{myadvertisements[zone_1]}
الواقع القرآنى ينفى المعجزة عن محمد
ضيف
Unregistered

 
مشاركة: #1
الواقع القرآنى ينفى المعجزة عن محمد
[SIZE=5]الواقع القرآنى ينفى المعجزة عن محمد

و انه لبحث طريف ان نستقرىء تبك الشهادة الصريحة القاطعة ، لنستطلع بالتفصيل موقف القرآن السلبى ، و اقرار نبيه بعجزه عن كل معجزة .

نتبع فى ذلك ترتيب النزول التاريخى الذى يعتمده أثمة المسلمين

إن الآية الاولى التى تلاها نبى القرآن كانت أمر الوحى له : " إقرا باسم ربك الذى خلق ، خلق الانسان من علق ! إقرا و ربك الأكرم الذى علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم " ( العلق 1 – 5 ) . تلك الايات التى تكرر الأمر بالقراءة و التعلم بالقلم تقضى منذ مطلع الدعوة على القول بأمية محمد التى يجعلونها أساس اعتبار الاعجاز القرآنى معجزة .

فى السورة الثانية ( القلم ) يسمون دعوته " أساطير الاولين " فلا يرد التحدى ، بل يستعلى عليهم : " أم لكم كتاب فيه تدرسون ! ... أم عندهم الغيب فهم يكتبون ! " ( 37 و 47 ) . إن الاشارة واضحة: محمد أفضل منهم لأن عنده كتابا فيه يدرس، و عنده غيبا منه يكتب، فليس التعليم الذي يبلغهم إياه« أساطير»، بل تنزيل الله في الكتاب من قبله. إنه منذ البدء يشير إلى مصادره الكتابية، و يثبت لهم حقيقة ثقافته الكتابية بالدرس و الكتابة .

فى السورة الثالثة ( المزمل ) يدعى محمد إلى قيام الليل للصلاة و ترتيل القرآن : " و رتل القرآن ترتيلا " لاحظ تعبير " القرآن " على الاطلاق ، فهو قائم يتلونه كل يوم فى قيام الليل ، كعادة الرهبان النصارى وحدهم . و لم ينزل من قرآن محمد سوى عشر آيات ، فاتحة سورتى العلق و القلم ، لا تكفى للتلاوة فى قيام الليل : فما هو هذا " القرآن " الذى يدعى لترتيله ؟ نرى الجواب فى قوله : " و أمرت أن أكون من المسلمين ، و أن أتلو القرآن " ( النمل 91 – 92 ) إن " المسلمين " موجودون قبل محمد ، و هو يؤمر بالانضمام إليهم و تلاوة " القرآن " معهم أى قرآن الكتاب .

فى السورة الرابعة ( المدثر ) يصف وقع الدعوة عليهم : " هذا سحر " ، لكن فى نظر قائلها _ الوليد بن المغيرة المخزومى _ " إن هذا إلا سحر يؤثر ! إن هذا إلا قول البشر ! " ( 24 – 25 ) . تعبير آخر لقولهم " أساطير الأولين " . فهو يدعوهم بدعوة الكتاب ، لذلك يطالبونه بإبراز الكتاب الذى فيه يدرس ، و الغيب الذى منه يكتب : " بل يريد كل امرىء أن يؤتى صحفا منشرة " ( 52 ) . فلا يبرزها ، فيعرضون " كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة " – أى أسد ( 50 – 51 ) .

فى السورة الخامسة ( الفاتحة ) يطلب لنفسه و لجماعته الهداية إلى الصراط المستقيم . و هذا الصراط المستقيم هو ما يتلوه عليهم من قرآن الكتاب ( المزمل 4 مع النمل 91 – 92 )

هذا ما يصرح به فى السورة السابعة ( التكوير ) ، حيث نجد أول وصف لرؤيا غار حراء : " و انه لقول رسول كريم ... و لقد رآه بالأفق المبين " و قول الرسول الكريم نعرف مضمونه من سورة ( الشورى 52 مع 15 ) حيث يأمره الوحى بالايمان بالكتاب و تلاوته على العرب ، هذا هو الصراط المستقيم الذى يهدى إليه : " و إنك لتهدى إلى صراط مستقيم " ( 52 ) ، " و قل : آمنت بما انزل الله من كتاب ، و أمرت لأعدل بينكم " ( 15 ) ، هذا هو دين ابراهيم و موسى و عيسى الذى يشرعه الله فى القرآن للعرب ( الشورى 13 ) .

يؤكد ذلك منذ مطلع الدعوة ، فى السورة الثامنة ( الأعلى ) حيث يدعو لتوحيد " الرب الأعلى " بدعوة الكتاب نفسه : " إن هذا لفى الصحف الأولى ، صحف ابراهيم و موسى " 18 _ 19 ) . و نجد هذه الدعوة القرآنية بحرفها فى التوراة : " إيل عليون " ( التكوين 14 : 19 _ 20 ) ، فهى صورة التوحيد السامى الأصيل ، الذى يدين به " ملك شاليم " ( القدس ) ، ملكى صادق فى زمن ابراهيم الخليل .

و هكذا بعد عشر سور ، أو مقاطع منها ، فتر الوحى القرآنى أياما أو شهورا أو ثلاث سنين ، على أقوال مختلفة . و ينقل صحيح البخارى إن فتور الوحى كان بسبب وفاة قس مكة ، معلم محمد ، و هو ورقة بن نوفل ابن عم ( أو عم ) السيدة خديجة ، ثرية مكة التى كانت تجارتها تعدل تجارة قريش ، ووليها الذى أزوجها محمدا . فتأثر محمد تأثرا بالغا حتى كاد ينتحر . فجاءت السورة الحادية عشرة ( الضحى ) تعزيه و تذكره بنعم الله عليه : " ألم يجدك يتيما فآوى ! ووجدك ضالا فهدى ! ووجدك عائلا فاغنى " . فالقرآن يذكر لمحمد هداية بمناسبة زواجه من خديجة ، و ما كانت هذه الهداية إلا إلى دين قس مكة ورق بن نوفل ، أى هداية إلى " النصرانية " ، و هى الشيعة بالنسبة إلى السنة المسيحية . و حزن محمد من وفاة معلمه طويلا ، حتى أوشك أن ينتحر ، و هذا الدليل الأكبر مع القرآن على اتجاه النبى العربى فى دعوته . فالوحى القرآنى كان هداية من الضلال إلى " صحف ابراهيم و موسى " كما يفهمها قس مكة " النصرانى " ، الى التوحيد الواحد الوحيد بين " ابراهيم و موسى و عيسى " ( الشورى 13 ) .

فى السورة الثانية عشرة ( الشرح ) ، بعد التعزية عن فتور الوحى ، يأتى الغفران : " ألم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك ، الذى أنقض ظهرك " ( 1 _ 3 ) . أيكون هذا الوزر الثقيل فكرة الانتحار التى ساورت النبى فى أزمة الوحى ووفاة معلمه ، قس مكة ؟

بعد الازمة ، جاء وقت تحديد الدعوة . فحددها سلبا فى السورة الثامنة عشرة ( الكافرون ) حيث يعلن تبرؤه من شرك قومه : " يا أيها الكافرون ... لكم دينكم و لى دين " . فما هو دين محمد ؟ يحدده ايجابا فى السورة الثانية و العشرين ، ( الاخلاص ) ، حيث يعلن التوحيد الكتابى الخالص ، بحرفه العبرانى : " قل : هو الله أحد " كما ورد فى التوراة ( سفر التثنية 6 : 4 ) و فى الانجيل ( مرقس 12 : 29 ) : " يهوه الهنا هو الله أحد " و هى شهادة التوحيد عند بنى اسرائيل ، من يهود و " نصارى " و الشاهد على صحة هذا المصدر قوله : " أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 197 ) ، الذى يفسره قوله : " بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم " ( العنكبوت 49 ) ، النصارى من بنى اسرائيل ، لأن اليهود كانوا " أول كافريه " . و خير شاهد أيضا صيغة التوحيد القرآنى : " هو الله أحد " ، فقوله " هو الله " تعريب " يهوه " ، و لا يستقيم لها تخريج آخر ، يؤيد ذلك صيغة " أحد " فى الاثبات ، و هى لا تأتى عادة فى العربية إلا فى حال النفى .

حتى الان كانت الدعوة " سرية " أى بين الافراد . نقل السيوطى ( الاتقان 1 : 25 ) : " ان أول سورة اعلنها رسول الله بمكة : النجم " ، و هى الثالثة و العشرون فى تاريخ النزول . و فيها يؤكد ان الدعوة القرآنية " وحى يوحى علمه شديد القوى " . و فيها الوصف الاول لرؤيا ملاك الوحى فى غار حراء . و الوصف الثانى فى ( الشورى 52 مع 15 ) يفسر هذا " الوحى يوحى " بأنه هداية إلى الصراط المستقيم ، الايمان بالكتاب و الدعوة له ، بحسب قوله : " إنا أنزلناه فى ليلة مباركة ... أمرا من عندنا ، إنا كنا مرسلين " ( الدخان 3 – 5 ) .

فى الخامسة و العشرين ( القدر ) يأتى أول تصريح عن زمن الوحى : " إنا أنزلناه فى ليلة القدر " . و هو مثل قوله : " إنا أنزلناه فى ليلة مباركة " ( الدخان 3 ) حيث الضمير معلن فى قوله : " أمرا من عندنا ، إنا كنا مرسلين " ( الدخان 5 ) . فالمنزل هو " الأمر " بالرسالة . هذا هو " القرآن " الذى نزل جملة : " آمنت بما أنزل الله من كتاب " ( الشورى 15 ) ، بحسب آيتى سورة ( الدخان 3 – 5 ) . فما الدعوة القرآنية كلها سوى تفصيل هذا " الأمر " فى " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) .

و السورة التاسعة و العشروةن ( قريش ) توضح أهل الدعوة الأولين موضوعها : " لا يلاف قريش : فليعبدوا رب هذا البيت " ! حسب الوهم المشهور كان " البيت العتيق " ، كعبة

شرك و أوثان . فهل يأمر القرآن بالشرك ؟ هذا كفر بحقه . إن القرآن العربى يشهد بأن الكعبة كانت معبد توحيد ، و تمثيل المسيح و امه على جدرانها ، كما روى الأزرقى ، و ذلك قبل البعثة بخمس سنوات ، عند تجديد بنائها ، يشهد بأنها كانت معبدا مسيحيا ، يطوف به قس مكة " النصرانى " ورقة بن نوفل . و ما كان القس ليطوف بمعبد شرك و أوثان ، و ما كان القرآن ليأمر بعبادة " رب هذا البيت " رب شرك و أوثان . هذه شهادة قرآنية أولى على ذلك .

و الشهادة الثانية فى السورة الخامسة و الثلاثين ( البلد ) حيث يقسم : " لا ! أقسم بهذا البلد ، و أنت حل بهذا البلد ، ووالد و ما ولد : لقد خلقنا الانسان فى كبد " ( 1 – 4 ) . إن القسم " بوالد و ما ولد " قسم ميسحى بالله و المسيح – لا " بآدم و ذريته " كما يقول الجلالان – و هو قسم تردده عقيدة النصارى من بنى اسرائيل ، كما نقلها القرآن فى قوله : " قل : هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد و لم يولد " . وقسم القرآن " بهذا البلد " برهان على أن مكة كانت بلد توحيد ، بخلاف الوهم المشهور ، و غلا جعلنا القرآن يقسم ببلد مشرك ، معاذ الله ! إنما شرك اهل مكة كان " الى الله " ( الزمر 3 ) ، لا عبادة مخلوق مع الخالق . فالقسم الثنائى " بهذا البلد ، ووالد ما ولد " شهادة قائمة لسيطرة المسيحية على مكة و الكعبة ، بخلاف ما يتوهمون و يوهمون . و اعلان القرآن : " قل : هو الله احد ، لم يلد و لم يولد " هو اشهار الصراع الناشىء بين " النصرانية " و المسيحية ، للسيطرة على مكة و الكعبة ، بفضل الدعوة القرآنية .

و فى السورة السابعة و الثلاثين ( القمر ) يفتتح القصص القرآنى . و فيها يذكر مصادر دعوته و قصصه ، و يستعلى بها على المشركين من بنى قومه : " أكفاركم خير من اولئكم ؟ أم لكم براءة فى الزبر ؟ " ( 43 ) . و يكرر : " و كل شىء فعلوه فى الزبر " ( 52 ) . و هو مثل قوله: " و انه لتنزيل رب العالمين ... و انه لفى زبر الاولين : ألم يكن لهم اية ان يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 192 – 197 ) ، " زبر الاولين " أى " كتبهم كالتوراة و الانجيل " ( الجلالان ) . فالقرآن ينتسب فى دعوته إلى النصارى من بنى إسرائيل ، " المسلمين " من أهل الكتاب ، الذين يتلو معهم " قرآن " الكتاب ( القلم 37 – 38 ، المزمل 1 – 5 ) .

نصل الى سورة (الاعراف) ،التاسعة والثلاثين . وهى سورة متبعضة أى فيها آى مكى وآى مدنى (حديث النبى الأمى )،من أزمنة مختلفة . و(الاعراف ) مع (الانعام) هما صورة الجدال الأكبر فى الدعوة والمعجزة التى يطلبون لتأييدها .يصرح :"ولقد جئناهم

بكتاب فصلناه على علم ،هدى ورحمة لقوم يؤمنون " (52): فالقرآن العربى إنما هو "تفصيل الكتاب " (يونس 37 ) ، على طريقة "أولى العلم "، "الصالحين "،كناية عن "النصارى " من بنى إسرائيل :" ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون "(159). فعلى مثالهم يدعو " النبى الأمى الذى يؤمن بالله و كلمته " 1 ( 158 ) أى بالله و المسيح . فالدعوة القرآنية دعوة " نصرانية " : " إن ولى الله الذى نزل الكتاب ، و هو يتولى الصالحين " ( 196 ) . و هؤلاء الصالحون " هم " ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون " ( 181 قابل 159 ) ، أى " النصارى " من بنى اسرائيل . فهو يدعو فى القرآن بدعوة هؤلاء " النصارى " الصالحين . و شهادتهم له هى كل برهانه على صحة دعوته . يتحدونه بمعجزة فيجيب :

" و اذا لم تأتهم بآية قالوا : لولا اجتبيتها " ! ( 203 ) أى " لولا أنشأتها من قبل نفسك " ( الجلالان ) . و يتحدونه بنبوءة غيبية فيجيب : " قل : لا أملك لنفسى نفعا و لا ضرا ، إلا ما شاء الله ! و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسنى السوء ! إن أنا إلا نذير و بشير لقوم يؤمنون " ( 188 ) . فليس فى القرآن العربى نبوءة غيبية ، و لا معجزة حسية ، إنما هو قرآن الكتاب على العرب : " واذا قرىء القرآن فاستمعوا له و انصتوا لعلكم ترحمون " ( 204 ) ، فالقرآن الذى يتلوه عليهم هو غير هذا القرآن العربى الذى يقص الخبر : فالقرآن المخبر هو غير القرآن المخبر عنه ، لاحظ استعمال التعريف المطلق دائما : " القرآن " منذ مطلع الدعوة ( المزمل 4 ) و لم ينزل من القرآن العربى ، حينئذ الا ايات معدودات ، حتى الان ( الاعراف 204 ) . فالقرآن العربى هو دعوة لقرآن الكتاب ، " للقرآن " على الاطلاق ، بلا نبوءة غيبية و لا معجزة حسية ، انه " تفصيل الكتاب " للعرب . و فى هذا " التفصيل " نبوءة محمد كلها ، و دعامة صحتها .

فى الحادية و الاربعين ( يس ) يقسم : " و القرآن الحكيم ، انك لمن المرسلين ، على صراط مستقيم ، و تنزيل العزيز الرحيم ، لتنذر قوم ما انذر ابائهم فهم غافلون " ( 1 – 6 ) . ليس المقسم به " القرآن الحكيم " و المقسم عليه القرآن العربى واحدا ؟ و ما نزل من القرآن العربى لم تكن له هذه الحرمة عند المشركين حتى يصح القسم به ، و ليس هو بالمعروف المشهور المطلق حتى يسميه " القرآن الحكيم " : فهذا " القرآن الحكيم " الذى يدعو إليه القرآن العربى هو

1 قراءة " كلمته " اصح من " كلماته " ، لانسجامها مع السياق كله .

الكتاب المقدس . فقرآن الكتاب هو " تنزيل العزيز الرحيم " ، و محمد " من المرسلين ، على صراط مستقيم " بالدعوة له و هذا " الصراط المستقيم " هو " طريق الانبياء من قبلك " ( الجلالان ) . اسم الدعوة يدل عليها : " إن هو الا ذكر و قرآن مبين " ( 69 ) . فدعوة محمد قراءة عربية للكتاب الامام ، و ذكرمنه . و مع ذلك فمشركو مكة يعرضون عنه لأنه لا يأتيهم بمعجزة كالأنبياء الاولين : " و ما تأتيهم من آية ( خطابية ) من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " ( 46 ) . يطلبون معجزات حسية فيقدم لهم آيات خطابية ، فيردونها إلى الشعر أو إلى السحر ( 69 ) .

فى الثانية و الأربعين ( الفرقان ) يشتد الخصام ، لعجز محمد عن معجزة تفحمهم : " و قال الذين كفروا : إن هذا الا افك افتراه ، و اعانه عليه قوم اخرون ! – فقد جاؤوا ظلما و زورا " ( 4 ) . إنه يرد التهمة بكلمة ساحقة . لكن الرد يقع على الافتراء ، لا على معونة قوم اخرين ينتسب محمد اليهم فى دعوته : " و قالوا : اساطير الاولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة و اصيلا ! – قل : أنزله الذى يعلم السر فى السموات و الارض " ! ( 5 – 6 ) . تراجعوا عن قولهم : " أفك افتراه " ، و سموه : " اساطير الاولين " أى اساطير اهل الكتاب . فرد عليهم : ليس ما يدعوهم اليه " اساطير " بل تنزيل الله فى الكتاب . فلا يرد مباشرة على تهمتهم : " اكتتبها فهى تملى عليه بكرة و اصيلا " . و بما أن النبى يدعى إن دعوته تنزيل ، فهم يطلبون منه معجزة ( 7 – 8 ) فيتهرب . يعاودون الكرة ( 21 ) فيتهرب أيضا . حينئذ يتحدونه بأتيان بالقرآن جملة : " و قال الذين كفرا : لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ( 32 ) – كالتوراة و الانجيل و الزبور ( الجلالان ) – فيجيب : " كذلك ، لنثبت به فؤادك ! و رتلناه ترتيلا ( 32 ) : القرآن عليه كان لتثبيت محمد نفسه قبل دعوة غيره . و الدعوة القرآنية ليست افتراء و لا أساطير ، إنما هى قرآن الكتاب كما عند " الأولين " ، كما يتضح من القول المتواتر " أساطير الأولين " كما نعتوها ( 8 : 31 ، 23 : 83 ، 25 : 5 ، 27 : 68 ، 68 : 15 ، 83 : 13 )

فى الثالثة و الأربعين ( فاطر ) يظهر تضامنه فى دعوته مع طائفة " أولى العلم " من أهل الكتاب : " إن الذين يتلون كتاب الله ، و اقاموا الصلاة و انفقوا مما رزقناهم سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور " ( 29 ) . فهو يشهد بأن " كتاب الله موجود قبل القرآن العربى ، و ان ما يتلوه اهل الكتاب فى زمان محمد لم يزل " كتاب الله " ، و يشهد أيضا بأن تلك الطائفة

الصالحة تؤازر الدعوة القرآنية و تنفق فى سبيلها سرا و علانية ، و هم " أولو العلم " من أهل الكتاب ، فيجيبهم بقوله : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ( 28 ) . ليس هذا تعبيرا لغويا كما يفهمونه ، انما هو اصطلاح قرآنى ، كناية عن " أولو العلم " من اهل الكتاب أى " النصارى " من بنى اسرائيل . فيتعنت المشركون ، فيستعلى عليهم " بكتاب الله " الذى يتلوه مع " العلماء " من أهل الكتاب : " ام اتيناهم كتابا فهم على بينة منه " ؟ ( 40 ) إن محمدا عنده " كتاب الله " و هو على بينة منه ، و يدعوهم إليه حسب رغبتهم و قسمهم : " و اقسموا بالله جهد إيمانهم : لئن جاءهم نذير ، ليكونن أهدى من احدى الامم " ( 42 ) – أى اليهود . إن محمدا ، بتضامن مع " أولى العلم " من أهل الكتاب ، حقق للعرب أمانيهم ، " فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا و استكبارا فى الأرض ، و مكر السىء " ( 42 – 43 ) . و سبب ذلك عجزه عن معجزة ، هى سنة الأنبياء الاولين ، كما ينتظرونها منه : " فهل ينظرون الا سنة الاولين ؟ – فلن تجد لسنة الله تبديلا ! و لن تجد لسنة الله تحويلا " ( 43 ) . لقد منعت المعجزات عن محمد ، و لا أمل فى تبديل و تحويل سنة الله ( قابل الاسراء 59 ) .

و هكذا انتهى العهد الاول بمكة ، بالهجرة الجماعية إلى الحبشة المسيحية . لقد احتمى المسلمون المضطهدون عند بنى دينهم . جاء فى ( الاتقان 1 : 19 ) : " ينبغى أن يمثل لما حمل إلى الحبشة بسورة مريم . فقد صح أن جعفر بن ابى طالب قرأها على النجاشى . أخرجه محمد فى مسنده " . و سورة مريم ، الرابعة و الاربعون ، إعلان إيمان الدعوة القرآنية بالمسيح و أمه . فالقرآن دعوة انجيلية على طريقة " النصرانية " . هذا ما نراه أيضا فى العهد الثانى بمكة .

رجع النبى العربى إلى دعوته ، و رجع مشركو مكة إلى تعجيزه بمعجزة كالانبياء الاولين . هذا نراه فى سورة ( طه ) ، الخامسة و الاربعين : " و قالوا : لولا يأتينا بآية من ربه ! – أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الاولى " ( 133 ) . لا معجزة عند محمد مثل سائر الانبياء ، معجزته أن القرآن العربى " بينة ما فى الصحف الاولى " ، و هذا البيان شهادة له على صحة دعوته .

و فى ( الشعراء ) ، السابعة و الاربعين ، يأتى التصريح الكامل فى معنى دعوته و نبوته . يستفتح بذكر اعراضهم المتواصل ( 1 – 9 ) لأن المعجزة المطلوبة لم تأت ( 4 ) . و يرد على كفرهم بدعوته بهذا التصريح :

" و أنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين
على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربى مبين
" و أنه لفى زبر الاولين أو لم يكن لهم أن يعلمه علماء بنى اسرائيل
و لو نزلناه على بعض الاعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين "
( 192 – 199 )


أجل إن القرآن العربى هو أيضا " تنزيل رب العالمين " ( 192 ) ، لكنه " فى زبر الاولين " ( 196 ) أى " كتبهم كالتوراة و الانجيل " ( الجلالان ) و هذه هى البينة الاولى على صحته . فهو تعريب التنزيل " بلسان عربى مبين " ، كما أمره به ملاك الله فى رؤيا غار حراء ، " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين " . و الشهادة على مطابقة القرآن العربى لكتاب الله فى زبر الاولين ، هى شهادة " علماء بنى اسرائيل " أى " اولى العلم " من بنى اسرائيل ، بحسب الاصطلاح القرآنى المتواتر 1 ، و هم " النصارى " من بنى اسرائيل ، فشهادتهم لمطابقة الدعوة القرآنية لكتاب الله الامام هى البينة الثانية على صحتها . لا معجزة عنده سوى ذلك ، فالتضامن فى الدعوة و الشهادة لها كامل بين محمد و " علماء بنى اسرائيل " أى " النصارى " ، لذلك فالقرآن العربى دعوة " نصرانية " .

و فى ( النمل ) ، الثامنة و الاربعين يعلن أن أولئك " النصارى " من بنى اسرائيل هم " المسلمون " الحقيقيون الذين ينتمى محمد إليهم ، و يتلو معهم قرآن الكتاب بقراءتهم . قابل فاتحة السورة : " تلك ايات القرآن و كتاب مبين ، هدى و بشرى للمؤمنين ... و انك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم " ( 1 – 6 ) ، مع خاتمتها : " و أمرت أن أكون من المسلمين و أن أتلو القرآن " ( 91 – 92 ) . " فالمسلمون " موجودون قبل محمد ، و هم " من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون " ( الاعراف 159 ) ، و يعرفون " القرآن " قبل محمد : " أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 197 ) ، بل " هو ايات بينات فى صدور

1 و حمل التعبير " علماء بنى اسرائيل " على اللغة . لا على الاصطلاح القرآنى المتواتر ، هو ما يحمل كثيرا من المفسرين و المستشرقين على سوء فهم القرآن ، فيظنون من الآيتين ( الشعراء 197 ، الاحقاف 10 ) أنه كان فى مكة جالية يهودية ، و أن اليهود فى عهد من القرآن كانوا من شهوده ، و القرآن كله تأييد " للنصرانية " الاسرائيلية على اليهودية ( الصف 14 ).

الذين أوتوا العلم " ( العنكبوت 49 ) . ان " علماء بنى اسرائيل " ليسوا اليهود ، " أول كافريه " ، بل النصارى من بنى اسرائيل ، الذين فرضوا " نصرانيتهم " على الجزيرة باسم الاسلام الذى اسهموا فى نشأته و ذابوا فيه ( الصف 14 ) . و " القرآن " ، " القرآن العظيم " موجود معهم " ايات " من الكتاب المبين ، و محمد مأمور بأن ينضم اليهم ، و يتلو معهم هذا " القرآن " لاحظ الاستفتاح : " تلك " و هى اشارة الى ما يسبق السورة القرآنية العربية من تلاوة " آيات القرآن " من الكتاب المبين ، و ما السورة التى تستفتحها الاية سوى تعليق على تلك التلاوة . هذا الواقع القرآنى شاهد عدل على أن محمدا انضم إلى النصارى " المسلمين " قبله ، و تلا الكتاب المبين على العرب " بقرآنهم " أى قراءتهم العربية له ، بإشراف " حكيم عليم " منهم .

و فى هذه السورة التصريح بغاية الدعوة القرآنية : " إن هذا لاقرآن يقص على بنى اسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون " ( النمل 76 ) . بنو اسرائيل اختلفوا فى المسيح الى يهود و نصارى ، و الدعوة القرآنية قامت – مع هداية مشركى العرب الى التوحيد الكتابى – للفصل فى الخلاف على المسيح بين اليهود و النصارى من بنى اسرائيل . و سيقول القرآن المدنى بأن غايته تأييد هذه النصرانية الاسرائيلية على اليهودية حتى الظهور عليها ( الصف 14 ) . فوقف القرآن كله حتى آخر عهده ، و مجادلة وفد نجران المسيحى اليعقوبى ، موقف الحياد من المسيحية كلها . و موقف الحياد هذا لا يمنع بيان الاختلاف فى العقيدة معها من حين لاخر ، بيان " نصرانية " العقيدة القرآنية .

ثم يقول " و أمرت أن اعبد رب هذه البلدة ... و أمرت أن أكون من المسلمين " ( 91 ) . إن مكة لم تطهر بعد من الشرك ، فمن هو " رب هذه البلدة " ؟ و كيف يؤالف بين هده العبادة ، و بين دعوة " المسلمين " الذين انضم اليهم ؟ إما هو اله الشرك ، و إما هو اله كفر ! إن " رب هذه البلدة " هو الله ، اله المسيحية السائدة فى مكة ، و الذى يعبده أيضا " المسلمون " من قبل محمد ، " النصارى " الذين أمر بأن ينضم غليهم ، و يعبد الله بعبادتهم ، و يدعو بدعوتهم ، فى منافسة المسيحية ، و محاربة الشرك ، و هذه شهادة قرآنية ثالثة على سيادة التوحيد المسيحى بمكة و الكعبة . فلا يقبلون دعوته لأنها بدون معجزة كالانبياء الاولين . أما محمد فيأمل أن تأتى المعجزة : " و قل : الحمد لله ، سيريكم آياته فتعرفونها " ( 93 ) .

و فى ( القصص ) ، التاسعة و الاربعين ، يقص عليهم سيرة موسى ، " فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا : لولا أوتى مثل ما أوتى موسى ! – أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل ؟ قالوا : سحران ( ساحران ) تظاهرا ! و قالوا : إنا بكل كافرون ! – قل : فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه ، إن كنتم صادقين " ( 48 – 49 ) . هذا مطلع التحدى بالقرآن ، و فى آية ( القصص 49 ) معنى تحدى العرب بإعجاز القرآن : إنه تحدى بالهدى ، لا بالنظم و البيان ، كما يتوهمون و يوهمون . لكن " الكتاب " فى هذا " الهدى " هو القرآن سواء : " أهدى منهما " . فالتحدى موجه للمشركين ، لا للكتابين . فعلى ضوء هذا الاستفتاح بالتحدى بالقرآن ، يجب فهم قصة اعجاز القرآن العربى كلها . و سنرى أن القرآن فى " الهدى " تابع للكتاب إماما له : " و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة ، و هذا كتاب مصدق لسانا عربيا " ( الاحقاف 12 ، قابل هود 17 ) : فليس اعجاز القرآن معجزة له . و السورة تشهد باسلام " النصارى " قبل القرآن العربى ، و باسهامهم فى الدعوة القرآنية : " الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ، و اذا يتلى عليهم قالوا : آمنا به ، انه الحق من ربنا ، إنا كنا من قبله مسلمين ! أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ، و يدرأون بالحسنة السيئة ، و مما رزقناهم ينفقون ، و اذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه و قالوا : لنا أعمالنا و لكم أعمالكم ، سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين " (52 – 55 ) . قال الجلالان : " نزلت فى جماعة اسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام ، و غيره من النصارى قدموا من الحبشة و من الشام " . تفسير متناقض من صريح الآية " إنا كنا من قبله مسلمين " . و اسلام نفر من اليهود أو من المسيحين لا يأخذ هذا التعبير الشامل ، و لا يمكن أن يقولوا : " إنا كنا من قبله مسلمين " و لا اليهود ، و لا المسيحيون أسهموا فى نشر الدعوة القرآنية بإعلان الايمان بها و الشهادة لها ، و احتمال " اللغو " أى " الشتم و الاذى من الكفار " لذلك ، و الانفاق فى سبيلها ، إنهم وحدهم النصارى من بنى اسرائيل ( الاعراف 157 ، الصف 14 ) الذين اسهموا بتلك الاعمال فى غنشاء الاسلام و ذابوا فيه . و ذوبانهم فى الاسلام اضاع معالمهم على المفسرين فخبطوا فيهم خبط عشواء . و اعلانهم " إنا كنا قبله مسلمين " شهادة بأن الاسلام اسلامهم ، و الدعوة القرآنية " نصرانية " . " أولئك يؤتون أجرهم مرتين " ، " لايمانهم بالكتابين " ( الجلالان ) . كانت آية ( النمل 91 ) إعلانا بانضمام محمد إلى " المسلمين " النصارى ، و جاءت آية ( القصص 53 ) إعلانا لانضمام النصارى إلى الدعوة القرآنية . على

ضوء هذا الواقع نفهم قوله المتواتر : " فلا تكونن ظهيرا للكافرين ، و لا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت اليك ، و ادع الى ربك و لا تكونن من المشركين ، و لا تدع مع الله إلها آخر " ( 86 – 88 ) . يقصد " الكافرين " بدعوته من أهل الكتاب اليهود و المسيحيين ، و " المشركين " من العرب ، فقوله : " لا تدع مع الله إلها آخر " قد يعنى الشرك ، و هذا بعيد عن محمد ، و قد يعنى عبادة المسيح عند المسيحيين ، و هذا أقرب الى السياق . و النهى دليل على صراع المسيحية و النصرانية لاكتساب محمد و اله . على كل حال فآية محمد هى شهادة " النصارى " له ، لا المعجزة .

و فى ( الاسراء ) ، السورة الخمسين ، يأتى التحدى الأول و الأكبر بالقرآن : " قل : لئن اجتمعت الانس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله ، و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا " ( 88 ) . ان التحدى بالقرآن صريح شامل . لكن ما معناه ؟ تصاريح السورة عينها تدل عليه . فهو واقع بين تصريحين يحددان معناه . التصريح الاول يفيد ان المعجزات منعت عن محمد منعا مبدئيا مطلقا : " و ما منعنا أن نرسل بالآيات ، إلا أن كذب بها الأولون " ( 59 ) ، فمهما كان السبب ، فمبدأامتناع المعجزة على محمد قائم ، بنص القرآن القاطع . و بعد التحدى ( 88 ) يأتى الواقع المشهود ، فهم يعددون له أنواع المعجزات التى يطلبونها منه لأنها " سنة الأولين " و قالوا لن نؤمن لك حتى ... قل : سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا " ! ( 90 – 93 ) . انه الاقرار الواقعى المشهود بعجز محمد عن كل معجزة . و العلة التى يقدمها لتبرير عجزه ، كانت ايضا فى الانبياء السابقين ، فقد كان كل نبى أتى بمعجزة " بشرا رسولا " ، و أتى بالمعجزة دليل النبوة . هكذا يجمع القرآن الواقع المرير إلى المبدإ الخطير : عجز محمد عن معجزة ، و الامتناع المبدئى فيه لكل معجزة . و هذان المبدأ و الواقع يمنعان من اعتبار اعجاز القرآن معجزة . و لا يصح تفسير التحدى بالقرآن إلا أنه تحد " بالهدى " كما استفتح به ( القصص 49 ) و بما انه فى " الهدى " مع الكتاب سواء ، فهو تحد بالمشركين وحدهم ، بالاعجاز فى الهدى ، لا بالاعجاز فى البيان . لذلك ليست آيته المعجزة على اطلاقها ، بل شهادة " اولى العلم " النصارى له : " قل : امنوا به او لا تؤمنوا ! ان الذين اوتوا العلم من قبله ، اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا " ( 107 ) . فالقرآن هو اسلام " أولى العلم " ، فهو دعوة " نصرانية " ، حتى سجود المسلمين فى الصلاة هو عادة " نصرانية " : " يخرون للاذقان سجدا " . و من " العلم " النصرانى لا يبلغ القرآن الا القليل :

" و يسألونك عن الروح ؟ قل : الروح من امر ربى ، و ما اوتيتم من العلم ، الا قليلا " ( 85 ) ، فهذه شهادة ناطقة على أن " العلم " المنزل فى القرآن أقل مما فى كتاب الامام الذى مع " أولى العلم " . و تلك الحدود و القيود للتحدى باعجاز القرآن تفسر ايضا معنى " الاسراء " فى الآية الوحيدة التى تستفتح السورة : " سبحان الذى اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى " ( 1 ) . فليس المذكور معجزة على الاطلاق ، لان السورة عينها تعلن ان المعجزة منعت عن محمد منعا مبدئيا مطلقا ( 59 ) . و التكرار فى اخبار القرآن و اوصافه متواتر مشهود ، فلو كان فى اية الاسراء اليتيمة ادنى معنى للاعجاز لتوارد فى القرآن . و الآية نفسها تنص على أنه تم " ليلا " فلم يكن مشهودا ، فليس فيه معنى التحدى ليصح معجزة . أنه أيضا " رؤيا " ليل ، قصها محمد للفتنة " بنص القرآن القاطع ( 60 ) فليس فيه معنى الاعجاز . و القرآن نفسه يقطع الطريق على كل من يرى فيه اعجازا أو معجزة ، بنقله تحدى المشركين له باسراء كالذى تضعه الاية ، " أو ترقى فى السماء ! و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه ! – قل : سبحان ربى هل كنت الا بشرا رسولا " ( 93 ) ، لذلك فهو لم يرق فى السماء ، و لم ينزل عليهم كتابا من السماء ، و القرآن يصرح بعجز النبى عن مثل ذلك .

و السورة الحادية و الخمسون ( يونس ) تصرح بان القرآن " تفصيل الكتاب " الذى قبله . يتحدونه بمعجزة ، " و يقولون : لولا انزل عليه اية من ربه ! – فقل : انما الغيب لله ! فانتظروا انى معكم من المنتظرين " ( 20 ) . لم تأت المعجزة بعد . لذلك فالتحدى بالقرآن من قبل و من بعد ليس فيه معنى المعجزة على الاطلاق . و بدون معجزة ينسبون اليه افتراء القرآن ، فيجيب : " و ما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ، و لكن تصديق الذى بين يديه ، و تفصيل الكتاب ، لا ريب فيه ، من رب العالمين " ( 37 ) . يرد تهمة الافتراء بأن القرآن " تفصيل الكتاب " و " تصديق " له ، " بامر " من رب العالمين ( الدخان 1 – 5 ) . و هو اذا ما سمى " التفصيل " القرآنى " تنزيلا " ، فلأنه تفصيل التنزيل الكتابى : " و هو الذى انزل اليكم الكتاب مفصلا ، و الذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق ، فلا تكونن من الممترين " ( الانعام 114 ) . فاهل الكتاب لا يستطيعون ان يعملوا و ان يشهدوا لتنزيل و تفصيل من السماء ، بل لتفصيل التنزيل الموجود معهم و يتم على الارض بامر الله . و بعد رد الافتراء ببيان حقيقة القرآن أنه " تفصيل الكتاب " ، يتحداهم " بسورة مثله " : " ام يقولون : افتراه ! – قل : فاتوا بسورة مثله ، و ادعوا من استطعتم من دون الله ، ان كنتم صادقين " ( 38 ) . ان التحدى للمشركين ، فهو نسبى محدود ، و بما انه " تفصيل الكتاب "

فالتحدى بالهدى ، لا باعجاز الخطاب و البيان ، و هداه من هدى الكتاب الذى يفصله ، فليس فيه معنى المعجزة ، و هو ينتظرها معهم ( 20 ) . لذلك ظلوا يكذبونه حتى شك من نفسه و من امره ، فيحيله وحيه الى اساتذته من اهل الكتاب : " فإن كنت فى شك مما أنزلناه اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك ! لقد جاءك الحق من ربك ، فلا تكونن من الممترين ! و لا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين " ( 94 – 95 ) . تلك الصورة النفسية و الايمانية ، بعد التحدى باعجاز القرآ، " بسورة مثله " ، دليل على أن محمدا نفسه لم يعتبر اعجاز القرآن الذى يتحدى به معجزة له ، فالشك مع الايمان و المعجزة لا يجتمعان فى نفس نبى ! فردع محمد عن الشك ثم عن الشرك كما فى قوله : " و امرت أن أكون من المؤمنين ، و أن أقم وجهك للدين حنيفا ، و لا تكونن من المشركين " ( 104 – 105 ) هما برهان قاطع على ان الله لم يجعل القرآ، دليلا على النبوة .

و فى ( هود ) ، الثانية و الخمسين ، تتطور الازمة الايمانية فى نفس محمد الى تركه بعض الوحى : " فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك ، و ضائق به صدرك ، ان يقولوا : لولا انزل عليه كنز ! أو جاء معه ملك ! – انما انت نذير ، و الله على كل شىء وكيل " ( 12 ) . فمحمد نذير " بتفصيل الكتاب " للعرب ، و ليس بنى مطلع على الغيب ، أو رسول بمعجزة . انما هو نبى و رسول ، بنبوة الكتاب و رسالته . فاذا رد على اتهام المشركين له بالافتراء : " أم يقولون : افتراه ! قل : فاتوا بعشر سور مثله مفتريات ، و ادعوا من استطعتم من دون الله ، ان كنتم صادقين ! فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله ، و ان لا اله الا هو ، فهل انتم مسلمون " ( 13 – 14 ) – فهو انما يتحداهم بمطابقة القرآن للكتاب : "افمن كان على بينة من ربه – و يتلوه شاهد منه ، و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة – أولئك يؤمنون به . و من يكفر به من الاحزاب فالنار موعده " ( 17 ) . و هذه المطابقة يشهد بها اهل الكتاب : " و يتلوه شاهد منه " ، كقوله : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) ، " و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة " : براهين ثلاثة تدل على صحة المطابقة بين القرآن و الكتاب ، فليس من افتراء فى دعوة محمد . و لكن ليس من معجزة فيها ، و لا من اعجاز يعتبر معجزة ، لأن الاعجاز الاول للكتاب الامام : " و من قبله كتاب موسى اماما " . و لو كان القرآن دليل النبوة ، لما شك النبى فى امره : " فلا تك فى مرية منه : انه الحق من ربك ، و لكن اكثر الناس لا يؤمنون " ( 17 ) . فاذا كان اعجاز القرآن لم يرفع الشك حتى الآن من

نفس محمد ، فكيف يكون هذا الاعجاز معجزة للثقلين ؟ فمحمد بحاجة إلى التثبيت فى الايمان قبل المؤمنين بدعوته : " و كلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك ، و جاءك فى هذه الحق ، و موعظة و ذكرى للمؤمنين " ( 120 ) . هذه الصورة النفسية و الايمانية الثانية برهان قاطع على ان محمدا لم يعتبر اعجاز القرآ، معجزة ، و ان الله لم يجعل القرآن دليل النبوة . و من انتساب محمد إلى " اولى العلم " من اهل الكتاب ، و من انتساب القرآن إلى " امامة " الكتاب له ، نفهم أن التحدى باعجاز القرآن كان محصورا بالمشركين العرب ، لا مطلقا يعم العالمين ، و لا موجها للكتابيين أهل العلم و الهدى الذين عندهم الكتاب " امام " القرآن .

و فى سورة ( الحجر ) ، الرابعة و الخمسين ، يستفتح بقوله : " آلر . تلك آيات الكتاب و قرآن مبين " ( 1 ) . بهذا الوصف يحدد صلة القرآن العربى بالكتاب : يتلو آيات الكتاب ، كما يشير بقوله : " تلك " ، ثم يعقب عليها بقرآن مبين لها . فيقول : " ربما يود الذين كفروا لم كانوا مسلمين ! ( 2 ) . فيردون عليه : " يا ايها الذى نزل عليه الذكر ، انك لمجنون " ! لو ما تأتينا بالملائكة ، ان كنت من الصادقين " ( 6 – 7 ) . فيجيب ببساطة : " لا يؤمنون به ، و قد خلت سنة الاولين " ( 13 ) . اجل لقد مضت و انقضت سنة الله بتاييد انبيائه بالمعجزات ، فلا معجزة عند محمد . و هذا ما يضايقه فى دعوته : " و لقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون " ( 97 ) .

و فى هذه السورة النص القاطع على أن " القرآن " الذى يدعو إليه الكتاب الامام : " و لقد آتيناك سبعا من المثانى و القرآن العظيم ... كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين ( 87 و 90 – 91 ) . فالمقتسمون هم " اليهود و النصارى ، ( الذين جعلوا القرآن ) اى كتبهم المنزلة عليهم ، ( عضين ) أجزاء ، حيث امنوا ببعض و كفروا ببعض " ( الجلالان ) . فالقرآن العظيم الذى يدعو اليه محمد بالقرآن العربى هو الكتاب المقدس و ذلك بشهادته هذه القاطعة . و بما ان " القرآن العظيم " هو الكتاب المقدس فان " المثانى " المقرونة به هى " المشنة " فى التلمود ، نقل التعبير بحرفه العبرى و عربه . و المشنة هى " فرقان " الكتاب اى تفصيله و تفسيره . ان تعبير " القرآن و المثانى " يعنى الكتاب و السنة . فالقرآن العربى هو تفصيل " القرآن العظيم " أى الكتاب المقدس مع سبع قصص من " المشنة " و هذا مصدر قصصه التوراتى

نصل إلى ( الانعام ) السورة الخامسة و الخمسين ، التى يبلغ فيها الجدل فى صحة النبوة و الدعوة ذروته . و هى متبعضة اى فيها آى مكى و آى مدنى ، و من ازمنة مختلفة . يحاورهم فى اعراضهم عن الدعوة القرآنية بسبب عجز محمد عن معجزة . يستفتح بذكر اعراضهم الذى يحرجه : " و ما تاتيهم من آية ( قرآنية ) من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " ( 4 ) لانهم يطلبون منه معجزة حسية كنزول ملاك يشهد له ( 8 ) . أما هو فيكتفى بشهادة الله بوحى القرآن له : " قل : اى شىء اكبر شهادة ؟ قل : الله شهيد بينى و بينكم و اوحى الى هذا القرآن لانذركم به و من بلغ " ( 19 ) ، و يقرون اليها شهادة " اولى العلم " من أهل الكتاب ، " الذين يعرفونه كما يعرفون ابناءهم " ( 20 ) . هذه المعرفة الابوية المصدرية شهادة على المصدر ، و شهادة على مطابقة القرآن لأصله الكتابى . فآية محمد الوحيدة هى شهادة : " من عنده علم الكتاب " و سيظل هذا موقفه حتى آخر العهد بمكة : " و يقول الذين كفروا : لست مرسلا ! – قل : كفى بالله شهيدا بينى و بينكم و من عنده علم الكتاب " ( الرعد 43 ) . أما المعجزة فهى ممنوعة على محمد . و يتدخل الوحى نفسه فى تعجيزه عن كل معجزة : " و إن كان كبر عليك اعراضهم ، فان استطعت ان تبتغى نفقا فى الارض ، او سلما فى السماء ، فتاتيهم باية – اكمل الجلالان الجواب : " فافعل ، المعنى انك لا تستطيع ذلك " ( 35 ) . بعد المنع المبدىء لكل معجزة ( الاسراء 59 ) ، يصرح هنا بالامر الواقع ، و هو العجز المطلق ( 35 ) . و بعد تعجيز الوحى له عن كل معجزة ياتى اقرار النبى لحقيقة هذا الامر الواقع : " ما عندى ما تستعجلون به " ! ( 57 ). و يكرر :" قل : لو أن عندى ما تستعجلون به لقضى الامر بينى و بينكم " ( 58 ) . هذا هو القول الفصل فى عجز محمد عن كل معجزة .

مع العجز عن كل معجزة حسية ، يأتى التصريح بالعجز عن كل نبوءة غيبية : " قل : لا اقول لكم عندى خزائن الله ! و لا اعلم الغيب ! و لا اقول لكم انى ملك : ان اتبع الاما يوحى الى " ( 50 ) . الاقرار صريح : محمد لا يعلم الغيب فليس فى القرآن اذا من غيبيات او نبوءات للحاضر او المستقبل

فدعوة القرآن بلا معجزة حسية ، و لا نبوءة غيبية . هذا هو نص القرآن القاطع . انما دعوة القرآن امتداد لدعوة الكتاب ، على طريقة " اولى العلم " من اهله . و على النبى العربى ان يقتدى بهداهم . فهو يعدد انبياء الكتاب و متابعيهم ، " و من ابائهم و ذرياتهم و اخوانهم ، و اجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم ، ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده "

( 87 – 88 ) . ثم يقول : " أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم ( الحكمة ) و النبوة – فإن يكفر بها هؤلاء ، فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها كافرين – أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتد " ( 89 – 90 ) . شهادة أخرى ناطقة : الاعجاز هو التحدى بالهدى . إن القرآن و نبيه يقتديان بهدى الكتاب و أهله ، فهما تابع ، لا متبوع ، و هذا التصريح يؤيد قول القائلين : ان الله لم يجعل القرآن دليل النبوة .

و من هم الذين على محمد أن يقتدى بهداهم ليكون على صراط مستقيم ؟ هم " أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم و النبوة " ( 89 ) . " الحكم " يعنى " الحكمة " ( الجلالان ) ، فقد أخذ التعبير العبرى على حرفه . فهو يقتدى بهم حتى فى تعبيره . ثم ان " الحكمة " فى اصطلاح القرآن كناية عن الانجيل كقوله : " و لما جاء عيسى بالبينات قال : قد جئتكم بالحكمة " ( الزخرف 63 ) أى " شرائع الانجيل " ( الجلالان ) ، " و آتيناه الانجيل فيه هدى و نور " ( المائدة 46 ) ، و كما يظهر من هذا الترادف المتواتر : " و يعلمه الكتاب و الحكمة – و التوراة و الانجيل " ( آل عمران 48 ) ، " و اذ علمتك الكتاب و الحكمة – و التوراة و الانجيل " ( المائدة 110 ) . فمحمد يقتدى بأهل الكتاب و الانجيل ، " و يعلمهم الكتاب و الحكمة " ( البقرة 129 ، آل عمران 164 ، الجمعة 2 ) ، على طريقة الذين يقيمون " التوراة و الانجيل " معا ( المائدة 66 و 68 ) و هم النصارى من بنى اسرائيل ، الذين يسميهم فى اصطلاحه المتواتر " أولى العلم " المقسطين ، أو " الراسخين فى العلم " . فالقرآن دعوة " نصرانية " .

و هذه الدعوة هداه اليها ملاك الله فى رؤيا غار حراء ، و أمره بقراءة " الكتاب و الحكمة " على العرب . فدرس و درَس ، و اهتدى و هدى . و يعلم اهل مكة ذلك ، و القرآن يصرح به : " و ليقولوا : درست ! – و لنبيه لقوم يعلمون " ( 105 ) . فلا يرد التهمة ، بل يؤكدها ببيان غايتها . انه درس ليدرس ، " و يعلمهم الكتاب و الحكمة " ، لأنهم هم غفلوا عن دراستهما : " أن تقولوا : إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ، و إن كنا عن دراستهم لغافلين " ( 156 ) . و هذان الاقرار و التقرير بالدرس يهدمان أسطورة أمية محمد ، و ما بنى عليها من اعجاز و معجزة .

و ما القرآن العربى سوى " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) ، و تصديقه : " و هذا كتاب أنزلناه مبارك ، مصدق الذى بين يديه ( قبله ) ، و لتنذر أم القرى و من حولها ، و الذين يؤمنون

بالآخرة يؤمنون به " ( الانعام 92 ) . فهو يعود دائما إلى تأييد " النصارى " له و شهادتهم معه ، كما طلبوا منه معجزة و عجز عنها : " اقسموا بالله جهد ايمانهم : لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها ! – قل : إنما الآيات عند الله " ! ( 109 ) . و على انتظارهم الملح لمعجزة يجيب بفلسفة الايمان بدون معجزة : " هل ينظرون الا أن تاتيهم الملائكة ، أو يأتى ربك ، أو يأتى بعض آيات ربك ! – يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها ! لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت فى ايمانها خيرا " ! مع ذلك فهو ينتظر : " قل : انتظروا ، إنا منتظرون " ( 158 ) . انك تشعر بحرج النبى من عجزه عن معجزة تؤيده ، و يتردد فى قبول هذا القدر المحتوم ( الاسراء 59 ، الانعام 35 ) .

فلا المعجزة تؤيده ، و لا الاعجاز القرآنى ينفعه ، فقد تجرأ احدهم على القول : " سأنزل مثل ما انزل الله " ( 93 ) . إنه قول ظالم يستحق عذاب الموت و النار ، لكن جرأهم عليه عجزه عن معجزة حتى شك من أمره : " أفغير الله ابتغى حكما ، و هو الذى انزل اليكم الكتاب مفصلا ، و الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ، فلا تكونن من الممترين ! و تمت كلمات ربك صدقا و عدلا ، لا مبدل لكلماته " ( 114 – 115 ) . فالشهادة على صحة الدعوة القرآنية هى مطابقتها للكتاب ، " لا مبدل لكلماته " ، و ذلك بشهادة اهل الكتاب انفسهم . و حقيقة القرآن العربى هى فى هذا التعريف : " هو الذى أنزل اليكم الكتاب مفصلا ... لا مبدل لكلماته " . فليس هو " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) الذى فى السماء ، إذ لا يستطيع أحد أن يشهد بذلك ، بل " تفصيل الكتاب " الذى عند اهل الكتاب ، كما يستطيعون أن يشهدوا بذلك : " و شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله " ( الاحقاف 10 ) ، و شهادتهم هى آية محمد الوحيدة ( الانعام 20 ، الرعد 43 ) .

و يسمى القرآن العربى منزلا لأنه " تفصيل الكتاب " المنزل من قبله ، فهو تنزيل لأنه تفصيل التنزيل الكتابى : " و تمت كلمات ربك صدقا و عدلا ، لا مبدل لكلماته " ، إنه " الكتاب مفصلا " أى معربا ( قابل حم فصلت 44 ) . فليس فى القرآن من وحى جديد ، و لا من معجزة . إنما هو " تفصيل الكتاب " كما يشهد له أهل الكتاب . هذا هو الواقع القرآنى فى سورة ( الانعام ) الطويلة .

فى ( الصافات ) ، السادسة و الخمسين ، يتحداهم فى جدالهم : " أم لكم سلطان مبين ، فاتوا بكتابكم ، إن كنتم صادقين " ( 156 – 157 ) . و فى ( لقمان ) ، السابعة و الخمسين ،

نعرف أن السلطان المبين الذى به يستعلى عليهم هو الكتاب المقدس المنير : " و من الناس من يجادل فى الله بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير " ( 20 ) . أما محمد ، يجادلهم بالعلم و الهدى بحسب الكتاب المنير . فآيته فى دعوته هى انتسابه الدائم الى الكتاب و أهله من " أولى العلم " أى " النصارى " . يؤيد ذلك قوله فى ( سبأ ) ، الثامنة و الخمسين : " و يرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل اليك من ربك هو الحق ، و يهدى الى صراط العزيز بين يديه " أى قبله ( 31 ) . فيستعلى عليهم بالكتب المنزلة التى يدرسها من دونهم : " و ما آتيناهم من كتب يدرسونها ! و ما أرسلنا اليهم قبلك من نذير " ( 44 ) . و فى ( الزمر ) ، التاسعة و الخمسين ، يستعلى عليهم أيضا بانتسابه الى " أولى العلم " : " قل هل يستوى الذين يعلمون ، و الذين لا يعلمون " ! ( 9 ) – يجب أن يفهم التعبير على اصطلاحه لا على لغته كما يتوهمون . تلك هى شهادته الدائمة على صحة دعوته . و فى – حم غافر ) السورة الستين ، يكرر ذلك : " و لقد آتينا موسى الهدى و أورثنا بنى اسرائيل الكتاب " ( 53 ) . بنو اسرائيل طائفتان : يهود و نصارى ، و الدعوة القرآنية تأييد للنصارى من بنى اسرائيل على عدوهم اليهود ( الصف 14 ) . فبانتماء محمد إلى " أولى العلم " هؤلاء ، يجادل المشركين بسلطان ، و هم يجادلون بغير سلطان ( 56 ) . يصرون على المعجزة فيتهرب : " و ما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله " ( 78 ) . و الله لم يأذن لمحمد بمعجزة ( الاسراء 59 ) ، " و قد خلت سنة الأولين " بالمعجزات ( الحجر 13 ) .

فى ( حم فصلت ) ، الحادية و الستين ، يستعلى عليهم بانتسابه إلى الكتاب ، فى تعريفه بحقيقة القرآن العربى : " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا " ( 3 ) ، فالقرآن العربى إنما هو " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) . و فى قوله : " و لو جعلناه قرآنا اعجميا ، لقالوا : لولا فصلت آياته " ( 44 ) نرى ان التفصيل ، فى لغة القرآن ، يعنى التعريب . و هكذا فإن " تفصيل الكتاب " فى القرآن يعنى " تعريب الكتاب " . لكنهم لا يقبلون بهده الشهادة و يصرون على طلب معجزة ، فيقول : " انما بشر مثلكم يوحى الى انما الهكم اله واحد فاستقيموا اليه " ( 6 ) – لكن كل الرسل من قبله كانوا بشرا مثله و ايد الله رسالتهم بالمعجزة .

و فى سورة ( الشورى ) ، الثانية و الستين ، نرى معنى نبوة محمد و موضوع القرآن . فهذه هى نظرية القرآن فى النبوة و الوحى و مراتبهما : " ماكان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا ، أو من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحى باذنه ما يشاء ، انه على حكيم . و كذلك أوحينا اليك

روحا من أمرنا : ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الايمان ، و لكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا ، و انك لتهدى 1 إلى صراط مستقيم ، صراط الله " ( 51 – 53 ) . فطرق الوحى ثلاث : الوحى المباشر ، ثم الوحى من وراء حجاب بالتكليم ، ثم الوحى بواسطة ملاك رسول ، و هذه الثالثة أدنى طرق الوحى . و هى التى كانت من نصيب محمد فى غار حراء : أرسل الله اليه " روحا من امرنا " أى روحا مخلوقا ، من عالم الامر ، لا " روحا منه " تعالى كما فى المسيح ( النساء 171 ) . و هذا الملاك هدى محمدا إلى الايمان باكتاب لان الله جعل الكتاب نورا يهدى من يشاء من عباده الى الصراط المستقيم ، فى الايمان بالكتاب . فنبؤة محمد كانت هداية الى الايمان بالكتاب المقدس . فآمن و اهتدى و اخذ يهدى العرب الى التوحيد الكتابى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا – و الذى أوحينا اليك – و ما وصينا به ابراهيم و موسى و عيسى
08-11-2005, 07:49 PM
إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الواقع القرآنى ينفى المعجزة عن محمد - بواسطة ضيف - 08-11-2005, 07:49 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  قصه أصحاب الفيل بين الواقع والأسطوره Arab Horizon 16 3,588 07-06-2014, 05:50 PM
آخر رد: JOHN DECA
  اللهم صللللللل على محمد وآلللللللل محمد الوطن العربي 18 2,039 03-29-2013, 01:03 PM
آخر رد: vodka
  الشيخ محمد الزغبي يرى النبي محمد للمرة 47 ويرى إبراهيم وموسى وعيسى مؤمن مصلح 10 5,585 02-17-2011, 07:34 PM
آخر رد: K a M a L
  عودة البرنامج التلفزيوني : المعجزة الكبرى (حلقات جديدة) مؤمن مصلح 0 1,594 09-09-2010, 01:30 PM
آخر رد: مؤمن مصلح
  اللهم صل على محمد و ال محمد على نور الله 3 2,009 07-02-2010, 01:28 PM
آخر رد: على نور الله

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS