أتهامهم و دفاعنا...

في اللحظة التي تلت مصرع الحريري بدأت الأصوات تعلو باسم الجهة التي قتلته, و تحولت الهمهمة الى صوت عال بمايشبه الهدير في مظاهرة عارمة يوم الرابع عشر من آذار و في ذكرى مرور شهر على مقتله.لم يكن هذا الإجماع يقينا جماهيرا بقدر ما كان كان امنية تريد هذه الجماهير المحتشدة لها أن تتحول الى حقيقة تبنوها بصيغة تساؤل العارف بالشيء.كان الخلاف بين سورية و الحريري قبيل لحظة من مقتله قد بلغ الذروة و كان هذا الخلاف معروفا وواضحا و قد تقصد الحريري نفسه نشر أخباره و ذهب بعيدا في ذلك عندما لف يده اليمنى بالجبس الأبيض في اشارة واضحة الى أنه كان مكسور "اليمين" عندما وافق على التمديد للحود.

الخلاف الذي كان معروفا للجميع كان عاملا مساعدا في توجيه أصابع الإتهام و لكنه لم يكن العامل الوحيد, وقد كان سلوك السوري مهينا في لبنان "فسمن" طبقة سياسة وزع عليها ما استطاع من الأسلاب و أعتمد على ولائها في فرض هيمنه طاغية ذابت فيها الذات اللبنانية, فنشأت طبقة أخرى شعرت بمرارة الحرمان من السلطة و أخرى شعرت بمرارة هذه الهيمنه التي تقترب من الإحتلال وهذه المرارة كانت عاملا آخر و جوهري في تشكيل الأمنية الشعبية اللبنانية التي جاءت على شكل أتهام لا يقبل الرجوع عنه للسوريين بقتل رئيس وزرائهم السابق و قد تقصدوا أن يحولوه الى نصف آله ليس تأكيدا على شخصه و لكن تهويلا بالجريمة. و قد نجح بعض القادة التقليديون في تأليب جزء كبير من الشارع لصالح مهمة أتهام السوري و عدم القبول بمتهم آخر.

ثم جاء الخروج السوري من لبنان على خلفية هذا الحدث وقد نجح إئتلاف لبناني بقيادة جنبلاط في نقل هذا الملف الى مجلس الأمن و ساعدهم مناخ دولي مهيء لإستصدار قرارا تأليف لجنة تحقيق دولية.و تعد هذه اللجنة العدة الى أتهام شخصيات سورية مرموقة . مما شد من ساعد تيار أتهام سورية بكل ما يحدث أو سيحدث ,و قد تأكد هذا التيار الآن أن سورية اصبحت قليلة الحيلة تتحرك بخجل و جناح مهيض.

في مقابل التيار اللبناني الذي لم يقبل ألا السوري متهما تشكل بمواجهته تيار سوري وجه الإتهام الى كل من أشار بإصبع الإتهام الى سورية واعاد أليه الإتهام على شكل "رزم" معلبة من قبيل تدبير المؤامرات و حياكة الدسائيس و العمالة و غيرها.و أزداد عرض هذا التيار و كبر بشكل متوافق و مساير للتيار اللبناني المعاكس و قد غذاه الخروج السوري المجاني المذل من لبنان فشعر بخيبة بعد سقوط ورقه سورية كان يراهن بها.و قد كان هذا التيار ضحية الإعلام الذي دأب على تقديم الوجود السوري في لبنان على أنه وجود" شقيق".فأنكر على اللبناني "جحوده فضل التواجد السوري الشقيق" و أعتبره ناكر الجميل و مشروع عميل.و تمدد هذا التيار أكثر ليكيل التهم ذاتها الى كل من "ينفخ" باتجاه سورية و لو بتحليل موضوعي يضع فيه سورية في خانة الإتهام. قد نسي هؤلاء أن وقفة يجب أن تكون هنا في هذا المكان بالذات لمراجعة ما في "الجيب" لإنه اساس لما في "الغيب".

بات من شبه المؤكد أن أتهاما كبيرا سيوجه الى سوريين و قد يتحول الى إدانه و هو أحتمال لا يقل تأكيدا, و هنا قد لا ينفع هذا الفريق السوري الى الذي "يهوش" و يبرأ السوري لأنه سوري أستمرار "أجترار" نظرية المؤامرة لأنها طبخة اصبحت عسيرة على البلع ناهيك عن الهضم.و خاصة أن السلطة قد جربت هذا الحل " أقصد الإغتيال" من قبل فنجحت قليلا و فشلت كثيرا, و لا يجب الدفاع عنها بطريقه متعصبة كما يفعل اللبناني الذي يتهمها بطريقة متعصبة ايضا.

كما أن الإتهام اللبناني ليس كله قائم على معطيات ووقائع فكثير منه تصفيات حسابات و تعصب و حالة من التشفي بعد سنوات طويلة من الصمت الإلزامي,فإن الدفاع السوري ليس كله موضوعيا ايضا لأن معظمه ترديد أعلامي في رفض للتسليم بسهولة لما حدث من خروج مأساوي,و عصبية موازية لعصبية الإتهام و لكن الأخطر من ذلك كله أن بعض "المنافحين" مثقلين بهم طائفي و هم يدافعون بكل ثقل يطيقونه لأنهم يعتقدون بأن أدانة بعض العناصر في السلطة هو إدانة لطائفة.

في كل الأحوال هذا النوع من المشاعر يباعد أكثر بين جغرافيا قي غاية الإلتصاق تكذيبا للسيدة فيروز التي تقول "ربينا سوا".