من يقف وراء الأرهاب في العراق؟ - يوسف فضل

[18-08-2005]
يبدو ان هذا السؤآل فيه غرابة لأن الجهات التي تدعي المسؤلية كثيرة وهي تتسابق الى تبنيها او تبقى يتيمة بلا مدعي. وليس المعني هنا الجرائم التقليدية بل السياسية. ولا يهمنا الدوافع لتلك الأدعاءات والأعلانات ولكن المهم هو الكشف عن الفاعل الحقيقي والمستفيد من هذه الأنشطة المشبوهة. ان الكشف عن الأيادي التي وراء الأرهاب بالعراق او غير العراق ليس بالأمر البسيط. فان الأيادي التي تقترف مثل هذه الأعمال محترفة للقتل والتدمير وليست بسيطة او عادية. ان العمليات التي تقوم بها هذه المنظمات الأرهابية ليست اعمال منفردة بل تحتوي على خبرة تنظيمية وتقنية ولوجستية معقدة والتي تعني بالضرورة ان وراءها جهات تملك امكانات غير عادية.

لأجل ان يكون البحث موضوعيأ فان الدراسة تحتاج الى شواهد وادلة مادية. والأدلة المادية التي تشير الى الجنات او من يقف ورائهم غير متوفرة. وهذا دليل آخر على قدرة الجنات على اخفاء الأدلة الثبوتية التي تدينهم.

لنستعرض الجهات التي يمكن ان يكون لها مصلحة في ارباك الأوضاع واشاعة الفوضى بالعراق. ولعل هذا السبيل سيسهل ويحصر الأحتمالات التي تقف وراء هذه الجرائم.

السلطة الصدامية:

ان حزب البعث الصدامي هو اول المتضررين من الوضع الحالي. وان صدام توعد في احدى خطبه ان العراق سيسلم ارض محروقة للذي يحلم بالسيطرة عليها. وحينما ندقق اكثر في طبيعة الأعمال التي تقترف والأغتيالات التي تجري والتفجيرات التي تستهدف الكهرباء والماء والوقود والأتصالات فهي تدل ان الجهات تلك على علم دقيق بالمفاصل التي تتحكم بهذه المنظومات الحيوية. وان عصابات حزب البعث لها القدرة للحصول على هذه المعلومات. وحينما تظهر الى السطح منظمات تحمل مسميات اسلامية مقبولة لدى الشارع ولكن ليس لها امتدادات شعبية ولا تأريخ فان ذلك يشير الى نشاط حزب البعث الصدامي. ويتعزز هذا الأعتقاد حينما ترتبط بعض هذه الأنشطة بضباط الخابرات ورموز من السلطة السابقة. وهناك تعبئة للشارع السني ضد العملية السياسية الحالية والتي تشكل تعاطفأ بحدود ما والسكوت عنها ان لم يكن تأييدأ نشطأ اعلاميأ ولوجستيأ كتقديم المأوى والغذاء والخطب المؤيدة في المساجد وغيرها.

ويعزز هذا الأحتمال حينما نلاحظ الأنشطة الأرهابية تقع في نقاط حساسة وفيها تداخل اثني ومذهبي مثل بغداد ومناطق جنوب بغداد والحلة وكركوك وبعقوبة. بينما تختلف الأعمال التي تجري في مناطق الرمادي وصلاح الدين والموصل وتتخذ طابعأ اقل عشوائية ودموية.

عصابات القاعدة:

ان عصابات القاعدة هي الأخرى احد الجهات الرئيسية التي تقول انها وراء الكثير من الأعمال الأرهابية والتي تصفها بالأعمال الجهادية. وهي تبرر قتلها للأبرياء من الشعب العراقي بحجج واهية كتمترس العدو بالمسلم في الحرب. ولا اعرف من هو الغبي الذي يمكن ان يصدق مثل هذه الأدعاءات. فاين هو العدو في محطة سيارات النهضة والعلاوي ومستشفى الكندي؟ واين هو العدو الأمريكي في النجف وكربلاء والحلة؟ واين هو العدو في التصفيات على الهوية؟

هل الفكر الوهابي والسلفي هو المسؤل عن هذا الخطل في التفكير؟ هل العطالة المتفشية في المجتمع السعودي والعربي بشكل عام هي المسؤلة عن انخراط الشباب في هذه الأعمال الأجرامية والتي تصور لهم انها بطولية وتكسب رضى الباري وتصنع مجدأ للأمة؟

ولكن اعضاء القاعدة في العراق لا يمتلكون القدرة على التحرك والوصول الى اهدافهم لأنهم غرباء عن المنطقة والأغلبية الساحقة لا تمتلك القدرات الذاتية على تنفيذ مثل تلك العمليات المعقدة. فمن يقف وراءهم ومن يمدهم بالمعلومات ويقدم لهم المأوى والسلاح وامكانات التنقل؟ لعل القوى الصدامية هي الأكثر استفادة وقدرة على القيام بمثل هذا الدور.

الولايات المتحدة الأمريكية:

هل للولايات المتحدة مصلحة في ارتباك الأوضاع بالعراق؟ يبدو ان هذا السؤال غريبأ لكنه وارد ومحتمل. ان الأوضاع السياسية الداخلية في العراق تسير على غير رغبة التخطيط الأمريكي وهذا لا يروق للمخطط الأمريكي. فلا بد من تصحيح مسار الأحداث وجعلها تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية؟ ويمكن ان تقوم المخابرات بأعمال مدروسة وليس بالضرورة ان تنفذها الوكالة نفسها بل تقوم بها بالوكالة جهات اخرى بعيدة عن الشبهة كما حدث لتفجير وحرق السافاك لدار السينما في زمن الشاه.

ويبدو من قراءة المصالح ان الولايات المتحدة يهمها تدفق النفط من العراق بأقرب فرصة وتنتظر استتباب الأمن من اجل الدخول للسوق العراقية الواعدة لشركات الأستثمار والبنوك والتجارة والصناعة. وكذلك ان جيشها يتحمل خسائر كبيرة وبدأ الداخل الأمريكي يتململ من تحمل هذه الأعباء المالية والبشرية والسياسية. وهي كذلك تقود حملتها على الأرهاب وتريد ان تحقق نصرأ في العراق وجعله نموذجأ للعالم العربي والأسلامي.

يضل الموضوع فاقدأ لأدلة قاطعة لأن ميزان المصالح لا يمكن ترجيحهافي الوقت الحاضر على الأقل.

دول الجوار العربية:

هل الكويت او السعودية او الأردن او سوريا او دول الخليج او مصر لها مصلحة بأضطراب الأوضاع بالعراق؟ ان كل الدول المذكورة لها مصلحة في استتباب الأمن وكذلك في عدم استتبابه استنادأ الى رؤى قادتها. فالعراق الضعيف الفاقد للأرادة سيكون ميدانأ جيدأ اقتصاديأ لكل الدول العربية فهو يشكل منفذأ لتسويق عمالتها ومنتجاتها وكذالك سوقأ رابحة للتبادل التجاري استيرادأ وتصديرأ. وفي نفس الوقت ان عراقأ مستقرأ قويأ سيحقق مكاسب تجارية لكل دول المنطقة. وتبقى تصورات القادة واصحاب القرار السياسي كيف يرون الأمور؟

ماذا تخلق التوجهات الأمريكية السياسية والأقتصادية من توجسات؟ من حق سوريا ان تتوجس من اهداف الولايات المتحدة في المنطقة. ومن حق المملكة العربية السعودية ان تتوجس كذلك وكل دول الخليج. حيث ان حكوماتها لا تستند الى قواعد حكم ديمقراطية ومن حقها ان تخاف على مستقبلها السياسي.

والأمر لا يتعلق بأنظمة الحكم فقط بل يتعداه الى تداخله مع تشابك المصالح الأسرائلية ومستقبل المنطقة السياسية والأقتصادية. وان هذا الموضوع يشكل منطقة حساسة. فالأعلام العربي له وجهان. الأول ضد التواجد الأمريكي في العراق وهذا منطقي. ويظهر ذلك من خلال الأعلام وتصريحات المسؤلين المبطنة.

ولكن دول الجوار العربي هي الأخرى مرشحة لعمليات ارهابية كالتي تحدث في العراق وفي مقدمتها سوريا والأردن ومصر. ولذا فان سياستهاغير متوازنة حاليأ فهي تشن حملة شعواء على الأرهاب الذي يطالها وتدير وجهأ عن عمليات الأرهاب في العراق!

دول الجوار غير العربية:

ان تركيا لها مصلحة اكيدة في استقرار العراق للعديد من الأسباب منها معالجة الخروقات التي تحدث لحدودها مع العراق وعلاقتها بالمسألة الكردية والوضع الأمني لديها. ومن جهة اخرى ان تدفق النفط والتجارة يمكن ان تتطور اجابيأ لصالح تركيا والعراق معأ.

اما العلاقة بايران فان الموضوع يختلف لأسباب كثيرة منها علاقة ايران المتوترة مع الولايات المتحدة وطموحات ايران السياسية في العراق والمنطقة. ان دولة ايران لها روابط عميقة مع العراق اقتصادية وثقافية وسياسية واثنية وجغرافية. وهناك تداخلات عميقة بين العراق وايران وخاصة بعد الثورة الأسلامية الأيرانية.

الحرب العراقية الأيرانية والتسفيرات التي طالت العراقيين من اصول ايرانية او شيعية او تخالف السلطة الصدامية او تداعيات الحرب وما تبعها من اسرى ومفقودين ومهجرين وكذلك المنظمات السياسية والعسكرية التي ولدت في رحم دولة ايران كالمجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق ومنظمة بدر او المرجعيات الدينية في النجف وكربلاء لها صلات وثيقة وعضوية بايران. وحينما يستعرض هذا الموضوع فان القصد منه استعراض حقائق موضوعية وليس التعرض لهذه العلاقات بالقدح او المدح.

ولذا فان الشأن العراقي يهم بعمق ايران ويؤثر حتى على الوضع السياسي الداخلي برمته. والوضع في ايران يؤثر على الشأن الداخلي العراقي كذلك وبدرجة كبيرة. ولذا فان ايران تلعب دورأ كبيرأ في مجمل الأحداث في الداخل سلبأ وايجابأ من خلال المنظمات المنظورة وغير المنظورة. البصرة والعمارة والسماوة وكل الجنوب العراقي يشهد نشاطأ ايرانيأ كبيرأ على المستوى المنظمات المدنية كالمدارس الدينية وتمويلها او مؤسسات الدولة على مستوى المحافظة والبلدية وكذلك السيطرة على المليشيات المتناثرة تحت اسماء وواجهات متعددة. ولن يقتصر هذا التأثير على هذه المساحة فقط بل تعدها الى مؤسسات الدولة الحساسة كاستلام وزارات لها دور مفصلي في البلاد.

ولكن ماذا تريد ايران من العراق مرحليأ ومن العراق مسقبلأ؟ على ضوء تحديد الأجابة يمكن ان نستنتج السوك الأيراني اتجاه العراق والعملية السياسية في العراق.

اعتقد ان ايران يحكمها عاملان باتجاه العراق:

الأول: دفع الضرر المحتمل من وجود القوات الأمريكية وما يترتب على هذا الوجود من تحريك متاعب لها في المنطقة العربية والكردية وغيرها بالأضافة الى منظمة مجاهدي خلق التي تصنف بالأرهابية. وهذا الخطر جدي وحقيقي وقد بدأت تباشيره تظهر في الآونة الأخيرة في مسرح الداخل الأيراني.

الثاني: السيطرة على القرار السياسي العراقي وربطه بالقرار الأيراني. وان عدم تبعية القرار العراقي للقرار سيشكل معضلة للحكم السياسي الأيراني لما يحتوي من مفاهيم دينية عن ولاية الفقيه الخ

ولكن هل يمكن لأيران ان تقف وراء عمليات ارهابية شنيعة كالتي تقع حاليأ في العراق؟ اني استبعد ذلك. والمحتمل ان اشخاصأ غير منضبطين تدفعهم مصالح شخصية يستخدموا واجهات ايرانية لتمرير اعمالهم والتي لا اظن انها تقع في مساحة موضوع البحث.

نعم ان ايران لا يروق لها استتباب الأوضاع في العراق لصالح الولايات المتحدة. ولكن الأمور تسير في سباق بينها وبين الولايات المتحدة في كسب مواقع القرار! فليس من المنطق ان تفجر الأوضاع وان كان في مصلحتها ان تجعل القوات الأمريكية غير مستقرة. ومن المحتمل ان تزود بعض المقاتلين العراقيين او غيرهم بالسلاح والدعم المادي ولكن من المستبعد ان تدعم عمليات ارهابية.

اسرائيل:

الصهاينة يحلمون بتأسيس دولة من الفرات الى النيل! وقد نجحوا بتأسيس دولة اسرائيل عام 1948 وبتوسيع هذه الرقعة عام 1967. وان لديها مشاريع كبيرة ومخططات طويلة الأمد للصيطرة على المنطقة. اليسوا هم شعب الله المختار؟ فلهم الحق اذن ان يستحوذوا على خيرات هذه البلاد ويعطوا الفتات لمن يستحق او لا يستحق! فهم اسياد العالم والمال. وان القرا السياسي في الولايات المتحدة لا يمكن ان يمر بدون مباركتهم ورضاهم. فالمنظمات الصهيونية تلعب ادوارأ مهمة اقتصاديأ واعلاميأ وسياسيأ في اغلب ميادين المجتمع واتخاذ القرار السياسي. وما نشاهده من دور امريكي في القضية الفلصطينية شاهد.

ماذا تريد اسرائيل من العراق؟ من المحتمل ان هدفها كان الدخول الى السوق العراقية والسيطرة على المفاصل الرئيسية للأقتصاد ومن ثم تطويع المؤسسات في الدولة والمجتمع المدني باسلوب مباشر وغير مباشر.

ومن المحتمل ان يهدف الصهاينة الى تمزيق النسيج الأجتماعي للمجتمع العراقي وتفتيت العراق الى دويلات يسهل التعامل والصيطرة عليها. وهذا الأحتمال اقرب للتفكير الصهيوني وهذا ما بشبر له بعض مفكريهم. وان القاعدة قد تكون هي اليد الساذجة التي تنفذ المشروع الصهيوني في المنطقة. والدليل المحتمل هو المؤشرات التي تقول ان الصهاينة كانوا على دراية بأحداث 11 ايلول وعلى علم باحداث شرم الشيخ ! نعم يمكن ان تكون معلومات استخباراتية فقط ويمكن ان تكون القاعدة مخترقة وتقوم باعمال تحقق اهداف الصهيونية العالمية. واني اعتقد ان الأحتمال الثاني هو اقرب للواقع لأن مثل هذه الأعمال يمجها الذوق الأنساني فضلأ عن الذوق الأسلامي!

يوسف فضل