جقل
عضو متقدم
   
المشاركات: 678
الانضمام: Oct 2004
|
عندما فاض اللون البنفسجي الفاقع..
عندما فاض اللون البنفسجي الفاقع..
عندما أحيل أبو أحمد الى التقاعد ظن أنه سيخلد الى الراحة و الهدوء, بعد أن أمضى ثلاثون عاما في الجيش, خاض خلالها جميع الحروب التحريرية و العدوانية, و شارك في كل الإنقلابات البيضاء و الحمراء و حتى الوردية , و كان في كل الحروب "على حد زعمه" على الخطوط الأولى و في الإنقلابات كان في الكتيبة التي تكلف بالقبض على رأس النظام "السابق". يمكن أن يحدثك أبو أحمد عن بطولات و خوارق أبداها في أنقاذ زملاءه الجرحى أو تفانيه في تدمير العدو و للتأكيد على قصصه يستشهد أبو أحمد بزملاءه و يعدد أسماءهم و القابهم و المناسبات التي ماتوا فيها, و لا ينسى أدق التفاصيل من قبيل تاريخ اليوم و الوقت و حالة الطقس و كل التفصيلات التي لا لزوم لها.
أصرت أم أحمد على شراء سيارة شاحنة صغيرة حمولة طن واحد و ذلك بالمبلغ الذي حصل عليه أبو أحمد بعد تقاعدة,تملل قليلا و تلكأ كثيرا و لكن أين المفر من لسان أم أحمد الذي يخترق احجارة.أستسلم أبو أحمد لعناد زوجته و قد كان يمني النفس بتقاعد مريح يقضيه خلف طاولة الزهر في زاوية مشمسة.سرعان ما أحب أبو أحمد فكرة زوجته و تعلق بسيارته الشاحنة الصغيرة كان يغسلها برفقة زوجته يوميا و لا يسلم مفاتحها لأقرب المقربين.علق أبو أحمد سبعة خرزات زرقاء على مرآة السيارة الأمامية حتى تقيه من شر الحسد و العيون الحاقدة.
أبو أحمد رجل في منتهى الإستقامه و الصدق و لا يرقى الكذب الى كلامه ألا عنما يتحدث عن بطولاته في أيام المجد و الفروسية عندما كان جنديا يخوض المعارض الطاحنة وفيما عدا ذلك لا يعرف الكذب الى حديثه سبيلا,ينعكس صدقه بتعامله مع زبائنه زبائن الشاحنة الصغيرة ,لم يستغل مرة رجلا تقطعت به السبل في مكان ناء و لا سيدة تحمل عددا كبيرا من الحقائب و كثيرا ما كان يسامح زبونا لا يحمل "فراطة" , و قد وصل به الأمر أن ظل يبحث عن زبون نسي في السيارة محفظة جلدية لمدة أسبوع كامل و عندما وجده تبين أن الحقيبة محشوة بالأوراق النقدية و الأوراق المهمة فرح الرجل بعودة محفظتة و كافأ أبو أحمد على أمانته "بحذاء قديم" و علبة سجائر من النوع الذي يفضله أبو أحمد. أحس أبو أحمد بالإهانة لأنه لم يكن يبحث عن صاحب الحقيبة طمعا في مكافأة و لكن أن تأتي المكافأة بهذا المستوى أشعره بأسى و دونية.كان يحدث اصدقاءه بهذه القصة و يقذف هذا الزبون الواطي بشتائم كثيره لقلة ذوقه و تعاليه.
عاد أبو أحمد ذات مساء و بيده كيس"جمفيص"ضخم ألقاه خلف الباب و جلس على كرسيه المفضل,ركضت أم أحمد نحو الكيس الكبير و قالت مبتسمة:
- شو جايبلنا اليوم...لم يرد أبو احمد و تشاغل بخلع قميصه ,عادت أم أحمد السؤال بصوت أكثر ارتفاعا:
- شوفي بهالكيس...تظاهر أبو أحمد مرة أخرى بقلة الإهتمام و رد بإقتضاب:
- ما بعرف....سكت قليلا و تابع بلا مبالاة اقل – واحد نسيه معي بالسيارة.زاد فضول أم أحمد و أقتربت أكثر من الكيس و حاولت تلمسه من الخارج ضرخ فيها أبو أحمد: بعدي عن الكيس. أرتعبت أم أحمد من صوته فأبتلعت ريقها وقد ظللتها غمامة من الفضول و ردت عليه بحدة :ما بدنا نعرف شو فيه.أجاب ابو أحمد بلهجة عسكرية آمره: لأ..ما بدنا نعرف أنشالله يكون شو ما كان. قبض الفضول أكثر على تلابيب أم أحمد و جربت طريقه أخرى قائلة: وبلكي فيه قنابل أو ديلميت.تنفس ابو احمد بقوه و قال و هو ينظر أليها بتحدي :ساعتها بروح شهيد و برتاح منك.لم يفارق الفضول حركات أم أحمد كانت تتقصد الغقتراب أكثر من الكيس و تتقصد لمسه أو رفسه برجلها و هي تروح و تجيء لتضع الطعام لزوجها العائد من يو عمل شاق.كانت تعرف أنه لن يسمح لها بفتح الكيس أو معرفة محتوياته.ذكرته بقصة الرجل صاحب الحقيبة الجلدية المليئة بالنقود و لكنه بصق على الأرض قرفا من ذلك الرجل و تمسك بموقفه الرافض الإقتراب من الكيس قبل أن يظهر صاحبة.
كان كل يوم يحمل الكيس على ظهره و يلقيه بصدنوق الشاحنة الخلفي ,يعمل قليلا و يبحث قليلا ثم يعود مساءا و قد تأبط الكيس ليضعه خلف الباب و ليبدأ فضول أم أحمد الذي لا ينتهي لمعرفة ماذا يوجد في الكيس,مر يومين و ثلاثة و اصبح كيس أبو أحمد حديث نسوة الحي عند الإجتماع الصباحي لتناول القهوه أو عند الإجتماع المسائي "لنتف" أوراق الملوخية أو "تقميع البامية",وكانت القصص تتناثر و تتشعب لتحكي أحداهن عن قريب لها وجد كيس مماثل و بداخله جثه و أخرى عن صديق زوجها الذي عثر على كيس بنفس الحجم و بداخلة أورا نقدية كثيرة.أما الرجال فبدلا من إلقاء تحية الصباح أو المساء على أبو أحمد كانوا يسألونه " خيي بو أحمد لاقيت صاحب الكيس","شو خيي بو أحمد بين معك صاحب الكيس".كان أبو أحمد يشد الكيس أكثر على جسده و يهز رأسه نافيا و يتابع طريقه.
أزداد الفضول أكثر و ضاقت العيون أكثر , و هي تراقب أبو أحمد متأبطا كيسه في الصباح أو عند المساء و لا تنقطع الإسئلة عن الكيس و ما فيه.بعد عشرة ايام كاملة بدأ أبو أحمد يمل من حمل الكيس صباحا و مساءا ,و بدأ يحس أن الكيس يأخذ مساحة كبيرة في صندوق شاحنته مما يعطل عمله,فكر ابو احمد في تسليم الكيس الى الشرطة و لكن زوجته أعترضت و اعترض معها جميع سكان الحي بحجة أن الشرطة مجرد لصوص سيفتحون الكيس فورا و سيأخذون ما فيه دون أن يعذبوا أنفسهم بالبحث عن صاحبة,وافق أبو أحمد على عدم تسليمة للشرطة فهو بحكم خبرته الحكومية الطويلة يعرف خفايا مثل هذه الأمور.حمل أبو أحمد الكيس الكبير و ألقاه خلف الباب ككل يوم و تمتم بصوت عال"شو بساوي بهالكيس مليت من الي خلقوا جايي على بالي كبو بالنهر و أخلص منو" ,و لشو تكبوا بالنهر تعا نشوف شو فيه بالأول" اجابت زوجته."شو بدو يكون فيه لو فيه شي محرز ماكان صاحبو أختغى لهلق" أجابها أبو أحمد, لم تصدق أم أحمد أن زوجها اصبح أكثر تراخيا بشأن الكيس فجذبته بقوة من خلف الباب و ألتقطت سكينا حادة و مزقت الحبل الذي يربطه من الأعلى و فتحته بكلتا يديها تدفعها موجة من الفضول العارم...
يتبع..
|
|
09-25-2005, 09:12 PM |
|