{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى
Jerry غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2001
مشاركة: #1
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى


بداية وقبل كل شيء عليّ أن أبدأ بشكر خاص للعزيز العلماني الذي علّمنا أن نؤرخ للقاءاتنا بمن نحبهم، وأعترف هنا ‏بكم فاتني وكم ضاع مني وكم خانتني أصابعي في التأريخ للقاءات كانت جديرة بان تكتب بماء الورد. ‏

حديث ليلي أشبه بالمعتاد متى ما تحينت الفرصة أو سنحت لنا الظروف، شجون مشتركة وأحاديث تخبو وتطفو تبعاً ‏لحالة المزاج العام، ما لم أكن أتوقعه هو ذلك السؤال المباغت من العزيز العلماني .. ‏

العلماني: أين أنت الآن جيري؟
جيري: لم أبرح يافا منذ فترة! لم تسأل؟
العلماني: لأنني قادم إلى أرض الوطن قريباً .. خلال أيام!‏
جيري: يا لروعة الآلهة إذن سنلتقي. ‏

جرت الأيام وأنا بانتظار وصول الغالي، ومساء وصوله كنت مع أصدقاء عبر الماسنجر، سألوني إن كان وصل؟ ‏فقلت يصل بعد ساعة أو أقل قليلاً، مضت الدقائق تجر واحدتها أختها، رفعت سماعة الهاتف وسجلت رقما كان ‏أعطنيه قبل سفره .. اتصلت .. فرد عليّ صوت أجش تحس به قادماً من عبق التاريخ وأناقة الحاضر، وعلى جهوريته ‏تحس بدفء عجيب يدفعك لتخير ألفاظك بدقة وأنت تسأل أبسط الأسئلة التي مرت في التاريخ .. هل وصل؟

لم أكن أدري أنه مع الأيام ستكون لي قصة مع ذلك الصوت الأجش على قصرها إلا أنها من الثراء بما يكفي لكتابة ‏موضوع مستقل .. المهم أنه وصل .. فطلبت التحدث إليه .. كان صوته الذي أسمعه للمرة الأولى دافئاً حنوناً أكثر ‏بكثير مما كنت أرسمه بمخيلتي، مندفعا وعفوياً أكثر مما كنت أظنه في صديقي الفيلسوف الرائع، لكن الأهم أن ‏يحضنك بصوته حتى أنك تشعر بدفء كلماته يعبر بين ضلوعك وقلبك.‏

فاجأني أنه تفاجأ بلهجتي .. فما كنت ذات يوم أظنُّ أن لهجتي العامية على سجيتها مفاجئة لأيٍ كان بحال من الأحوال، ‏حتى أنه قال لي .. ها أنت تتحدث مثلنا!! لا أخيفكم أي شعور بارد وعاصف اجتاحني في تلك اللحظة أحسست بأن ‏الاعتقاد السائد بين بعض الرفاق والأصدقاء هو أنني كائن فضائي غير محدود بزمان أو مكان. ‏

محادثة الهاتف عندي كما الماسنجر لا تحمل في طياتها أكثر من أنك تزيد في وضوح خطوط الصورة المنطبعة في ‏مخيلتك والتي رسمتها لصديق من خلال حروفه وعبر كلماته على مر السنين، لكن ما وراءها كان بمثابة اختراق ‏جدار كوني كان تخيله أقرب إلى تخيل الفضاء اللا متناهي أبداً، فواصل وموانع خلقتها الجغرافيا وعززها التاريخ ‏وربطت عليها المادة تنهار فجأة كقطعة زبدة في مقلاة. إذن هي قهقهة فموعد فلقاء.‏


برنامج عملي الممتلئ وأجندتي المتخمة فيهما ما يكفي ليقضم يومي نهاره وليله قضمة واحدة، لذا بدأت أعيد رسمه ‏وتشكيله أسترق الدقائق من هنا وهناك، فغداً رحلة طويلة في سبيل لقاء دام انتظاره طويلاً، ولهذا الإنتظار قصة بحد ‏ذاتها لعلي أعرج عليها لاحقاً.‏

في صباح اليوم التالي بدأت يومي مستعجلاً، أريد أن اقضم من النهار ما أستطيع قضمه قبل أن يقضم عملي يومي، ‏بعد سويعات كان صوت العلماني واتصال متوقع منه يمر عبر الأثير وصولا لهاتفي، وبعد سنين من الحديث في ‏سراب الإنترنت بدأ الحديث عبر بدالات الهاتف الرقمية. ‏

بدأنا نخطط لكيفية ومكان اللقاء خاصة أنه بقيت مسافة تفصلنا لا تقل بحال عن المائتين والخمسين كيلو متراً، عقبة ‏تبدو هشة غير ذات قيمة حين تبدأ بالإتفاق على تحديد موعد وزمان اللقاء، فجأة خطرت لصديقي فكرة أن نستعين ‏بالتكنولوجيا لحل مشكلة اللقاء، وهي أن أركب القطار بدل السيارة، فالقطار ذو مواعيد محددة، ومحطات تبدو راسخة ‏بأماكنها أكثر من رسوخ محطات نمر فيها عبر حياتنا. لا بأس، الأمر عندي سيان ما دام الهدف واحداً إذن سأستقل ‏القطار وسأصل حتى نهاريا.‏

في يافا كان يوماً صيفياً حاراً، وفوق حرارته رطوبة تكاد تجزم معها إن كنت مؤدب الألفاظ أنها تشعرك وكأن تسبح ‏في طاسة من الشوربة، وإن كنت على أسوئها تجزم أنها كالسباحة في بول بعير أجرب قتله حر الصحراء.‏

يافا تلك المدينة التي كانت ذات يوم عروس ساحل فلسطين منذ القرن العاشر قبل الميلاد، تلك المدينة التي إشتهرت ‏بحمضياتها وبرتقالها الذي كان يصدّر عبر المتوسط إلى مصر واليونان لم يبق فيها سوى بضع شجيرات، على قدر ‏تلوث المدينة قد تطعم إحداهن دون خواتها.‏

يافا مدينة عريقة بذاتها وطبيعتها مهما تبدل عليها الزمن، إسمها مشتق من الكلمة الكنعانية "يفيه" وهي تعني الجمال، ‏وانتقلت هذه الكلمة الكنعانية إلى العبرية ولا زالت تعني الجمال رغم أن إسم المدينة بالعبرية كما جاء توراتياً هو ‏‏"يافو". وقد ورد أقدم تسجيل لهذه المدينة التي ستسحرك أياً كان حالها من الكتابات الهيروغليفية، حيث ورد إسمها ‏‏"يبو" مع ملاحظة قلب الباء إلى فاء في اللغة المصرية القديمة. كما ورد إسم المدينة بعد ذلك ببردية مصرية أيضاً ‏تؤرخ للإحتلال المصري لشرق المتوسط في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وتعرف ببردية أنستازي الأول. كما ورد ‏ذكرها في ضمن المدن التي استولى عليها الملك الآشوري "سنحاريب" عام 701 قبل الميلاد، وقد جاء ذكرها في ‏نقش عرف باسم نقش (لاشمونازار) لأمير صيدا، والتي يخبر بها أن ملك الفرس في القرن الخامس قبل الميلاد قد ‏منحه يافا لقاء أعماله الجليلة.‏

انتهى الحكم الفارسي لفلسطين عام 331 ق.م، بعد أن هزم اليونانيون الإغريق بقيادة الإسكندر المقدوني (356 -‏‏323 ق.م) فدخلت فلسطين في العصر الهلينستية، الذي امتد حتى عام 324 م، عندما انتقلت مقاليد الأمور ‏بفلسطين إلى البيزنطيين. الحضارة الهلينستية هي مزيج بين الحضارات الشرقية واليونانية وكانت مدينة ‏الإسكندرية مركزاً لها، وقد كان الاسكندر هو صاحب فكرة دمج الحضارات في حضارة واحدة. وقد عرف ‏قاموس المصطلحات المصري الهيلينسية:"أسلوب من الفن اليوناني أو المعماري أثناء الفترة من موت الاسكندر ‏الأكبر عام 323 ق.م حتى ارتقاء أغسطس قيصر عام 27 ق.م. وتشير الأدلة إلى أن مدينة يافا قد حظيت باهتمام ‏خاص في العصر الهيلنستي حيث اهتم بها اليونانيون كمدينة ومرفأ هام على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، ‏تمثل قاعدة هامة بين بلادهم وفلسطين، في فترات تميزت بالاتصال الدولي والنشاط التجاري بين بلاد الشام ‏والأقطار العربية المجاورة، وبلاد اليونان، وجزر البحر المتوسط.‏

ودون أن أتمادى في الغوص في التاريخ، فيافا مدينة العصابات والمخدرات، ستأسرك أيا كانت أحوالها وأيا كان ‏المناخ حولها، يافا وتل أبيب إسمان لمدينة واحدة من ناحية التنظيم البلدي، وإن كانت الثانية في الماضي مجرد حي ‏في الأولى فمع تغير الموازين أضحت الثانية مجرد أحد أفقر الأحياء في الثانية إذا ما إستثنينا حي الأمل "شخونات ‏هاتيكفا". مترامية على شاطئ البحر تحس تارة أنه يحتضنها وأخرى تتمنى لو أنه يبتلعها .. تقتلك حرارتها الأشبه ‏بحرارة الصحاري، مضافاً إليها رطوبة تكاد تطبق على الأنفاس المتبقية في صدرك، لتحول وجهك وجسدك إلى ‏مزاريب مفتوحة للعرق. ‏

لأنني تخليت عن سيارتي الفرنسية الشابة "نوعا ما" أستقل الحافلة لأصل إلى محطة القطار، والأفكار تتزاحم في ‏رأسي محاولا أن أناقش على عادتي حيثيات لقاء ينتظر له أن يتم، لبرهة أغرق في تفاصيل أرصفة القطارات لأتمكن ‏من الوصول إلى رصيف القطار الذي يتوجب علي أن أستقله، أقوم بقطع التذاكر وهنا لا يكاد يختلف النظام عنه في ‏مثيلاته الأوروبيات. ‏

أصل إلى الرصيف المفترض، أقف هناك، بقيت أربع دقائق لوصول القطار السريع، أشعل لفافتي من نوع مالبورو ‏‏"السيجارة الأكثر تهريباً في العالم" وأعض عليها وكأنني أريد شفطها قبل أن تشفطها مني دقة مواعيد القطار ‏السويسرية الطبع والطابع. ‏

ينطلق القطار على سكته وفي الطريق محطات لكل منها سمة وميزة وقصة مستقلة بحد ذاتها. تتقاذفني الأفكار من هنا ‏وهناك، فلقاء العلماني ليس أول لقاء لي بأشخاص عرفتهم من خلال هذا النادي العظيم أو عبر الإنترنت، إلا أن لهذا ‏اللقاء لما يجمعنا نكهته الخاصة. فالعلماني شخص تحيرك كلماته حين تقف أمام جفائها لتلخبط لك كل الأوراق التي ‏رسمته عليها سابقاً، وزاد في الحيرة حيرة ذلك الصوت الجهوري الحنون، جامع للمتناقضات من كل حدب وصوب، ‏وتلك لعمري ميزة قل أن تجد من يتمتع بها.‏

الشمس الحارقة تأبى وهي تتهاوى إلى البحر إلا أن تحرقني مخترقة نافذة القطار بزجاجه الملون، وستائره الواقية من ‏الشمس ومتحدية لكل أجهزة التكييف بالعالم وكأن لها ثأراً شخصياً معي، يدفعها لتجفف مني آخر قطرات الماء ‏المتبقية في جسدي على هيئة عرق تحتار في أمره إن كان يسيل على جسدك أو يتبخر من حولك ليزيد على شعور ‏الحرارة شعوراً بالغرق.‏

ويتهادى القطار على سكته، ومع سرعة مروره تحس بأن كل شيء يتحرك إلا أنت والبحر فكلاكما ثابت ثبات التاريخ ‏على الجغرافيا، وتغوص في أفكارك وكبواتك حتى توقظك الإشارة بأنك قد دخلت إلى حيفا.‏

بيوت تتناثر على شاطئ البحر، تكاد تحسد أصحابها على روعة الموقع وجمال الحديقة وإطلالة لا يفصلها عن البحر ‏إلا فحجات قدم، وتكاد تجزم بعروبتها وأنت ترى الأطباق اللاقطة تتهادى على أسطحها، وما هي إلا لحيظات حتى ‏تتفهم في أي جحيم يعيش هؤلاء الذين كدت تحسدهم للحظة، فميناء الحاويات لا يكاد يبعد عنهم أمتاراً معدودة .. ‏ونظرة سريعة إلى الكم الهائل من الحاويات المتناثرة في كل مكان يشعرك بأن الصينيين قد بدءوا بالفعل غزو العالم. ‏في كل شيء وعلى كل صعد.‏

حيفا تلك المدينة التي كانت جميلة إلى حد الجنون أصبحت المدينة الملوثة إلى حد الجنون، كان شعارها تعال واستنشق ‏هواء الكرمل، نتحداك إن شممت بحياتك هواء عليلاً كمثل هذا العبق الرهيب، أما اليوم فتعال وضع كمامة، لتلازمك ‏من أول الطريق حتى خروجك من المدينة وإلا فإن الملوثات الفتاكة المنتشرة في جوها ستفتك بك وستأتيك بالسرطان ‏الرهيب ليقضي لك على أية بقية باقية في صحتك. ‏

يمر القطار مسرعاً عن تلك المدينة الرائعة، والتي لي بها من الذكريات قدراً قد يعجز عن إحصائه ذاك الذي عد ‏رملات البحر. وتعود الأفكار تتخبط في رأسي، فالمسألة بضع ساعة أو أقل قليلاً وسأصل إلى المحطة الأخيرة، هناك ‏حيث سألتقي بالعزيز العلماني...‏

‏>>> يتبع
09-22-2005, 03:44 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
يافا، حيفا، عكا والعلماني.. وأشياء أخرى - بواسطة Jerry - 09-22-2005, 03:44 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  مقاه زمان (في بيروت ... ولربما في أمكنة أخرى بعدها ) .... العلماني 2 1,153 06-07-2012, 02:29 PM
آخر رد: العلماني
  الجوكر و أنا و أمور أخرى NigHtMaRE 11 2,644 06-30-2011, 03:14 AM
آخر رد: الجوكر
  فوبيا الصليب ... ظاهرة مرضية أخرى Free Man 6 3,025 11-26-2010, 11:42 AM
آخر رد: Free Man
  مبروك يا علماني سينقلونك من حيفا الى رام الله بسام الخوري 9 2,311 10-03-2010, 08:29 AM
آخر رد: بسام الخوري
  الزهق ، الملل وأشياء أخرى كائن فضائى 0 938 09-07-2010, 05:40 PM
آخر رد: كائن فضائى

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 4 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS