بسم الله الرحمن الرحيم.


...ان الكلام عن الهويّة متشابكُ و ذو تشعبات ... و لتحديد مفهوم الهويّة أمـر صعب ، وقد استعصى حتى اليوم هذا التحديد..قال الفلاسفة الغربيون عن الهوية : " انها ما يبقى في الروح عندما ينسى كل شيء" أي ، و لتبسيط المفهوم ، فهي : حصيلة تراكم تاريخي يرتبط بثقافة المجتمع و روابط التي تجمع مكونات هذا المجتمع لتحركه . انها " المحرك الذي لا يتحرك" ـ كما قال ارسطوـ ليوجهنا نحو المستقبل ...
ونحن العرب كشعوب عريقة لم يكن ابدًا مشروع الهويّة باشكالٍ عندنا حتى بالنسبة للأقليات غير عربية التي تعيش في وسطنا العربي .لأن المقومات التي تجمع هاته الشعوب اكثر مما يفرقها ، فلا هي بمشروع راهن او مستقبلي لانها موجودة من قبل ، ولا تحتاج لسؤال او تعديل .
لكنها ككل الامور ظلت شيئا مؤجلا ، فصلناه عن الحياة وعن التاريخ ..رغم محاولات بعض المثقفين النهضوية ابان القرنين الماضيين .فمن الحكم العثماني ، الى الاستعمار الذي حاول طمس هذه الهوية بكل الوسائل ، الى حكم الانظمة المستبدة و الشمولية من كسر هاته الطابوهات التي ظلت تحكم الهوية وتقيدها الى درجة صارت عبئا على الشعوب .
نعم لقد مرت هويتنا العربية بهزات من محاولات المستعمر لطمسها ، الى الانظمة الاحادية التي فرضت دمجًا قصريًّا في كل المجالات وتفكيك مؤسسات المجتمع المدني التي هي ثقافة الاساس في صنع الهوية.
وبحجة الخوف من الغرب وعداوته كان الشعار اختيار الطغيان على التهديد الخارجي ، و تبارى بعض " الفقهاء " الى ترديد مقولة :"سلطان غشوم خير من فتنة تدوم". عن قصدٍ و دون قصدٍ. ناسين ان الاستبداد هو مدخل للاستعمار.. وما حدث في العراق دليل على ذلك.
فلم تعد أي دولة عربية اليوم بقادرة على الاحتجاج على جريمة ارتكبت بحقها وحق اخوانها لانها تخاف ان تثير غضب امريكا فتعزل النظام العميل وتنصب نظاما عميلا جاهزا .لقد اجلنا القانون والعدالة والمواطنة الى درجة صرنا نصنف فيها باعداء الحداثة ، وفتحنا الباب للتدخل الاجنبي من جديد، و بقينا ندور ونعيش مستهلكين لثراثنا الثقافي . في حين سبقتنا دول كنا نضحك يوما عليها .متناسين ان ضرورة الحياة تدفع دائما الى الابداع والثقافة هي في نمو دائم لكي تكون حية تتماشى مع الحياة بدل من اجترار ماضٍ أليمٍ .
لنتأمل كلمات مثقف عربي حيث يقول :" ان المشهد الثقافي العربي مخلوق بثقافة الجاهز والسائد ومحاصر بتفاهات الاداري والمالي .يكفي ان ننظر الى جيوش الطلبة و الاساتذة في الجامعات اولئك البعيدين عن رهانات الوطن والمنغلقين بين جدران الجامعة.....يجب ان نقرأ ذاكرتنا الثقافية عربيًا من غير احادية او خلفية ايديولوجية منغلقة لندرك ان العهد العباسي كان اكثر انفتاحًا من هذا العهد".
كيف يمكن في ظل ظروف كهذه ان نتحدث عن مستقبل ولننظر الى حال دولنا .الكل يهرول نحو الاتحاد الاوروبي الجزائر مصر تونس المغرب .سعيا لارضاء الغرب . افشل العرب الجامعة العربية ، واتحاد المغرب العربي ، ومجلس التعاون الخليجي . ويسعون الى توسيع الاتحاد الاوربي متحدين منطق التاريخ والجغرافيا .
من المؤسف حقًّا ان منطق السيادة ينطبق في معايير الخلافات العربية العربية اكثر منه في الخلافات العربية الاجنبية والامثلة كثيرة من المشرق الى المغرب .
يقول الفيلسوف (هيغل): " كل ما هو واقعي عقلاني وكل ما هو عقلاني واقعي". فاين العقلانية .كيف يكذب الاخرون في حق ليس لهم ويصدّقون انفسهم ويسعون الى اقرار كذبهم بكل الوسائل ونشكك نحن العرب في حق لنا حتى التفريط فية ا؟؟

قد اصبحنا في عصر صارت فيه الاستكانة و التفريط في الحقوق اعتدالاً لا خيانة ، و العزة والرفض تطرفـًا لا فضيلة ..وكأنه لا مفرلنا سوى الاستسلام لهذا الواقع المخزي .فهل انطفات جذوة الاحتجاج في هاته الامة ، و صارت الشريعة تقتلع من الوجدان ،
و الهوية في سوق بلا مزاد ؟.
آهٍ ! كم استعذبنا المسكنة ، ولم تعد هناك ذرة من خجل تستر عوراتنا، وصرنا نعهر أسمى التضحيات .

تحياتي