ويطل العام الجديد على العالم بآمال عريضة وتطلعات الى غد أفضل. ويشارك شعبنا البحراني العالم تلك الآمال والتطلعات، ولكنه يعيش على انغام حزينة، بعد ان اكتظت زنزانات التعذيب الخليفية بالأحرار مجددا، واصبح الغراب ينعق على أطلال أوال متشائما من استمرار هذا الحكم الاستبدادي المتخلف. عشرات الشباب يقتادون الى غرف التعذيب بأوامر مباشرة من الحاكم الذي تجاوز أسلافه في استبداده وحقده على شعب البحرين وثقافته وتاريخه، وأبى الا ان يكون وزير ديوانه طائفيا حاقدا. وعلى مدى العامين الاخيرين مارس هذا الحكم شرورا لم تمارس من قبل، فقد أهان علماء الدين الكبار، ابتداء بالعدوان الذي شنه على المسيرة الكبيرة في مايو 2004 التي اصيب فيها كل من الشيخ عيسى احمد قاسم والسيد عبد الله الغريفي، وانتهاء باعتقال العالم الكبير الشيخ محمد سند الشهر الماضي. وسبق ذلك ما قام به الشيخ حمد شخصيا عندما أمر باقتياد الشيخ عبد الامير الجمري من زنزانته ليمثل امامه في وضع مهين، وأمر ببث ذلك المشهد الذي استهل به حكمه على شاشات التلفزيون. كانت تلك رسالة واضحة ليس فيها لبس او غموض بانه سوف يحكم البلاد بقمع علمائها الكبار واهانة الغالبية من سكانها. وقد تواصلت تلك السياسة على أسس فرعونية، فأعلن لشعب البحرين قائلا: لا أريكم الا ما أرى، وما أهديكم الا سبيل الرشاد، فعمد الى الدستور التعاقدي وألغاه، وفرض على الشعب دستورا صاغه ليكرس السلطة كلها بيديه، ويفرض على الآخرين مسايرته والاذعان لما يريد. فأمر بانتخاب مجالس بلدية ليس لها اية صلاحية، وأغدق على اعضائها المكرمات والسيارات الفاخرة ليشاركوه في الفساد ويسكتوا على ممارساته، وأمر بانتخاب نصف اعضاء مجلس الشورى ليقدموا شهادة زور للعائلة الخليفية الجائرة امام العالم. لقد أصبح المشاركون في المؤسسات السياسية للنظام شهداء زور، وبعضهم أشخاص طيبون ومخلصون، ولكنهم لا يعلمون ولا يعون انهم يقدمون شهادة الزور هذه. فهؤلاء يعطون الانطباع للآخرين بوجود حرية وديمقراطية ويضفون على العائلة المستبدة سمات لا تستحقها كالديمقراطية والتطور.
لقد جاء اعتقال الشيخ محمد سند ليؤكد ما كررته المعارضة بان عهد الشيخ حمد من أسوأ العهود التي مرت بها البحرين منذ الاحتلال الخليفي للجزر الآمنة، والسعي المتواصل لطمس هويتها وتاريخها وثقافتها. فمناهج التعليم تتنكر للتاريخ الحقيقي للبلاد، وتسعى لتربية النشء على تاريخ مزور يدعي ان حضارة البحرين لم تبدأ الا بعد الاحتلال الخليفي الذي يسمونه "فتحا" للايحاء بان أهل البحرين كانوا كفارا قبل ذلك. لم يكن ذلك الاعتقال عفويا، بل كان رسالة موجهة الى ابناء البحرين بعدم وجود حرمة لأي منهم، حتى فقائهم، وعاملوه كما عاملوا العلماء الآخرين قبله. فقد وجهت لهم الاهانات باقتيادهم أسرى بأيدي جلاوزة النظام، وفي اليوم التالي يتخذ اجراء مغاير تماما لمنع ردة الفعل الشعبية او الدولية على التصدي لعلماء الدين. وبهذا استطاع الشيخ حمد ايصال تهديداته ورسائله الى من يعنيهم الامر بعدم وجود حصانة لاحد، وان لديه من الجلاوزة ما يستطيع به قمع من يشاء. ابتدأ الحكم الحالي قبل خمسة اعوام باطلاق سراح المعتقلين السياسيين تحت ضغوط دولية ليس على البحرين فحسب، بل على جميع الدول العربية، وكررت ابواق النظام مقولة ان البحرين ليس لديها اي سجين سياسي، ويتجاهل حقيقة اخرى بان ايا من دول الخليج الاخرى، في ما عدا السعودية، ليس بأي منها سجين سياسي واحد، وان الدول العربية عموما شهدت في هذه الفترة تطورا في اوضاع حقوق الانسان، ولم تعد المعتقلات تعج السجناء السياسيين كما كان الوضع عليه في العقود الثلاثة السابقة. ثم طرح الشيخ حمد ميثاقه الذي خدع به ابناء البحرين قاطبة، ولم يف بأي من الوعود التي قطعها لضمان تصويت المواطنين لصالحه. ثم جاءت الانتخابات البلدية وجر المواطنين للمشاركة فيها معتقدين ان بامكانهم اصلاح الاوضاع، وسرعان ما اكتشف اعضاء هذه المجالس انهم لا يملكون اية صلاحية، وان العائلة الخليفية ما تزال تسلب الاراضي وتدفن البحار وتهيمن على السواحل. وفي البداية سمح للجمعيات السياسية بالعمل، وما ان استقر امرها حتى فاجأها بقانون الجمعيات الذي أفقدها مبررات وجودها. فقد وجدت في 2001 لتنظيم العمل السياسي باتجاه اعادة العمل بدستور 1973، ولكنها وجدت نفسها العام الماضي مطالبة باعادة قوانينها ولوائحها لتنسجم مع الدستور الخليفي والتراجع عن الدستور التعاقدي.
مع ذلك يسجل للمناضلين الشرفاء رفضهم الا نصياع للاوامر الخليفية الجائرة، واصرارهم على مواجهة استبداد العائلة الخليفية الجائرة بكل الوسائل السلمية المتاحة. فرفضوا العمل ضمن القوانين الخليفية، وتأسست ظاهرة المقاومة المدنية والعصيان المدني الذي أرهق كاهل النظام، وكشف جرائمه امام العالم. ولذلك جاءت الاعتداءات الوحشية على النشطاء لتفضحه وتكشف سوءاته بعد سنوات من التشويش والتضليل. وما اعتقال الشيخ محمد سند وعشرات المتظاهرين، والاعتداء الوحشي على المواطن المظلوم، محمد (عبد علي) السنكيس، والتعذيب الوحشي الذي مورس بحق المعتقلين في الايام القليلة الماضية الا مؤشر لحالة التوتر التي يشعر بها الفراعنة الخليفيون وجلادوهم، خصوصا مع فشلهم في القضاء على روح المعارضة برغم اساليبهم الشريرة، واخفاقهم في لي أذرع الاغلبية الساحقة من ابناء البحرين. وفي ما عدا حفنة قليلة من المخدوعين الذين قرروا، لأهداف مادية بحتة، اقرار الظلم الخليفي، فان المواطنين فقدوا الثقة في مشروع الشيخ حمد، وأصبحوا اكثر كراهية وحقدا ضد العائلة الخليفية الجائرة التي ترتكب الجرائم بحق ابناء البحرين بدون حدود. وما استدعاء بعض الرموز الوطنية ومن بينها الاستاذ ابراهيم شريف وعبد النبي العكري، الا بداية نهاية المشروع الاستبدادي الذي فرضه الشيخ حمد على البلاد بالحديد والنار. وما تحويل التعذيب من غرف التعذيب الخليفية الى الشوارع الا تعبير عن شعور عميق بالفشل ورغبة شيطانية بالانتقام بعد عام متواصل من الاخفاقات التي مني بها النظام على الصعيد الدولي، وصدور تقارير عديدة تدين العائلة الخليفية الجائرة بشكل علني للمرة الاولى منذ بداية المشروع الفرعوني.
نكتب هذه الكلمات، وقلوبنا تخفق تضامنا مع سجناء الرأي الذين يرزحون في غرف التعذيب الخليفية، فهم يصنعون تاريخا جديدا من النضال السلمي، ويجسدون بجراحهم اصرارا على المقاومة المدنية، ويسطرون بدمائهم ملاحم من البطولات تعيد الى الاذهان قصص السابقين من ابطال اوال. لقد استجابوا لنداء الضمير، فخرجوا مطالبين باطلاق سراح الشيخ محمد سند، فكان سفاحو آل خليفة لهم بالمرصاد، فاعتدوا عليهم بوحشية في المطار. ثم خرجوا مطالبين بالافراج عن معتقلي الجريمة الخليفية في المطار، فنالهم من البطش الخليفي ما نالهم، واعتقلت كوكبة اخرى منهم. وخرج الجياع مطالبين بحق الحياة والآمن من الجوع، فبعث لهم فرعون جلاديه للانتقام منهم. مع ذلك، صمد هؤلاء الابطال، وأبلوا بلاء حسنا في الصبر على المكاره، والتصدي بقبضات ايديهم للبطش الخليفي، فوقف التاريخ اجلالا لهم. فطوبى لهؤلاء الذين يقضون ايامهم ولياليهم وراء القضبان، وقلوبهم تخفق بذكر ربهم، وتأبى الصمت على الظلم، وتدفعهم للتصدي للمنكرات الخليفية الرهيبة. لقد أصبح هؤلاء المظلومون شهداء على الطغيان الخليفي، وسجلوا ملاحم في الصبر والاباء وهزموا جلاديهم بقبضات ايديهم، فلهم منا التحية والاجلال والاكبار، ولهم من الله عظيم الجزاء، لقد صدقوا فطوبى لهم في الصادقين