جيل ثالث من المدن السكنية في مصر
مشروعات سكنية ضخمة بمليارات الدولارات يقودها القطاع الخاص وتراجع الدور الحكومي إلى الإشراف
القاهرة: هبة القدسي
شهدت القاهرة أخيرا، توقيع عقد من اكبر العقود العقارية لإنشاء مدينة سكنية متكاملة الخدمات في شرق القاهرة على مساحة ثمانية آلاف فدان بتكلفة استثمارية 60 مليار جنيه، أو ما يساوي 10 مليارات دولار.
ويعد هذا المشروع هو الأحدث والأكبر وحديث الساعة في السوق العقارية في مصر، رغم انه ليس الأول فقد سبقه في السوق مشروعان كبيران لإنشاء مدن سكنية متكاملة، الأول هو مشروع دريم لاند، الذي بدأ تنفيذه منذ بداية عام 1993.* والثاني هو مشروع مدينة الرحاب في عام 1997، وظلا المشروعين السكنيين الأضخم والأكبر من حيث المساحة والتكلفة الاستثمارية، وقامت بهما شركتان من اكبر شركات القطاع الخاص العقارية في مصر بجوار المشروعات السكنية الضخمة التي تقوم بها الحكومة المصرية وهيئة المجتمعات العمرانية في أطراف العاصمة والمحافظات المصرية الأخرى.
لكن يبدو أن التوجه الجديد هو إطلاق يد القطاع الخاص العقاري ليقوم بمهمة بناء المدن السكنية الجديدة الضخمة، تحت إشراف ورعاية وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية وخلال فترة العشر سنوات الماضية، ظهرت مشروعات لمدن سكنية على مساحات متباينة تقدم الخدمات الترفيهية والتعليمية من مدارس وملاه وأندية رياضية ومستشفيات ومراكز تجارية لتجذب قطاعا عريضا من راغبي السكن إلى هذه المدن السكنية الجديدة* المدينة السكنية الجديدة تحمل اسم «مدينتي»، وقد شهد الدكتور احمد نظيف، رئيس الوزراء المصري، بمكتبه الأسبوع الماضي، مراسم توقيع عقد بيع ثمانية آلاف فدان للشركة العربية للمشروعات والتطوير العمراني.
ويقول هشام طلعت مصطفى، رئيس مجلس إدارتها، إن المشروع الجديد يستوعب 600 ألف نسمة في 80 وحدة سكنية بإجمالي تكلفة استثمارية تصل إلى 60 مليار جنيه، وتوفر 50 ألف فرصة عمل مباشرة، ومائة ألف فرصة عمل غير مباشرة سنويا، على مدى عشرين عاما، هي مدة تنفيذ المشروع.
ويعمل المشروع على جذب خمسة مليارات دولار استثمارات أجنبية من خلال المشروعات الاستثمارية التي ستقام داخل المدينة، ويبلغ حجم الانفاق السنوي للمشروع 3 مليارات جنيه، كما يحقق للحكومة المصرية 12 مليار جنيه كإيرادات من الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
ويضيف هشام طلعت مصطفى: المشروع يأتي بعد سلسلة كبيرة من المشروعات السكنية الضخمة، مثل مدينة الرحاب التي نجحت في جذب قطاع عريض من المصريين للإقامة به بعد توفر كافة الخدمات المطلوبة في المدينة، كذلك مدينة الربوة بحي الشيخ زايد، ومدينة ماي فير بمدينة الشروق.
المشروع الجديد يضم إلى جانب الوحدات السكنية، 20 مدرسة تقدم ارقى المستويات التعليمية، و22 دور عبادة (مساجد وكنائس)، و10 مراكز تجارية عالمية على مساحة 150 فدانا، وناديا رياضيا على مساحة 150 فدانا، ومناطق حدائق عامة ومتنزهات ترفيهية وسياحية تضم ألفي غرفة، ومركزا عالميا للمعارض لجميع الصناعات المصرية، ومنطقة للمعاهد العلمية والجامعات، ومراكز تجارية، ومجمعا اداريا عالميا، ومتحفا يعرض تاريخ مصر.
ويقول هشام طلعت إن مدينة الرحاب كانت نموذجا مصغرا للتخطيط لمدينة سكنية ضخمة بهذا الحجم وهذه المساحة، وعندما نجحت مدينة الرحاب، وجدنا أن هذا يعد مؤشرا جيدا لشركات القطاع الخاص لتقوم بعملية التنمية العقارية في مصر، بالإضافة إلى أن التوجه المعلن من جانب الحكومة المصرية هو أن يقود القطاع الخاص خطط التنمية، بينما تتولى الدولة دور خلق البنية التحتية والمناخ المناسب للاستثمار. ويؤكد هشام طلعت مصطفى أن السوق العقارية في مصر تستوعب مثل هذه المشروعات الضخمة، لان الطلب موجود ويتزايد باستمرار، وهناك حركة توسعية ضخمة في البناء على أطراف القاهرة، خاصة أن تقديرات النمو السكاني لمدينة القاهرة فقط، التي يصل الآن عدد سكانها حوالي 16 مليون نسمة، سيصل بنهاية عام 2015، إلى 25 مليون نسمة.
المدينة الحلم
* ويؤكد المهندس الاستشاري عمرو عسل، المسؤول عن تنفيذ مدينة دريم لاند، ان هناك اتجاها متزايدا نحو تنفيذ مشروعات عقارية ضخمة، التي يطلق عليها ميجا بروجيكتز، وفي التعريف الذي وضعته منظمة المشروعات الضخمة في الولايات المتحدة للمشروع الضخم، هو ما تتعدى استثماراته حاجز المليار دولار، وأوضحت المنظمة أيضا في تعريفه انه مشروع له تأثير سياسي واقتصادي، بمعنى انه مشروع باستثمارات ضخمة، وتمويل هذه المشروعات تؤثر في الاقتصاد وتحتاج إلى موافقة السياسيين.
وكان أول المشروعات العقارية الضخمة التي أقيمت في مصر، مشروع دريم لاند في منطقة 6 أكتوبر، الذي بدأ عام 93 على مساحة ألفي فدان، لإنشاء مدينة متكاملة، بها مدينة ملاهي على مساحة 150 فدانا وأسواق تجارية على مساحة 50 فدانا، ومدينة جولف على مساحة 350 فدانا، ومدينة للفروسية والعاب البولو، بالإضافة إلى منطقة تنمية عمرانية على مساحة 900 فدان، ومدينة طيبة ومنتجع صحي ونواد رياضية ومنطقة للمباني الإدارية، وقامت بتصميم المشروع مجموعة شركات عالمية أمريكية وفرنسية وكندية وإيطالية بتكلفة استثمارية 3.2 مليار دولار.
وكان هذا المشروع تحديا كبيرا، خاصة مع عدم توفر الخبرة للمقاولين والمصممين المصريين لمثل هذه المشروعات الضخمة، وقد تم تنفيذ %55 من المشروع حتى الآن، بعدما واجهته عدة أزمات تتعلق بقروض البنوك للمشروع، ومدى سرعة السوق العقارية واستجابتها لمثل تلك المشروعات الجديدة.
ويقول المهندس الاستشاري عمرو عسل، لقد كان مشروع دريم لاند رائدا في سوق العقارات والمشروعات الضخمة وقد في المنطقة العربية وبعده ظهرت مشروعات مماثلة مثل مدينة النخيل بالإمارات، وظهرت أيضا مشروعات عقارية عربية في مصر، مثل مشروع شركة إعمار في منطقة المقطم، ومشروع بورت غالب بمنطقة مرسي علم بالبحر الأحمر، الذي تضطلع بها مجموعة الخرافي.
وكل مشروع لا بد أن تكون له سياسة واستراتيجية يستطيع بها أن ينافس في السوق، لذلك تقوم تلك المشروعات الضخمة على دراسات وافية للسوق العقارية، تحدد فيه حجم الطلب وحجم الفجوة في هذا الطلب العقاري وبأسعار ومساحات مختلفة.
ويحاول المشروع سد هذه الفجوة، لكن لا بد أن تمتلك الحكومة خطة لطرح هذه المشاريع العقارية الضخمة للمستثمرين، لان المنافسة أحيانا تكون ضارة إذا كان العرض اكثر من الطلب، أو كان عنصر المنافسة السعرية هو الحاكم في السوق، مما يؤدي إلى المضاربة والتأثير على السوق العقارية.
ويشير خالد أنور، مدير التسويق بشركة العبور للاستثمار العقاري، التي تمتلك مشروعا سكنيا في شرق القاهرة، أن السوق تستوعب مشروعات سكنية ضخمة ومتوسطة وصغيرة بشرط التنسيق والتنظيم الجيد بينها، وهذا هو دور الدولة في مساعدة المستثمرين وتنمية المدن التي تتم عليها هذه المشروعات وتوفير الخدمات المتمثلة في المدارس والمستشفيات. ويؤكد خالد أنور، أن المشروعات الضخمة افضل بكثير من المشروعات الصغيرة، لأنها تحقق خفضا في التكلفة نتيجة الإنتاج الضخم، مما يقلل من التكلفة. مشيرا الى أن المشروعات تختلف تبعا لإمكانات كل شركة عقارية، وهي التي تحدد التخطيط والخدمات التي ستوفرها للمشروع وفقا لقدراتها المادية ووفقا لدراسة السوق. ويشير إيهاب جابر، المدير الإداري لشركة العمران التي تمتلك مشروعا سكنيا ضخما في مدينة 6 أكتوبر، الى أن مشروعه تضمن عمارات سكنية و«مول تجاري» ومستشفى استثماريا ومدرسة وسينما وغيرها من الخدمات داخل المدينة السكنية، التي يتم تنفيذها بتمويل كويتي، وتنفيذ مصري. مشيرا الى أنها مدينة اصغر بكثير من مدينة دريم لاند، ولا يستطيع عقد مقارنة بينها وبين مدينة دريم لاند. مشيرا كذلك الى أن الاختلاف في المساحات والأسعار والتخطيط المادي المعماري، يقيد كل مدينة سكنية، لأنها تقدم خدمات متنوعة وفقا لرغبات الشراء.
أما حسام عبد الحليم، المدير التنفيذي لشركة «المهندسون المصريون»، فيؤكد أن السوق العقارية تستوعب المزيد من المشروعات العقارية، سواء على المستوى الضخم أو المتوسط. مؤكدا أن عدد المشروعات المقامة حاليا لإقامة مدن سكنية على المستوى المتوسط والكبير، يبلغ 14 مشروعا، ويعتمد كل مشروع على التوجه لطبقات معينة من المجتمع المصري، وكل مشروع يبني تخطيطه على توقعات وتنبؤات للبيع معتمدة على دراسة السوق وتقديم أفكار جديدة مبتكرة. وفي إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، نجد أن السوق العقارية تتطلب 750 ألف وحدة سكنية للشرائح المتوسطة من الداخل، و240 ألف وحدة سكنية لمحدودي الدخل سنويا، وهذه أرقام ضخمة في هاتين الفئتين فقط، ولا توجد مشروعات سكنية تغطي هذا الحجم من الطلب العقاري. ويؤكد حسام عبد الحليم، أن كل مشروع لا بد أن يعتمد على رؤية وليس مجرد ارض يتم بناء عمارات عليها، لكي لا يحدث تضارب في وجود خدمات متشابهة. مشيرا الى أن التوجه الجديد لهذه المشروعات يخلق جيلا ثالثا من المشروعات العقارية التي تضطلع بها شركات القطاع الخاص العقارية بعد زمن طويل من التخطيط والتنفيذ الحكومي لمدن سكنية على أطراف العاصمة.
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?s...7339&issue=9755