من أكبر البدع في التاريخ بدعة أختراع وظيفة رجل الدين وتنصيب نفسه وصياً على عقول الناس والتدخل في كافة تفاصيل حياتهم لدرجة أصبح ألهاً على الارض، بل أكثر من هذا تعدى على أختصاصات الله تعالى وصار رجل الدين هو أله الارض والسماء بيده الحياة والموت.


ترتكز التجربة الروحية الدينية على قاعدة وحيدة لايمكن تجاوزها هي الايمان بالعقيدة الالهية وفق نية شخصية فردية حرة من دون تدخل طرف ثالث بين الخالق والمخلوق.. بينما نجد أن وظيفة رجل الدين تسعى الى ضرب مبدأ الاختيار الحر وشرط توفر النية الشخصية وتحاول قولبة المؤمنيين وفق قالب أيديلوجي خارجي بعيد عن مكابدات الروح وتأملات العقل والاكتشاف الذاتي لفلسفة الدين وتوابعها.


من منظور الصحة العقلية لايمكن تفسير مبادرة شخص ما الى أرتداء الزي الديني وفرض نفسه على المجتمع وطرح نفسه بوصفه منقذ البشرية من الجحيم والضلال والهادي الى طريق الجنة والحق والاستقامة وانه الوحيد المحتكر للايمان والمعرفة، مستخدماً شتى أساليب الدجل واللعب على غرائز الخوف والرجاء لابناء المجتمع.. لايمكن تفسير هذا السلوك ألا بأعتباره مرضاً عقلياً يدعى (( ذهان العظمة )) الذي يتصف المريض المصاب به بفقدان البصيرة والقدرة على نقد الذات ومعرفة أغلاطها وأنحرافاتها وأمراضها، والاندماج مع المرض.


من جملة أعراض مرض (( ذهان العظمة )) توهم المريض أنه مبعوث العناية الالهية لتخليص البشرية من الضلال والخطيئة وقيادتهم صوب النجاة، وتأخذ هذه الاوهام طابع اليقينيات الدوغماتية الغير قابلة للنقاش والخطأ، ويعد كل من يحاول التمرد على سلطة رجل الدين شخصاً مارقاً كافراً بالعقيدة، ولايحق له ممارسة حقه الانساني في التفكير والتحليل ومساءلة الدين من أجل الوصول الى مرتبة المعرفة والحب لله تعالى.


كل رجل دين هو سلطة قمعية للمجتمع بمقدار ما يمتلك من القوة، فالدوافع النفسية التي دفعته للقيام بهذه الوظيفة هي أوهام العظمة والتفرد التي تمنحه حافز الهيمنة على الناس، فالبشر حسب وجهة نظره : أما متمرد على سلطته فهو خاطيء هالك، وأما تابع ذليل لسلطته ظافر بالنجاة، ولاوجود للانسان الحر المستقل أذ أن من أخطر أعداء رجل الدين الانسان المستقل الذي يشكل تهديداً لسلطانه وهيمنته على المجتمع.



elaph.com