رضوان الذيب

كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يردد دائماً «ان الامريكان اذا أثنوا علينا ‏وامتدحوا مسلكنا في معالجة اي قضية تتعلق بالوطن فهذا يعني اننا نسير في الطريق الخطأ، ‏وإنهم اذا غضبوا منا وهاجموا مواقفنا وسياستنا فهذا هو اكبر دليل على اننا نمشي في ‏الطريق الصحيح الذي يتفق مع مصالح شعبنا وامتنا» فهذا الموقف التاريخي لرجل تاريخي لا ‏يلتقي مطلقاً ولا يتوافق مع المسلك السياسي لمعظم السياسيين اللبنانيين الا للقلّة منهم ‏خصوصاً وان المشهد السياسي خلال اليومين الماضيين انحصر في تحليل مضمون رسالة الرئيس بوش الى ‏الرئيس لحود في ذكرى الاستقلال والتي عمّمها المكتب الاعلامي في رئاسة الجمهورية على وسائل ‏الاعلام «بسرعة قياسية» تلقفتها الاكثرية النيابية بمنظر لا تحسد عليه خصوصاً الطامحين ‏للرئاسة الأولى، فالبعض اصيب «بنزلة برد» والبعض الآخر «بمغص شديد مع ارتفاع في درجات ‏الحرارة»، وآخرون فضّلوا عدم مغادرة منازلهم، فيما البعض حاول رفع معنوياته بعدم ‏اعطائها القيمة اللازمة، لكن هؤلاء أجمعوا على توجيه «اللوم» الى السياسة الاميركية ‏المتقلّبة، لأن هؤلاء «السذج» كانوا يعتقدون ان المجهود الاميركي في المنطقة «مسخر» لخدماتهم، ‏وهذا التطور الاميركي ربما دفع بهؤلاء الى «المشاركة» في حفل الاستقلال. ولا شك بأن رسالة ‏الرئيس بوش أصابت معظم اركان الاكثرية النيابية بدوخة لن تزول الا مع موقف اميركي جديد ‏ومقاطع لبعبدا.‏
اما نواب تيار المستقبل وحلفاؤه فشملتهم «الصدمة» لكنهم بادروا الى الهجوم المضاد، فيعد ‏ساعتين من تعميم الرسالة الرئاسية، بادر المكتب الاعلامي للرئيس السنيورة بتوزيع نص ‏رسالة بوش الى الرئيس السنيورة وما تضمنته من مواقف لم ترد في الرسالة الى الرئيس لحود ‏فيما بادرت اذاعة الشرق التابعة لاعلام المستقبل بنقل خبر عن الاذاعة العبرية الأولى تضمن ‏حواراً بين عقيلة رئيس الجمهورية اميل لحود وعقيلة سيلفان شالوم، فيما تطوع تلفزيون ‏العربية بإذاعة خبر عن مصافحة بين الرئيس لحود وشالوم، لنقل الحدث الى مكان آخر وإبرازه، ‏حتى ولو كان من إذاعة العدو الاسرائيلي طالما يفي الغرض من ترويجه.‏
وفي المقابل فإن اعلام رئاسة الجمهورية وقع في المحذور نفسه، عبر تعميم الرسالة «بسرعة ‏الصوت» وكأنها «أمر اليوم» لجميع من يقف في وجه الرئيس لحود، وتمّ ابرازها كأنها توحي بأن ‏بقاء الرئيس لحود في منصبه مرتبط بفحوى الرسالة وليس بقوة الدستور. وبالتالي خاض اعلام ‏المسؤولين بعد رسائل بوش ساعات ماراتونية تمّ خلالها الاستشهاد بالاعلام الاسرائيلي، وحينها ‏لماذا العتب من قبل الاكثرية النيابية على افتتاحية في صحيفة تشرين.‏
والملاحظ ان المشهد السياسي اللبناني ظهر ومن خلال التعامل مع رسالتي بوش بحالة يرثى لها، ‏وكأن الكلام الاميركي قدر لا مفر منه، وهذا ما يكشف عن طبقة سياسية لبنانية «هي في مكان ‏والعالم في مكان آخر» لا تستطيع بناء وطن وحماية سلمه الاهلي، فالاكثرية «تنام» على ‏مقاطعة ديبل لبعبدا، وتصحو على رسالة بوش وبالعكس في حين ان معظم هؤلاء لا يرون ما ‏تنقله الفضائيات العالمية من صور للقتل وللدمار في العراق جراء ما خلّفته السياسة ‏الاميركية في هذا البلد تحت شعار تعميم الديموقراطية. وكأن السياسة الاميركية جاءت بالمن ‏والسلوى للعراقيين، ويبدو ان معظم السياسيين اللبنانيين لا يقرأون بكتاب عبد الناصر ‏ويفضلون كتب المحافظين الجدد.‏
فالبعض في لبنان لا يعرف ان اللعبة الاميركية لا تقوم الا على المصالح، والاهتمام الاميركي في ‏لبنان وبالطائفة السنية تحديداً مرده الى الاستراتيجية الاميركية الجديدة التي تقوم على دعم ‏الاعتدال السنّي من لبنان وصولاً الى ماليزيا واندونيسيا لمواجهة الفكر السلفي في العراق، ‏والعمل على خلق حلف سنّي بين هذه الدول. وحثها على ادخال جيوش عربية الى العراق لمواجهة ‏الفكر السلفي السنّي وخلق عمليات اقتتال داخل الطائفة السنية، وفي موازاة ذلك، الوقوف ‏بوجه المد الشيعي الايراني في جنوب العراق وما يستتبع ذلك من حروب هدفها اضعاف قوة ‏ايران، وفي الوقت نفسه الجيوش العربية، وربما فتح ذلك الباب امام مواجهات سنية - ‏شيعية، وسنية - كردية، وشيعية - كردية، بدأت تباشيرها من خلال موجة التفجيرات الاخيرة ‏بمساجد عراقية لتحضير الارض من اجل اضعاف الجميع خدمة لاسرائيل، فيما تحتفظ القوات ‏الاميركية بمواقع النفط وحمايتها وهذا ما سيشعل المنطقة وليس العراق فقط.‏
فالاعلام الاميركي بدأ يروّج عن خلافات سعودية - ايرانية، فيما تصريحات احمد ابو الغيط وزير ‏الخارجية المصرية عن مخاطر الوجود الايراني في العراق دليل على ما تخطط له السياسة ‏الاميركية، فالمعادلة امام السعودية ومصر والاردن ولبنان ودول الخليج الدخول في اللعبة ‏الاميركية وإلا فإن أمام الرئيس مبارك الاخوان المسلمون، وأمام الملك الاردني تفجيرات ‏الزرقاوي. وأمام السعودية قوة بن لادن.‏
وفي هذه الأجواء تقف سوريا وحيدة في الممانعة لإدراكها خطورة المشروع الاميركي في المنطقة. ‏لكنها تدرك جيداً ان كلفة الممانعة ربما تكون اقل ضرراً من الرضوخ لهكذا مشروع، خصوصاً ‏وان ما خلفه الاجتياح الاميركي للعراق لا يشجع اي مواطن عربي على تأييد هذا المشروع، لكن ‏الدول العربية تعيش مخاوف حقيقية جراء السياسات الاميركية وهي ربما تعول على الصمود ‏السوري لإنقاذها من الضغط الاميركي، في حين يعيش المجتمع الدولي حالة من القلق جراء المشروع ‏الاميركي خصوصاً روسيا والصين، فأي اضعاف للموقفين السوري والايراني سيصيب روسيا والصين ‏بشكل مباشر، فسيطرة الولايات المتحدة على منابع النفط الايرانية ستشكل كارثة للاقتصادين ‏الروسي والصيني اللذين سيعارضان اية عقوبات على سوريا، وذكرت مصادر اعلامية عربية ان ‏روسيا ابلغت الولايات المتحدة ان اي اعتداء عسكري على سوريا هو خط احمر بالنسبة لها، ‏وهذا ما يدفع روسيا الى حث سوريا على التعاون مع لجنة التحقيق الدولية لسحب الذرائع ‏من امام الولايات المتحدة ولإحداث شرخ بين الموقفين الاميركي والاوروبي الذي يتوجس ايضاً من ‏المخططات الاميركية.‏
ومن هنا فإن على اللبنانيين ادراك بأن ما يجري لعبة دول وامم، واكبر من طموح بعض ‏السياسيين اللبنانيين، فالخلاف الايراني السعودي سينعكس على لبنان وربما كان احد مظاهر ‏الجفاء الاخيرة بين بعض المسؤولين في لبنان وحزب الله وتالياً حركة امل، وهذا ما يفرض على ‏السياسيين تحصين الساحة الداخلية وتعزيز اجواء الوحدة الوطنية، وهذا الخوف ربما البطريرك ‏صفير يعيشه وحيداً في لبنان ويحذر من مخاطره دائماً ويدعو الى التروي والوحدة والحفاظ على ‏لبنان.‏
فجوهر السياسة الاميركية يرتكز الى الشيعة والسنّة ولا وجود للدروز والموارنة في المعادلة ‏الاميركية. انه فيلم اميركي طويل لا يقف الا عند لعبة المصالح. والله يستر.‏