{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
وقت للنمر ( قصة قصيرة )
coco غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,795
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #1
وقت للنمر ( قصة قصيرة )

وقت للنمر

لم يكن الوقت للنمر .. ذلك أن قفص النمر لا توجد أمامه شجرة واحدة أو ظلة صغيرة يمكن أن تستر من وهج الشمس في هذا الوقت .. كان ظهري للقفص في هذه اللحظة أتأمل تلك الكائنات الأليفة الصغيرة تسكن في خمول .. شئ ما حركني لكي أنظر تجاه قفص النمر .. رأيت في بساطة ورعب معا رجلا يقف داخل قفص النمر ..وحيدا في مواجهته .. عيناه تحدقان في النمر ولا تريمان .. تغير الهواء المحيط الي القيظ الثقيل و جف حلقي وتملحت عيناي وأحسست أن الكون يوشك علي الانقباض ورأيت النمر في قفزة واحدة معتمدا علي قائمتيه الخلفيتين يصير في طول الرجل ويخفيه عن ناظري ثم يتهاوى به ورقبته بين فكيه .. توقف كل شئ للحظات وظل النمر جاثما فوق الرجل في سكون الظهيرة الذي أخمد الحديقة فأسلمها للهمود والرجل لا يحرك أي جزء من جسده الراقد تحت النمر وعيناي لا تستطيعان مفارقة القفص وصوتي لا يقوي علي الخروج ولا نسمة واحدة تستطيع الحركة في الفراغ

********************

حدثني حارس الكنجارو قال: إنه رجل مجنون .. كثيرا ما كنت أراه .. لا يفارق مجلسه أمام قفص النمر كنت في ساعات قلة الزائرين للكنجارو وانعدام الرزق آتي وأجلس بجواره علي المقعد المواجه لقفص النمر وأحاول أن أبادله الحديث إلا أنه كان صموتا يحدق في النمر فقط ..وفي مرة من المرات سمعته يغمغم وكأنه يحدث نفسه : لماذا لا ينظر النمر إلي أحد ؟ فلما استدرت بوجهي إليه قال : إن النمر لا يوجه عينيه الي أحد هل تعرف لماذا ؟ إن العينين تبوحان بالروح وهذا الحيوان لـه روح لا يريد أن يبوح بها لأحد .. يريد أن يحسبه الجميع ميتا .. ثم قام واتجه الي القفص وأخذ يلوح بيديه ويصفق محاولا أن يلفت انتباه النمر ولكن النمر كعادته كان في عالم آخر غير عالم الحديقة


****************** **

وحدثني حارس الوعول قال : نعم كنت أراه كثيرا .. يبدو أنه رجل بلا عمل ثابت إلا أنه كان يلوح عليه رغد العيش من هندامه الغالي الأنيق .. تصرفاته الغريبة كانت تثير دهشتي .. رأيته مرة يقيس المسافة بين قفص النمر وبين باحة الوعول أخذ يعد الخطوات بينهما ثم سألني عن اتجاه الريح المعتاد ولما حددته لـه غمغم في حزن : ياله من حيوان مسكين ! .. انه يشتم رائحتها طوال الوقت ولكنها رائحة لا تأتيه صافية ربما كانت مختلطة بالروائح المنبعثة من الكافتيريا وأصباغ النساء .. ما أشد حيرته .. كنت أرنو اليه واجما وأحاول أن أفهم كلماته .. ولكنه ربت علي كتفي ومضي في استغراقه الطويل في النمر

********************

وحدثني حارس الببغاوات قال : لم أره إلا مرات قليلة ولكنني أتذكر أنه لفت انتباهي عندما دخل من باب الحديقة المواجه لقفص الببغاوات وكان يصطحب امرأة كنت قد رأيتها معه في مرة سابقة .. أنيقة الهندام .. متحفظة السمت .. تنظر إلى الأمام دائما ..في برودهما يمضيان بين أقفاص الحديقة كنت ألاحظه عندما يمد يده من خلف لكي يتحسس خصرها ولكنها كانت تنحي ذراعه في برود ثم تنظر اليه في تأنيب ثم تلفت رقبتها وتمضي في خطي متثاقلة وهو يمضي وراءها ناظرا الي الأرض
في هذا اليوم رأيت منهما ما لم أره أبدا.. عندما جلسا أمام قفص النمر هناك حاول أن يحيطها بذراعه إلا أنها لم تكن مهتمة به أخذ يشير لها الي النمر وهي تحاول أن تجعله علي مبعدة منها كانت تتملص من يده وذراعه التي تلتف حول خصرها وهولا يبالي ويشيرالي النمر بيده الطليقة.. استغرقني المشهد عندما قام من مكانه واتجه الي القفص وأخذ يشير بإصبعه إلي أعضاء النمر وكأنه يشرح لها أفكارا ما.. لعدة دقائق ظلت علي برودها وفجأة قامت واتجهت إلى القفص وجثت حيث كان يجثو أمام القفص وظلت تنظر إلى النمر طويلا والرجل يتحدث في سرعة وعيناها تبدأن في الاتساع واللمعان ثم تواجها برأسيهما ووجهاهما يتقلصان معا وشفتاهما السفليتان تتهدلان والزبد ينزل من فمه فتتجه إليه برأسها كالمنومة وكنت أستطيع من مكاني أن أري ارتعاش أيديهما وهي تتشابك في تصلب ثم يقفان في آلية غريبة ويتجهان في خطي متعثرة وقد فارق المرأة وقارها الأول وفارقه حياؤه إلى باب الحديقة وظللت أرقبهما يمضيان في المنتزه البعيد هناك حتى الآجام التي في نهايته ويختفيان فيها

******************

وحدثني حارس الأسود البعيد عن قفص النمر .. لقد جاءني مرة وسألني : كيف يمكن أن تأكل هذه الحيوانات المتوحشة دون أن يصيبكم أذي معشر الحراس ؟ فلما أفهمته آلية عمل الأقفاص والطرق الداخلية فيها قال لي وكأنه في غيبوبة :هل تخيلت يوما هذا النمر القابع هناك وقد نسي الحارس هذه الآلية اللعينة التي تتحدث عنها وترك لـه الباب مفتوحا ؟ قلت لـه: مستحيل .. قال في برود : أنا أقول تخيل ذلك فماذا يكون المصير ؟ قلت لـه : بلا تردد سوف يكون مصير النمر طلقة واحدة في الرأس .. قال في ذعر :هل تقتلونه فوراً ؟ ألا يمكن إيقافه بطريقة أخري مثل حقنة مخدرة أو حبال في نهاياتها أنشوطات أو ربما بالضرب بالسياط لقد رأيت ذلك في كثير من الأفلام .. قلت لـه: إن الأمر لا يستدعي مثل هذا الانتظار فالحديقة ممتلئة بالبشر .. أطفال ونساء .. وحيوانات صغيرة .. حدق بنظرة ثابتة تجاه النمر وقال : ولكنني رأيته يمضي في تؤدة لا يخاف بنادق الحراس .. والناس لا تأبه لمروره بينهم.. النساء النائمات في دروب الحديقة يرمقنه في تفحص حين يصل إليهن ويتشمم منهن السيقان العارية والصدور المرتفعة ويتركهن ويمضي إلى الأطفال ويلعق بلسانه الخشن وجوههم الصغيرة الممتلئة ثم يتركهم ويمضي إلى الرجال ويستلقي بجوارهم .. قلت لـه: هذا هو الجنون بعينه .. قال كالحالم : ورأيته مرة أخري يطارد الجميع في الحديقة ولكنه لا يؤذي أحدا .. من يدركه يوقفه ويفتح فكيه عن آخرهما ويريه أنيابه الطويلة ثم يتركه فيجري مختبأ حتى يصل إلى الحراس أولئك الذين يسددون البنادق في اتجاهه وبقفزة واحدة يطير إلى أعلي فتطيش عشرات الرصاصات ولا تصل إليه فينزل وسط الحراس المشدوهين فيتفرق صفهم ويتناثرون وفجأة يعود أولئك الرجال الذين كانوا قد اختبأوا من أنيابه وينقضون علي الحراس الذين يحاولون التصويب عليه مرة أخري ويلتحمون معهم في صراع شديد لأنهم يحسون أن النمر في خطر

********************

وفي يوم شتائي والحديقة خالية حدثني حارس الدببة قال : لقد حدثني مرة كثيرا عن مشية النمر في الأسر وكيف أنها عود علي بدء بطول القفص فلما رنوت بوجهي إليه أنتظر تفسيرا منه قال: لماذا يظل يمشي جوار جانب واحد ولا يتردد علي جوانب القفص الأخرى ؟.. زادت حيرتي ورأيته يضع يديه علي خديه ويقول : لماذا يصر أن يحتك جسده الكبير بحديد القفص البارد ؟.. ثم رنا بعينيه بعيدا وقال : لماذا لا يلتف بجسده كله حين يرتد بل يميل ببساطة ويعاود المسير في الاتجاه الآخر ؟.. لماذا لا يتوقف عن مسيره ولو للحظات ثم يعاود سيره .. لماذا هذه الآلية اللعينة في مشيته؟ لماذا يتجه ببصره إلى تلك الأسود التي لا يمكن أن يراها من موقع قفصه ؟ .. لماذا لا يتوقف عن هذه المشية اللعينة ويهبط راقدا ؟.. لماذا لا يتخلي عن هذا السير المجهد لعدة دقائق ويحدق بعينيه الكبيرتين في وجه من يحدق فيه ؟.. لماذا لا يهبط بمخالبه الثقيلة علي هذا الحديد الذي يغلف تلك المساحة الباردة التي يقطع جانبا واحدا منها ؟ لماذا لا يتوقف؟.. يتوقف فقط وينظر اليّ.

*******************

وفي يوم مشمس جميل قال لي حارس البجع والبط : هل تري هذه الساحة الصغيرة .. كثيرا ما يفترشها الناس كما تري ويلعب فيها الأطفال الكرة .. في يوم كهذا اليوم الجميل جلس رجل وزوجته هناك وطفق ابنهما الطفل يلعب الكرة كان هنا في تلك الساعة شاب شديد البأس يخشاه حتى رجال أمن الحديقة يلازمه خنجر حاد يضعه في خصره ولديه بضع نسوة ساقطات يحتمين به حاولن عدة مرات أن يتوددن لرجل النمر دون جدوي .. كان يدخن في كسل مستلقيا .. ارتطمت به الكرة إثر ركلة من قدم الطفل فأطارت لفافته.. قام في برود وأخذ الكرة وألقي بها إلى القرود قام والد الطفل وأنبه علي ذلك فما كان منه إلا أن صفعه صفعة شديدة ثم أخرج خنجره .. لم ينبس الرجل بكلمة واتجه إلى طفله الباكي واقتاده إلى حيث تجلس زوجته المشدوهة وجلس بجوارهما ورأسه إلى الأرض.. كان رجل النمر في جلسته المعتادة هناك أمام قفص النمر يري كل ما حدث .. قام من مجلسه واتجه إليه .. لم تكن تبدو عليه آثار القوة ولم يُعهد عنه الشجار .. أمسك بالشاب من يده التي تحمل الخنجر وعبثا كان يحاول التخلص منه بدفعه أو ضربه بيده الطليقة دون جدوي وهو يسحبه إلى قفص النمر .. عندما وصل إليه أداره في بساطة مذهلة كما لو كان طفلا في يديه وجعل وجهه لصق حديد القفص وهو يمسكه من كتفيه من الخلف بكلتا يديه فلا يستطيع الحركة .. كل الحديقة تتابع المشهد .. نظر إلى النمر نظرة ثابتة فقام النمر من مكانه في آخر القفص متجها إليه وعندما وصل تواجه وجهه ووجه الشاب الملتصق بحديد القفص حدق فيه النمر لعدة ثوان بعينيه الكبيرتين وعندئذ تركه الرجل فسقط مغشيا عليه ومن يومها لم يدخل الحديقة أبدا

******************

قال حارس الفيلة : عرفت من الحراس الآخرين إنك مهتم بذلك الرجل الذي دخل قفص النمر .. ولكن ألم تتساءل كيف دخل الرجل قفص النمر قلت لـه في برود : لم يتوصل أحد بعد لكيفية دخول الرجل لقفص النمر.. حدق إلى الأرض طويلا في حيرة وقال: أرجو ألا تعتبرني مجنونا ..وبدا علي وجهه وكأنه يستجديني ألا يراودني الشك فيه..ثم أردف في بطء : لقد ترددت كثيرا ولكني أحس أن صدري يختنق .. إن ما رأيته عجيبا.. لقد كنت غافيا علي هذا الكرسي القريب من كل ما حدث .. بين اليقظة والمنام رأيت الرجل يقترب من حديد القفص في هدوء وفي نفس اللحظة يقوم النمر من مكمنه بآخر القفص ويتجه هو الآخر إلى حديد القفص ..تواجه الوجهان وكأنهما ملتصقان .. وخيل إلى وكأنهما يتبادلان حديثا خفيا ثم وفي هدوء غريب تراجعا إلى الوراء قليلا وفي سرعة رهيبة قفز الرجل إلى القفص حد أنني لم أتمكن من رؤية كيف لان لـه حديد القفص القاسي وجعله يمر منه كالدخان ..عندما صار داخله ارتفع النمر معتمدا علي قائمتيه الخلفيتين وأخذ يلعق ووجهه بلسانه ثم نزل عنه وأخذ يتمسح بجسده الكبير في ساقيه .. مد الرجل يده وأخذ يربت علي ظهر النمر ثم أمسك برقبته وقفزا معا خارج القفص بنفس الكيفية التي دخل بها الرجل لم أعط انتباها لما يحدث هناك داخل القفص كما يتحدث عنه الآخرون لأنه كان خاليا .. كان همي منصرفا إلى متابعة الرجل والنمر يمشيان معا في الحديقة ولا أحد يراهما حتى وصلا بابها و خرجا منه ..انهار الحارس إلى الأرض في بطء ووضع راحتيه علي رأسه وهو يغمغم في جنون : أعرف .. أنك لا تصدق ما أقول .


كوكو



07-14-2005, 02:07 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة coco - 07-14-2005, 02:07 AM
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة Awarfie - 09-23-2008, 01:20 PM,
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة coco - 09-23-2008, 09:04 PM,
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة فخري الليبي - 09-26-2008, 11:31 PM,
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة Albert Camus - 09-27-2008, 12:11 AM,
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة فخري الليبي - 09-29-2008, 02:13 AM,
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة coco - 09-29-2008, 03:56 AM,
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة coco - 09-29-2008, 03:59 AM,
وقت للنمر ( قصة قصيرة ) - بواسطة فخري الليبي - 09-30-2008, 02:54 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  النفق (قصة قصيرة) رائد قاسم 0 608 12-24-2013, 03:49 PM
آخر رد: رائد قاسم
  اشباح النهار ( قصة قصيرة) رائد قاسم 0 610 12-11-2013, 11:23 AM
آخر رد: رائد قاسم
  شقشقه ( قصة قصيرة) رائد قاسم 0 587 11-14-2013, 11:34 PM
آخر رد: رائد قاسم
  الرؤيا (قصة قصيرة) رائد قاسم 0 671 03-28-2013, 02:48 PM
آخر رد: رائد قاسم
  قصاص قصة قصيرة حمادي بلخشين 0 922 12-02-2012, 01:42 PM
آخر رد: حمادي بلخشين

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS