إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها

هذا ما قاله ابن خلدون قبل قرون وقبل نشوء مفاهيم علم النفس الاجتماعى

فالانتصار والهزيمة هى مفهوم معنوى ونفسى بالاساس وليس مادى بحت .. الهزيمة تبدا عندما تبدا بالاعجاب والاحترام لعدوك وان تسعى للخضوع له وان تصبح اقصى احلامك ان يطبطب هذا العدو على كتفك ويشعرك انه راضى عنك وذروة السعادة عندما تشعر انك تتماهى معه وانك اصبحت تشبهه و لا تشبه ذاتك التى تبدا باحتقارها و البصق عليها والبصق على كل بنى قومك لانهم يشبهوا هذا الشىء الموجود فيك والذى تحتقره وتحاول ان تتخلص منه


الذى ذكرنى لقول ذلك هو ما كنت اقراه قبل قليل فى الصحافة العبرية فاحد كتابهم يشرح لنا مثلا كيف انه لاول مرة هذا الفلسطينى الذى كنا نحتقره كمهزوم سابقا اصبح لنا الان شيئا مخيفا هو الشىء الذى نكرهه لكنه الشىء الذى بدأنا نخشاه ونحترمه فهو اصبح قادرا على قتلنا وان يقف معظم العالم ليشجعه على ذلك


وهذا ما يقوله كاتب اخر فى هاريتس فى تفسير اسباب بدا تفكك مشروعهم الاحتلالى الاستيطانى..سانقله حرفيا


ولكن فهم المنطق من وراء الاستيطان في غزة لا يتطلب الايغال حتى الجدالات الايديولوجية حول العلمانية والخلاصية الاصولية. من الأفضل ان نتذكر منظومة العلاقات التي سادت بين اليهود والفلسطينيين في الفترة التي أقيمت فيها المستوطنات. "العرب" كانوا حينئذ جزءا لا يتجزأ من المشهد الاسرائيلي العام. فقد عملوا في محطات الوقود والمطاعم والبناء وحقول التوت. أرباب عملهم اعتادوا على اطلاق أسماء عبرية عليهم لارضاء الزبائن، وهكذا تحول احمد ومحمد الى موتي وروني. على مداخل المدن ازدهرت "أسواق العبيد" الذين يأتون من غزة ونابلس وطولكرم بمساعدة "الرئيس صاحب التَنْدَر" أملا في الحصول على عمل لدى مقاول اسرائيلي ما.

هذه المشاهد اختفت منذ زمن طويل، ولكن من جرب تلك الفترة يجد صعوبة في نسيان نظرات "عمال المناطق" الخانعة المستسلمة. هم كانوا مهزومين ودفعوا ثمن الهزيمة من خلال عملهم الرخيص في اسرائيل. في ظل هذا الوضع لم يكن بناء المستوطنات يبدو جنونا مستحيلا. "العرب" الذين لم يحظوا حتى ذلك الحين بالاعتراف بهم حتى "كفلسطينيين" تقبلوا كل شيء. صحيح أن غزة كانت مكتظة وعنيفة حتى في السنوات الاولى من الاحتلال، وان الاسرائيليين تجنبوا التجول في داخلها، إلا ان شارون تفاخر في عام 1971 أنه قد قضى على (الارهاب) هناك. لم يكن هناك سبب للقلق.

وعندما تعززت قوة الفلسطينيين واشتد عودهم وتمردوا بدءا من كانون الاول 1987، اضطرت اسرائيل لجر أذيالها من غزة. بداية من المدن الفلسطينية ومن مخيمات اللاجئين في اطار اتفاق اوسلو، ومن ثم من المستوطنات في ختام الانتفاضة الثانية. هذه كل الحكاية. المعطيات والدلائل تشير الى تزايد متواصل ومنهجي في عدد القتلى الاسرائيليين في قطاع غزة. في اليمين يفسرون ذلك على أنه برهان على فشل "سياسة اوسلو"، ولكن من الممكن النظر الى ذلك بصورة معكوسة: الانسحاب الاسرائيلي الطويل من غزة الذي استغرق 12 عاما كان نتيجة للعنف الفلسطيني وليس سببا له.

أبو مازن محق عندما ينسب الخروج الاسرائيلي للكفاح الفلسطيني. فلو بقي الفلسطينيون خانعين منصاعين، لما خطر ببال أحد أن ينسحب من غزة أو من أي مكان آخر في المناطق