لماذا العراق دون غيره؟

هناك سؤال يحير الكثير من الناس، وهذا السؤال يدور حول سر العدد الكبير للعمليات الانتحارية التي يشهدها العراق، فمنذ بدأ نموذج هذه العمليات في العراق بعد سقوط النظام وقع ما يقرب من 600 عملية منها هذا عدا عن العمليات التي تحبط قبل أن يتمكن الانتحاري من تنفيذ عمليته, من ضمن هذا العدد الكبير من تلك العمليات هناك 200 عملية فقط استهدفت القوات الأميركية بينما استهدفت بقية العمليات إما الحرس الوطني العراقي أو قوات الشرطة والمتطوعين وإما مدنيين عزل، بل إن هذه العمليات لم تستثن حتى الأطفال كما حدث في الأسبوع الماضي عندما قتل 33 طفلا دفعة واحدة، وفي مرات عديدة كان الهدف الواضح لبعض هذه العمليات هو دور العبادة.
قد يرد المؤيدون لهذه العمليات على السؤال المطروح بالقول إن العراق بلد مسلم أحتل من قبل قوات غازية، ولذا فإن من واجب المسلمين الدفاع عن بلاد المسلمين وحرماتهم، وفضلا عن أنه واجب اسلامي فإنه حق طبيعي مارسته كل الشعوب التي احتلت بلادها، ولذا فإن من حق «المقاومين» ان يختاروا الطريقة التي يرونها اجدى لتحرير العراق وطرد المحتلين منه, بالمعنى العام يبدو هذا الكلام صحيحا، لكن عندما نقارن وضعية العراق كبلد مسلم محتل مع أفغانستان وهو أيضا بلد مسلم محتل، نجد أن الفارق كبير وشاسع في تعاطي «المجاهدين» مع الحالتين, فمع أن المحتل لكلا البلدين جهة واحدة، وهي الولايات المتحدة، ومع أن افغانستان قد احتلت من قبل أميركيا قبل العراق بسنتين فإن عدد العمليات الانتحارية التي وقعت في افغانستان لا تزيد عن 12 عملية، بمعنى ان نسبة ما يقع في افغانستان من «جهاد» بالمقارنة «بالجهاد» في العراق هي 1 الى 50 وهي نسبة تنطوي على مفارقة عجيبة.
المفارقة الثانية ان أفغانستان كانت قاعدة للتيار الفكري الذي يتبنى العمليات الانتحارية في العراق، وهذا يفرض السؤال نفسه، أليس الأولى أن يكون التركيز على أفغانستان باعتبارها حاضنة لهذا الفكر وكذلك لقربها المكاني من العمق الاستراتيجي لهذا الفكر في باكستان، وسهولة الانتقال الى افغانستان لمن يريد أن يأتي من خارجها لمقاتلة «الكفار» ونيل «الشهادة», إذن لماذا هذا الاصرار على طلب «الشهادة» في العراق، هل الشهادة في العراق أعظم ثوابا أو أكثر أجراً من الشهادة في افغانستان؟ هذا إذا أغفلنا فلسطين التي لا يبدو أن «المجاهدين» يعتبرونها تستحق الجهاد, لابد أن في العراق خصوصية تجعل «المجاهدين» و«طلاب الجنة» يتهافتون عليه بلهفة وشوق أكثر من بقية بلاد المسلمين المحتلة.
«المعايير المزدوجة» في التعاطي مع العراق وغيره لا تقتصر على «المجاهدين»، بل تنسحب على غالبية علماء الدين وعلى مؤسسات الإعلام العربي، الذين شقوا الجيوب ولطموا الخدود وذرفوا الدموع على تجويع اطفال العراق في السابق وعلى ما حدث في الفلوجة بينما هم يصمتون صمت الأموات على الجرائم الرهيبة التي ترتكب هذه الأيام, رحم الله الشاعر حيث يقول: «إذا اشتبكت دموع في خدود
تبين من بكى ممن تباكى»

المحامي خالد الشطي

كاتب كويتي