، وبصورة خاصة في التنظيم السياسي للمجتمع.
إذا كانت الأنظمة القديمة قد تميزت بتركيز سلطة فردية مطلقة في شخص الفرد الحاكم ممثل الإله على الأرض ومنه تستمد الشرعية والسيادة. فمقابل ذلك تتميز الأنظمة الحديثة بفصل السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، واستقلاليتها بعضها عن بعض. هذا واحد من مبادئ النظام الحديث. ومن المبادئ الأساسية للحداثة السياسية مبدأ الاقتراع العام الذي يمارسه الشعب، وهو مصدر السيادة، لانتخاب ممثليه إلى الهيئات التشريعية والتنفيذية. وكنتيجة للانتخابات تتكون أكثرية وأقلية، حكومة ومعارضة (حكومة الظل في بريطانيا) على أساس البرامج السياسية وضمن احترام حقوق الأقلية التي تتحول بدورها إلى أكثرية والأكثرية إلى أقلية في الانتخابات التالية، حتى لا تكون هناك سلطة بدون سلطة مضادة. وأكثر من ذلك فقد برزت إلى حيز الوجود في المجتمعات الحديثة سلطة رابعة تتفاوت أهميتها من مجتمع إلى آخر، ألا وهي سلطة وسائل الإعلام، أو الرأي العام أو المجتمع المدني.هذا بدون شك اختصار سريع بل سريع جدا. فالموضوع يحتاج إلى فصول مفصلة عن:
الديموقراطية نظرية وتطبيقاً، تاريخاً وحاضراً، خصوصية وعالمية

لنبق الآن ضمن نطاق موضوعنا المحدود بحدود التداخل الخطير ما بين الديني والسياسي. قلنا إن الحاكم في الأنظمة القديمة يتماهى مع الإله. وعندما نقول قديمة هنا تشمل هذه الفئة كل الأنظمة العربية القائمة حالياً بدون استثناء. فالحاكم يعتبر أن الدولة هي شيئه الخاص، ملكه الخاص، وبالتالي كل شأن من شؤون الدولة مسألة شخصية. والعلاقة الشخصية هي التي تفرض الأشخاص القريبين والمقربين على هذا المنصب أو ذاك من المسؤولية. إذن الدولة، وإن كانت جمهورية أو "جماهيرية"، ليست res publica (شأن عام) بل شأن خاص. والحق يقال على لسان الشعب: "لكل دولة رجالها". وكلما تغير "صاحب الدولة" يتغير معه رجالها. وليس محك الكفاءة هو المعيار لاختيار "الرجل المناسب للمكان المناسب". بل المحك الأول والأخير والكفاءة المطلوبة كلها تتلخص في الولاء الشخصي لصاحب الدولة. بينما في الدولة الحديثة تحل محل الأشخاص والعلاقات الشخصية مفاهيم الكفاءة، القانون، المؤسسات (دولة القانون والمؤسسات) وتتوج هذه المفاهيم بمبدأ سيادة الشعب، مصدر كل السلطات، بواسطة الانتخاب الحر لممثليه ومحاسبتهم عند الضرورة. إذن لا بد من تحقيق ثورة كوبرنيكية في النظام السياسي أولاً وبالتالي على صعيد المجتمع ككل.
ماذا تعني الثورة الكوبرنيكية على صعيد النظام السياسي، أو الأنظمة السائدة في البلدان العربية؟
هذا يعني نزع صفة المطلق عن الحاكم والكف عن اعتباره المطلق الوحيد وكأن الآخرين بالكاد بشر، بل أضل من الأنعام. وهذا يعني أيضا الاعتراف بالقيمة المطلقة لكل شخص إنساني، لكل من قال: "أنا". وما هذه الأنا الفردية إلاّ من تلك الأنا المطلقة. وهذا يعني المساواة بين بني البشر في الدين والدنيا، أمام المطلق وأمام القانون. وهذا يعني الإقرار بسيادة الشعب المكوّن من مجموع المواطنين بكل ما يعنيه مفهوم المواطن المسؤول عن رأيه وكأنه رأي الإنسانية جمعاء، بعيداً عن أية وصاية أو رقابة غير رقابة ضميره الشخصي. الشعب في هذا المفهوم هو مجموع أفراده من نساء ورجال بالغي سن الرشد ويتمتعون بحقوقهم السياسية والمدنية على قدم المساواة.
وهذا يعني الإقرار بأن الشعب هو مصدر كل السلطات. وبالتالي إقرار مبدأ الانتخاب العام لكل الهيئات وعلى كل المستويات، التشريعية والتنفيذية وغيرها. على أساس هذه الهيئات المنتخبة تقوم دولة القانون والمؤسسات. ودولة القانون تعني، من جملة ما تعني، أن أي تغيير في المؤسسات يتم عبر تغيير القانون بطريقة قانونية.
إنّ أي تغيير في النظام السياسي الاجتماعي في بلداننا العربية، ليس له أي مبرر إذا لم يكن يهدف إلى تكريس الاحترام المطلق لشخص الإنسان. والغاية المعلنة، احترام الإنسان، إذا لم تكن حاضرة منذ الخطوة الأولى وفي كل خطوة، فيكون من المستحيل بلوغها.. فقد ولّى الزمن الذي ساد فيه شعار "الغاية تبرر الوسيلة" وسقط هذا الشعار وأية سقطة. والأصح القول: "إن الغاية تكمن في الوسيلة". والوسيلة المعتمدة لا تؤدي إلاّ إلى تكريس ذاتها وإلى الانفصال التام عن الغاية المعلنة إذا كانت هذه الأخيرة مغايرة لها من حيث الجوهر.
الإنسان هو الغاية والوسيلة في آن معاً.
والرسالات "السماوية" منها والأرضية، كلها تعترف بأنها جاءت من أجل الإنسان، لإسعاده في هذه الحياة الدنيا وفي ما وراءها. إذن إنها رسالات إنسانية في الأصل. فهي تبدأ كدعوة أخلاقية إلى الخير ونبذ الشر، تدافع عن المستضعفين والفقراء المظلومين. ولكن بمجرد أن تصبح الدعوة عقيدة رسمية لسلطة سياسية معينة تتحول إلى أداة سيطرة وقمع ضد الآخر المختلف. ينطبق هذا القول على العقائدية الدينية والعقائدية الدنيوية على حد سواء. هذا ما تؤكده التجربة التاريخية لكل الشعوب، بما في ذلك الأكثر تقدماً، وحتى الأمس القريب، وبصورة خاصة تجارب القرن العشرين. أمّا شعوب منطقتنا فما زالت ترزح تحت وطأة العقائدية على اختلاف أشكالها ومشاربها. أكانت هذه العقائدية مستوية على سدّة الحكم أو لم تكن. ولا شك أن العقائدية الدينية هي السائدة، وللأسف في صورتها الحزبية الطائفية الأكثر تعصباً، في عدم اعترافها بالآخر، إلى درجة إلغائه كلياً، أو إباحة دمه لمجرد اختلافه مع العقيدة الرسمية في الرأي. إذا كانت بعض الفترات التاريخية قد عرفت نوعاً من التسامح في ظل حاكم مستنير فقد كان هذا التسامح مشوباً بشوائب عديدة من الإهانة والإذلال وتدابير أخرى لا نجد لها في قاموسنا اليوم تسمية أقل من "قوانين الفصل العنصري".ولكن في عصرنا هذا، عصر حقوق الإنسان، لم يبق لمفهوم "التسامح" أو "الذمة" أي اعتبار ولا أية قيمة إيجابية، بل على العكس من ذلك إن استخدام مثل هذه المفاهيم يعني الرجوع إلى الوراء عدة قرون من الزمن. فالحق في المساواة أمام القانون يأتي في المرتبة الأولى، في البند الأول من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
عندما نقرأ هنا وهناك أو نسمع هذا وذاك يقول: "من لا يعجبه فليرحل". نقول لهؤلاء إن النماذج التي تبحثون عنها في الأوراق القديمة قد قامت بدورها التاريخي كاملا وانتهت بالسقوط. أولها، "الدولة الدينية"، أو "دولة المدينة" إذا أمكنت التسمية، فقد سقط في فتنة كبرى وقامت على أنقاضه دولة دنيوية تستخدم الدين كعقيدة رسمية لتبرير أفعالها. وكذلك سقط آخرها، ألا وهو النموذج الفيدرالي (الدولة العثمانية)، في حرب كبرى (الحرب العالمية الأولى) بعد أن أنهكته الأمراض المزمنة المستعصية التي جعلت من أسباب قوته سابقا أسباب هلاكه لاحقا بالمقارنة مع التجارب الحديثة في التنظيم السياسي للمجتمع. أما عن محاولات تقليد هذه النماذج الجارية في أيامنا هذه فهي كناية عن خليط هجين بين عناصر وهيكليات حديثة من جهة، ومضامين قديمة من جهة أخرى، خليط لا يصمد أمام هبات رياح الحداثة إلاّ بقوة الحديد والنار ولكن لحين مهما طال به الزمن.
ولا نقول لكم ارحلوا، بل نقول، كما قال ابن سينا في حينه وفي سياق آخر، إن "درب الحق يتسع برواده"، ونضيف إن الحق يضيء نفسه كما يضيء نقيضه، بينما الباطل يضيق بنفسه ولا يضيء حتى ذاته. وبكلام آخر إن التعايش السلمي، بمعنى السلام المدني، مع الآخر ممكن وإن كان هذا الآخر يحمل أفكاراً على النقيض تماماً من أفكاري، ولكن على صعيد الفكرة، بيني وبينه حرب ضروس لا هوادة فيها ولا مهادنة. [/
COLOR]
06-29-2005, 11:25 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
وخلقه على صورته ومثاله! فأيّهما الصورة وأيّهما الأصل؟ - بواسطة فرج - 06-29-2005, 11:25 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  ماذا تعني لكم تلك الصورة ؟؟ نسمه عطرة 6 1,721 01-11-2009, 09:24 PM
آخر رد: نسمه عطرة
  أزمة في الصورة كما في المضمون آمون 15 3,167 04-15-2008, 07:56 PM
آخر رد: doa
  الصورة والسيرة الشعبية للنبي كما رسمها المصريون مالك الحزين 16 10,929 04-04-2008, 06:26 PM
آخر رد: نزار عثمان
  جميل الصورة , حسن الأخلاق , شريف النسب , كيف لا تحبه خديجة arfan 1 653 07-25-2007, 10:06 PM
آخر رد: arfan
  اليكم الصورة الصادقة من الارهاب الأمريكي بابادة دول بكاملها .. نسمه عطرة 11 2,110 09-24-2006, 05:25 PM
آخر رد: قطقط

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS