هذه ليست شهادة إبراء ذمة للعلمانية من جريمة العصر التي ترتكب ضد شيعة العراق باسم الإسلام السني ، و لكنها إبراء ذمة للإسلام السني نفسه من جريمة ترتكب باسمه و يعلم الله أنه برئ منها .
إنني في هذه الشهادة لا أتحدث بهويتي السياسية الثقافية كعلماني ليبرالي ،و لكن بهويتي الدينية كمسلم سني . نعم كمسلم سني يقرأ الإسلام كما قرأه محمد عبده بالأمس .. الإسلام القرآني وربه الرحمن الرحيم لا كما يقرأه التكفيريون اليوم إسلاما زيفه الشيطان و السيف الصدئ .
نعم
هذه شهادة لا يمليها سوى الضمير ،و لن يفهمها طيور الظلام ،
فمن يك ذا فم مر مريض .. يجد مرا به الماء الزلال.
عندما يشاهد الكلب ذئبا يشرع في مهاجمته فورا دون أن يكون هناك مبرر لذلك سوى أنهما من فصيلتين مختلفتين ،و لكن الإنسان لا يفعل ذلك أو من المفترض ألا يفعل ذلك ، على الأقل طالما يعتقد أنه أصبح كائنا راقيا يفكر بعقله و ليس بغرائزه و لهذا يقبل الاختلاف . هناك ملايين السنوات تفصل الإنسان عن أصله الحيواني منذ هبط جده العظيم من الشجرة وتوقف عن ريجيم الموز مفضلا اللحم الفيليه . و لكن يبدوا أن الإنسان في منطقة الشرق الأوسط شديد الوفاء لجذوره في الغابة لهذا لم ينس بعد رائحة الدم و سحق المخالف إرضاء لوثن ما .
منذ بداية حكم الأمويين بدأت تتبلور المذاهب الإسلامية الرئيسية كالسنة و الشيعة و الخوارج ، وكلها نشأت بين القبائل العربية ثم انتشرت منها إلى الشعوب الإسلامية الأخرى ،و باستثناء الخوارج تمكنت تلك المذاهب من التعايش في سلام داخل إمبراطورية إسلامية ذات حكم سني غالبا و شيعي أحيانا . حقا لم يخل الأمر من صراعات مذهبية ربما كان أخطرها بين الحنابلة و مخالفيهم من السنة ، و ليس بين الشيعة و منافسيهم !،و لكنها جميعا جرت دون أن تجرد أحدا من حقوق المواطنة ، حتى جاء هذا الزمان الأغبر الذي يقود فيه تكفيري دموي هارب من العدالة في بلاده حرب إبادة ضد الشيعة العراقيين في بلادهم باسم الإسلام ، بينما لا يحرك ذلك فينا سوى بعض عبارات الرفض الخجولة المشروطة ( نرفض و لكن !!) ، وحتى لا يكون هناك زمن كله شيطان أخرس ، أعبر حقول الألغام لأطرح هذا الشريط .
الحق أقول لكم .
لا تكرهوا الشيعة فهم إخوانكم ..
ليس الإسلام هو الذي يأكل أبناءه بل بعض المسلمين يفعلون ، إن الإسلام ليس هو ذلك الدين الفظ الذي يعتقده فقهاء الوهابية ، الدين الذي يحيل المخالف كافرا يستحل دمه ، بل هو دين الرحمة الذي يقبل التنوع و الاختلاف و يعترف بغيره من الأديان و العقائد ، و حتى لا يتلوث هذا الزمان بنا و تلعننا الأجيال القادمة فلنتحرك بشجاعة و نسأل .
1- هل السنة وحدهم هم العرب في العراق وهل وحدهم المدافعون عن عروبته ؟. تلك أكذوبة يروج لها عنصريون لا هدف لهم سوى إعادة نظام دكتاتوري متعفن للتسلط على رقاب العراقيين أو تحويل العراق إلى بؤرة طالبانية جديدة ، هؤلاء الظلاميون أشباه الأميين يزعمون أن شيعة العراق هم مجرد فرس نازحون أو عملاء و طابور خامس للفرس ،و أن الشيعة مع الأكراد مجرد وافدين يحاولون الاستيلاء على أرض عربية مقدسة ،و طبقا لهذه النظرية الهزلية فسنة العراق هم وحدهم الوطنيون و غيرهم مجرد خونة و عملاء . لن يمكننا فهم مثل هذه الدعاوى الملفقة دون وضعها في سياقها الثقافي . إن احتكار الوطن و الوطنية و تأميم العقيدة و توزيع تهم الخيانة و الكفر على الشريك الوطني المخالف هو ممارسة طبيعية في المجتمعات العربية في زمن الانحطاط الحالي ، ولم يكن حكرا على العراق تحت حكم البعث الذي اضطهد الشيعة و الأكراد إلى حد التصفية العرقية و أطلق ضدهم اتهامات التخوين محتكرا وحده الفضائل الوطنية و القومية !، هذه الممارسة هي نتيجة للتخلف الحضاري و سوء السلوك السياسي و سبب لهما أيضا . إن إقصاء الآخر و اضطهاده و ترويعه وفرض الطاعة و الإذعان عليه ، هي بشاعات وقحة مازالت تمارس بوضوح ضد أقباط مصر و الأمازيج في الجزائر و قبائل جنوب و غرب السودان و السنة و الأكراد في سوريا و الشيعة في السعودية و الزيدية في اليمن و البدون في الكويت و الأفارقة في موريتانيا و المواطنين ذوي الأصول غير العربية في دول الخليج .
2- إن دعاوى تخوين الشيعة العراقيين لا تبدوا مضحكة فقط بل هي داعرة أيضا ، فمن المعروف تاريخيا أن قبائل الشيعة العراقية هي التي قامت بالدور الرئيسي في الثورة على الإنجليز في العراق عام 1922 ، و رفضت التفاوض مع المحتل مطالبة بالاستقلال التام ،و أن السنة هم الذين فاوضوا المستعمر و قبلوا الاتفاق معه ،و هكذا تمكنوا من الهيمنة على الحياة السياسية في العراق ، وقد انخرط الشيعة لاحقا في النظام الملكي العراقي قبولا بالشرعية التي تستمدها الأسرة الحاكمة من انتسابها للرسول . بالقطع لا أدين السنة العراقيين فربما كان موقفهم هذا هو الموقف السياسي الممكن الوحيد ،و لكني فقط أوضح لمن يشكك في وطنية الشيعة أنه يناقض التاريخ الموثق فقط كي يسوق أطماعه المفضوحة .
3- هناك من يربط بين الشيعة و أمريكا حتى أنه يفترض مؤامرة أمريكية مع ما يسمى بالهلال الشيعي الذي تتزعمه إيران !، و هناك من يربط الشيعة بإسرائيل مفترضا أن كلاهما يهودا !، و مما يدعوا للسخرية أن أغلب من يفعل ذلك ينتمي لدول وثيقة الصلة بكلاهما ..أمريكا و إسرائيل . حسنا فلنبدأ بأمريكا و نقول مباشرة أن إيران أكبر مراكز الشيعة هي العدو الأكبر لأمريكا في المنطقة و هي وحدها التي لم تنحن لسطوة أمريكا ، أقرر هذا رغم موقفي السياسي و الفكري السلبي تجاه الحكم في طهران ! ، و لو ذهبنا إلى حزب الله الذي يمثل الوجه الشيعي الآخر فسنجد أن أمريكا تراه مجرد منظمة إرهابية . فهل مثل هذا السلوك يدين الشيعة كونهم عملاء لأمريكا أم هي نظرية المؤامرة التي تعمي العين العربية فلا تصدق ما تراه و تعيش في المخاوف و الهلاوس ؟. أما لو تحدثنا عن إسرائيل فيكفي أن طهران وحدها ما زالت صامدة في قضية القدس ،و وحدها ترفض التعامل مع إسرائيل بينما تتسابق كل الدول الإسلامية السنية صحيحة العقيدة في الهرولة على المضمار الإسرائيلي . مرة أخرى إنني لا أدين أحدا فالسياسة تعرف كل السبل ،و لكني فقط أتسائل من هو حقا القريب من أمريكا و إسرائيل ؟.
4- هناك من يربط بين قضيتي فلسطين و العراق بشكل سلبي للغاية حيث يعتبر الكفاح الفلسطيني المسلح هو الوجه الآخر لعمليات المقاومة في العراق و الموجهة أساسا ضد الشيعة !. وهذا الربط سوف يطيح بمشروعية النضال الفلسطيني و ليس بأحقية الشيعي العراقي في وطنه التاريخي .وفي النهاية أتسائل لماذا الإصرار أن نضيف تجربة جديدة فاشلة في تجارب الخيارات الفلسطينية الكارثية .
5- هل السنة مضطهدون في العراق ؟. هناك من يعتبر أن سنة العراق ضحايا لمؤامرة متعددة الأطراف يشارك فيها شيعة العراق مع إيران و إسرائيل و أمريكا و الشيطان نفسه ، هذا الاعتقاد هو نتيجة إلحاح إعلامي عربي يقود معزوفته شخصيات بوزن الملك عبد الله الثاني ملك الأردن و سعود الفيصل و إعلام الحكومة المصرية وغيرهم من زعماء القومية العربية السنية !.هذا الاعتقاد الشاذ يبرر استهداف الشيعة في العراق بعمليات تصفية جسدية مبرمجة ثم التشفي فيهم . و مما يدعم هذا الخطاب تمركز الجماعات الإرهابية التكفيرية في المناطق ذات الأغلبية السنية حيث تتمتع بالحماية و التعاطف و الدعم اللوجستيكي . حسنا دعونا نواجه الحقائق الصلبة .. هناك بالفعل مشكلة حقيقية للسنة العراقيين و لكنها ليست مشكلة دينية مذهبية بل هي مشكلة سياسية . فالسنة يعون جيدا أنه وفقا للعبة الديمقراطية التمثيلية المطروحة الآن ( من تمثيل الشعب و ليس التمثيل عليه كما هو حادث في المحروسة ) سوف يهيمن الشيعة على الحياة السياسية في العراق و سيتم تهميش دور السنة العرب كأقلية مرتبطة بالنظام البائد .إن مشكلة السنة في العراق و في غيره من المجتمعات الخليجية هي مشكلة ثقافة تأبى المساواة أمام القانون ، فالمجتمعات الخليجية تتماس مع أكبر تجمع شيعي في العالم وهو إيران ، وهذه المجتمعات ترتعب و بشكل لا شعوري غالبا من هيمنة إيران الشيعية على الخليج . هذا التخوف التاريخي أدى إلى إن يفرض السنة إرادتهم في المجتمعات الخليجية بصرف النظر عن تمثيلهم النسبي ،و أن يطالبوا الشيعة و غيرهم من الأقليات الدينية و العرقية بالإذعان الكامل ، وقد حدث ذلك في العراق و البحرين . ولا يتصور السنة العراقيين أن يكونوا أول شعب عربي يحكمه الشيعة ، حسنا لن يكون لي أي موقف حيال هذه المعضلة السياسية ، فقط أؤكد أنها مشكلة سياسية عراقية داخلية و ليست أبدا مشكلة مذهبية بين شيعة و سنة ، ومثل تلك المشاكل الداخلية يمكن حلها فقط بدون تدخلات خارجية !.
6- يخشى القوميون الغيورون على العراق الذي يقوده الشيعة من النفوذ الإيراني ، و بالفعل سوف يكون هناك الكثير من التأثير الإيراني على عراق شيعي القيادة ،و لكن هناك فرق بين التأثير و بين التبعية ، فمع كل العلاقات المذهبية بين قم و النجف ستبقى قم إيرانية و النجف عربي ، و هناك بالفعل تأثيرات دينية سعودية مثلا على باكستان و غيرها دون أن تشكو باكستان من ذلك ، بل و هناك نفوذ بالغ للفاتيكان على المارونيين في لبنان دون أن يعلن حسن نصر الله حرب إبادة ضدهم ، بل هذا التأثير قائم الآن و منذ الثورة الإسلامية في إيران ليس فقط على شيعة العراق بل على الشيعة في كل مكان و هذا شيء طبيعي و مفهوم . يبقى أن نسأل أنفسنا هل العرب في حرب مع إيران ، بل لماذا لا يكون الشيعة العرب حلقة وصل بين العرب و بين الإيرانيين ؟.علينا أن نسأل أنفسنا أيضا هل الانتماء العربي هو نوع من العبودية يختزل باقي انتماءات الشعوب العربية الدينية و الثقافية و الإقتصادية ؟.
7- هناك من يثير ما يتعرض له بعض السنة من انتهاكات و مذابح أرفضها بنفس القوة ،و لكني فقط أتسائل هل هذه الانتهاكات هي سياسة منهجية للقيادات الشيعية أو هي خروج على القانون وضد إرادة تلك القيادات ، حسنا سوف أتذكر الآن رد فعل علي السيستاني على إعلان حرب الإبادة على الشيعة الذي أعلنه الزرقاوي الذي يقود ( المقاومة ) السنية في العراق ، لقد رفض السيستاني سياسة الانتقام ضد من أشعل تلك الحرب الطائفية حتى لو استشهد نصف الشيعة في العراق ، وسوف أقارن ذلك بفتاوى التكفير و التبرير التي أطلقها شيوخ الوهابية دعما للإرهاب في العراق .
8- هل الشيعة ملائكة ؟.
لا .. شيعة العراق ليسوا ملائكة بل عرب مسلمين يشاركوننا نفس الأصل و الأرض و التاريخ و المصير .. نفس المميزات و العيوب .. نفس السخافات و الحماقات ..
فلا تكرهوا الشيعة ..و العنوا قاتليهم .
ملحوظة : سوف أرحب بكل رأي موضوعي مهما كان مخالفا ، شاكرا مسبقا للجميع .

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	الشيعة والسنة ليسوا مواطنين!!	رائد قاسم	1	497	04-07-2013, 02:42 AM آخر رد: الوطن العربي
	أمن الدولة اعتبر الشيعة كفارًا ومشركين	fahmy_nagib	3	1,345	11-18-2011, 06:24 PM آخر رد: السيد مهدي الحسيني
	إمام الحرم المكي: علماء الشيعة كفار بدون تمييز.	بسام الخوري	39	11,658	05-23-2009, 10:50 PM آخر رد: فاطمة
	الشيعة الشيوعية في لبنان ، تحت اسم الحزب الشيوعي اللبناني.	Awarfie	2	2,467	12-12-2008, 05:07 PM آخر رد: أبو خليل
	نداء الى الاخوة الشيعة العرب ..	نسمه عطرة	10	1,866	06-05-2008, 05:35 PM آخر رد: محارب النور