معضلة الحديث عن الإرهاب في زمن انقلاب الموازين هي أنك تجد نفسك محشورا غصبا في إحدى زاويتين كقطة مذعورة لتصبح أمام خيارين لا مفر من اتخاذ أحدهما : إما مع أو ضد .. لا مبررات ، لا شروحات .. هكذا وببساطة : إما مع أو ضد .

بادئا ذي بدء ، لا يستطيع أي منصف أن ينظر للارهاب نظرة مجتزأة مبتسرة ويقيسها حسب لون الدم النازف عن الإرهاب ، هنا لا خيار .. فالدم الأحمر أحمر أكان عربيا أم غير ذلك ، ولا يوجد فروقات في لون الدم ورائحته إلا تلك الفروقات " البيولوجية " في زمرته .
بالتالي ، هل نحن ندين الإرهاب ؟!
بكل تأكيد .. ولا يوجد أي مبرر للتهرب من إدانته ، بل يصبح سقف الإلتزام الأخلاقي أعلى عندما يكون هذا الإرهاب عربيا أو إسلاميا .
إلا أن مجرد إدانة الإرهاب في معرض إبداء المواقف ليس حلا للمشكلة خاصة أننا عرب ومسلمون أدنا الإرهاب أم شجعناه ، تلك ليست قضيتنا بقدر ما يهمنا - كعرب ومسلمين - أن نبحث في (( مسببات )) الإرهاب قبل أن نحكم على أنفسنا ، لا أن ندع ذلك للآخرين .
بغض النظر عن علاقة بن لادن بغزوة منهاتن وأبنائه سفاحا بغزوة لندن ، وبغض النظر عن الكثير من الأقاويل التي " فندت " حتى ادعاءات بن لادن ذاته ، إلا أن الإعتراف سيد الأدلة ، ويكفي تبنيه لهكذا عمل أخرق أن يزيل أي شبهة عن أداور محتملة لجهات تسعى لتوريط الشرق مع الغرب في مواجهة بمقتضى " صراع الحضارات " لا حوارها وتواصلها كما تفترض نظرية صامويل هانتنغتون كحتمية تاريخية لا مفر منها حيث يرى أن " الصراع القادم سيأتي حتما من العالم الإسلامي " الأمر الذي يضع هذه الحضارة كعدو (( حتمي )) طوعا منه أو كرها في وجه الحضارة الغربية بعد سقوط الشيوعية .

بالتالي فإن الحديث عن (( إرهاب إسلامي )) قطعا ليس إلا تسويق ذرائعي للمواجهة لا يبرره ولا يسوغ له ما يمكن أن نسميه جماعات الإسلام المتطرف التي صنعته أمريكا ورعته كسلاح ديني لا يخطئ هدفه في حربها مغ السوفييت .

بواقعية شديدة .. فإن تهمة الإرهاب الإسلامي ليست وليدة الأحداث ، فصورة المسلم - والعربي أيضا - في الغرب هي صورة نمطية stereo type سوق لها الإعلام والسينما عبر عقود طويلة ربما .. أقول ربما على قاعدة الصراع العربي الإسرائيلي .

تلك صورة لا أعتقد أننا كعرب ومسلمين بغض النظر عن اتجاهاتنا الفكرية ملزمون أن ننساق خلفها لأجل حفنة إرهابيين لا يمثلون العرب ولا المسلمين ولا يعبرون حقيقة عن أهدافهم في صراعهم مع إسرائيل ولا الغرب بالمعية .. ولسنا ملزمين بأن نقدم أنفسنا كقرابين على مذبح الغرب فقط لكي ننفي عن أنفسنا تهمة هي ملتصقة بنا مهما قدمنا من تنازلات .

بتقديري ، فإن الغرب واعِ تماما للفروقات الجوهرية بين الإسلام كدين وبين متبعيه وبين الحركات التي ظهرت عرضا وعفوا وفي غيبة تامة للقرار العربي الذي ما كان أكثر من تابع و ممول إجباري لهذه الحركات في السبعينات والثمانينات لضرب المد الشيوعي ، تلك خطئية وحده الغرب يتحملها وليس علينا تحمل تبعاتها ، وكما يقول ناعوم تشومسكي " إن من ربى القط صغيرا ، عليه أن يحتمل مخالبه كبيرا " في معرض حديثه عن الحركات الإسلامية المتطرفة .. التي صنعتها أمريكا ، وأمريكا بالذات .

بالأمس وقف الجنود البريطانيون في البصرة دقيقة صمت على أرواح قتلى غزوة لندن ..
رائع ، كدت أقف معهم لولا أنني تذكرت أن مليون ونصف عراقي قتلهم إرهاب (( دولة )) خلال سنوات الحصار ، وأن مائة ألف آخرون قتلهم ذات الجندي الذي يبكي قتلاه ، وأن آلة القتل العشوائي التي صنعتها المرحلة لا تزال تحصد الأخضر واليابس في شعب كل ذنبه أنه كان يوما عبدا تحت بسطار طاغية متجبر ..
حينها ..
لا أدري ، قد أكون إرهابيا ..
إلا أنني سأقول بالفم المليان : ناب كلب بظهر خنزير
وإن من فتح الأبواب يغلقها
وإن من أشعل النيران يطفيها

تلك حرب ليست لنا ولسنا طرفا فيها .. ولم يكن خروتشوف إرهابيا عندما قال " قتل رجل واحد جريمة ، وقتل شعب كامل إحصائية " ..

تحياتي