[Cإيلاف>>جريدة الجرائد

الشاهد الملك الذي يسقط الرئيسين
GMT 20:30:00 2006 الخميس 12 يناير
مجلة الشراع اللبنانية



--------------------------------------------------------------------------------


الجمعة:13. 01. 2006

اعترافات خدام بعد زلزال اغتيال الحريري

*كره بشار الأسد لخدام ناجم عن تربية اللواء محمد ناصيف له

*الأسد الأب سلّم الثالوث خدام والشهابي وجميل شؤون لبنان وناصيف ملف الشيعة لإقامة توازن

*بشار الاسد وقبل رحيل والده كان يعتبر ابناء خدام والشهابي وخاله محمد خلوف مافيا سيحاسبها

*الأسد بعد تسلمه السلطة اعترف بعجزه عن مواجهة الفساد قائلاً: حاميها حراميها

*احد اقرباء الأسد مات وهو يملك ثروة بأربعة مليارات دولار وآخر بلغت ثروته ثمانية مليارات

*10 أشخاص تحدث عنهم خدام يملكون اكثر من ارقام الموازنة السورية السنوية

*الفساد في عهد بشار اكثر جشعاً ونهباً ووقاحة والفساد القديم مزحة امام أرقامه

*الأسد الأب اتصل بالشهابي في اميركا لطمأنته وخدام بعد حملة بشار الشعواء عليه

*قضية دفن النفايات النووية تورط فيها نجل خدام وكشفها السوفيات لكن الأسد الأب احتواها

*أراد الأسد تغيير الزعبي بعد 12 سنة فبدأ الحديث عن فشله وفساد إبنه بعد ان كشف مبارك مشاركته في مشروع توشكي

*ثار الزعبي على الاتهامات متسائلاً: هل ان اولادي هم الوحيدون في جني الثروات الضخمة

*مس الزعبي قدس الأقداس عندما تحدث في رسالة الى الأسد عن اموال النفط

*بشار أبعد كنعان والشهابي وخدام لمصلحة شقيقه ماهر وصهره آصف شوكت وبهجت سليمان (سابقاً)

*خدام وصف بشار بأنه انفعالي وإرتجالي.. وألمح الى ان سلوكه من سمات الضعيف والخائف

*خدام هو الذي اقنع الأسد برفض عرض وحدة اندماجية مع العراق تجنباً للحصار

*3 دوافع سياسية لخدام وراء حديثه: الدفاع عن النفس وأوضاع لبنان في مواجهة الارهاب والاندفاع لمواجهة الثالوث الحاكم في سوريا

*النظام في دمشق يعمل لتحويل ضعفه وخوفه الى جرائم جديدة تحت عنوان ((عليّ وعلى أعدائي))



كتب: حسن صبرا

يكاد المريب أن يقول خذوني.

فالحملة الإعلامية التي أطلقتها أجهزة الاستخبارات السورية في سوريا وفي لبنان، والتي ((توافقت)) على وصف نائب الرئيس السوري المستقيل عبد الحليم خدام بأنه شاهد ملك مثل محمد زهير الصديق، ومثل هسام هسام أكدت أن كلام خدام العلني عن تورط النظام السوري من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أصاب النظام الإرهابي في دمشق في مقتل، ولم يكن للحملة المسعورة سياسياً وحزبياً وتشريعياً وإعلامياً.. وأمنياً أن تصل الى هذا الدرك من الجنون لو لم يمس خدام قدس المقدسات في هذا النظام، ويكشف أسراره الدفينة بشفافية خجولة، مهدداً بالأعظم اذا تابع النظام حملته عليه أو هدده هو، أو أحداً من عائلته أو مسِّهم بسوء.

ومع أنهم في حملتهم المسعورة على خدام أرادوا ان يقللوا من قيمته بطريقة هزلية تافهة، مثل أن يحرموه من لقب السيد أو الرفيق أو أبو جمال، وان يقارنوه بهسام هسام أو محمد زهير الصديق، إلا انهم كشفوا أن الثلاثة.. من قلب النظام السوري مع الفارق بأن هسام والصديق مخبران.. أما خدام فهو نائب رئيس وهو رفيق درب حافظ الأسد 55 سنة، وهو شريك حافظ الاسد في السلطة 30 سنة، وهو شريك بشار الاسد في الحكم مطلع عهده، وهو الناصح الذي لم تسمع نصائحه دائماً من بشار..

لماذا؟

تلك هي القضية.

كان بشار الاسد وهو يتم تدريبه على السلطة في حياة والده يكن كراهية شديدة لعبد الحليم خدام، متأثراً – ربما – بتربية اللواء محمد ناصيف له الذي تولى شؤون أبناء حافظ الاسد باسل وبشار وماهر خلال مراحل طفولتهم وصباهم وشبابهم.

لم يكن أبو وائل يكن وداً لأبي جمال، خاصة مع الإطلالة على الشأن اللبناني مع بدء الحرب الأهلية، وتولي الثالوث الأهم مع حافظ الاسد، حكمت الشهابي وعبد الحليم خدام وناجي جميل شؤون الوضع المتأزم ثم المنفجر في لبنان.. وللتوازن مع هؤلاء سلّم حافظ الاسد محمد ناصيف ملف شيعة لبنان.. حتى اليوم. والتوازن هو أحد سمات عهد حافظ الاسد حتى بدء تسلم بشار الاسد ((ملف)) لبنان في عهد والده.

لقد ابلغ بشار عدداً من أصدقائه العرب، وقبل توليه مسؤولياته السياسية وقبل رحيل والده: أن في سوريا مافيات يقودها أبناء المسؤولين، وكان يسميهم بأبناء عبد الحليم خدام وأبناء حكمت الشهابي وأبناء خاله محمد خلوف، وان أول قرار سيتخذه بعد تسلمه المسؤولية هو مصادرة ممتلكات هؤلاء وإخضاعهم للتحقيق لسؤالهم: من أين لكم هذا؟

وفي لقاء لبشار الاسد مع مسؤول عربي كبير صارحه الاسد الإبن بعد ان أصبح رئيساً بأنه عاجز عن مواجهة الفساد في سوريا لأنه بات يشمل كل نواحي الحياة والمؤسسات الامنية والعسكرية والإدارية والحزبية والسياسية، وأن أي إزاحة لعناصر الفساد الكبيرة في سوريا ستقود الى هدم أسس النظام الذي ورثه عن والده.. قائلاً بالحرف: ((حاميها حراميها))!.

تحدث بشار عن فساد أركان النظام وهم الذين كانوا تحت إمرة والده وشركاء له في صنع الحركة التصحيحية عام 1970، وفي خوض حرب تشرين عام 1973، وفي الدخول الى لبنان عام 1975، ثم في الوصاية الكاملة على لبنان بدءاً من العام 1989، ثم في نهب ثروات لبنان وسوريا معاً خلال 35 سنة، وتحدث عن انهيار النظام اذا ما مسّ أياً من هؤلاء.

فما العمل؟

كشف عبد الحليم خدام في حديثه الى فضائية ((العربية)) مساءي الجمعة والسبت في 30 و31/12/2005 عن رد فعل بشار الاسد تجاه الفساد.

قال – والاستنتاجات من زلزال خدام – ان الفساد تمركز في الحلقة الضيقة حول بشار الاسد والحلقة الضيقة تشمل كل من هم حول بشار، من عائلته الى صهره الى خاله وأولاد خاله وأولاد عمومته ومن معهم..

وأعطى خدام نموذجين لم يسمهما، وإن كان قاربهما تماماً بالوصف أنهم ((العمومة والخؤولة وأولادهم)).

أحدهما مات عن ثروة تقدر بـ4 مليارات دولار وكان قبل السلطة موظفاً بـ200 ليرة سورية أي (4 دولارات شهرياً) والآخر عنده ثروة تقدر بـ 8 مليارات دولار وتحدث خدام عن 10 أشخاص حول الرئيس يملكون أكثر من أرقام الموازنة السورية السنوية.

وبغض النظر اذا كان خدام – بذكائه – يستبق الامور، وهو يتوقع أن يبادر النظام الذي شارك في بنائه الى نبش الماضي الخاص لأركانه، وقد كان لكل واحد منهم ملف تتضمن أوراقه كل المعلومات اللازمة عن كيفية استغلال النفوذ للإثراء غير المشروع، والصفقات والرشى التي كان يتقاضاها، وكانت هذه الملفات هي ثانية سمات عهد حافظ الاسد وتابعها بشار، لكنه ألغى كل ملفات الحلقة الضيقة التي أشار اليها خدام.

فإن خدام أجاب بشار الاسد قبل أن يبدأ الاخير حربه عليه عبر مجلس الشعب والقيادة القومية والإعلام المأجور في دمشق وبيروت والسياسيين المخبرين في لبنان. بأن الرئيس السوري الشاب استبدل فساد الحرس الجديد بفساد الحرس القديم، أي استبدل ما اعتبره فساد حكمت الشهابي وعبد الحليم خدام وغازي كنعان وأفسح المجال لفساد من نوع جديد – قديم، أكثر جشعاً ونهباً ووقاحة بحيث باتت أرقام فساد القديم مزحة أمام أرقام فساد الجدد.. مع فارق آخر أيضاً وهو أن فساد القدامى كان أفقياً ممتداً شاملاً كل أركان النظام في كل القطاعات تحت سمع وبصر ومعرفة حافظ الاسد نفسه.. أما في عهد بشار الاسد وخلال أقل من خمس سنوات فإن الفساد بأرقامه المالية الفلكية بات عمودياً ومركزاً في الحلقة الضيقة حول الرئيس وترك الفتات للآخرين.. هذا ما يستنتجه كل من سمع أو شاهد أو قرأ تصريحات خدام الأخيرة.

إذن

إذا كان بشار الاسد يريد محاربة خدام لأنه فاسد فإنه نفسه هو الأولى بالمحاربة، لان مبرر العداء لخدام سقط بسقوط عنوان الفساد ليشمل كل من حول الرئيس الآن في الحلقة الضيقة.



درس الأب
ولم يكن الامر ينتظر انقلاب خدام السياسي، حتى يتوازن بشار في الانقلاب على خدام في الفساد، فقط سبقه والده حافظ الاسد الى المعالجة المنطقية لانفضاح ملف الفساد في سوريا، عندما شنّت المجموعة المحيطة ببشار الاسد، وهو كان في طور التأهيل للحكم، في حياة والده حملة شعواء على العماد أول حكمت الشهابي وأولاده، وجرى تسريب أخبار الفساد والإثراء غير المشروع، عنهم الى الصحافة العربية والعالمية والإذاعات الدولية من لندن الى مونـتي كارلو.

ماذا فعل حافظ الاسد؟. مباشرة اتصل بالعماد الشهابي وكان في رحلة علاج في اميركا حيث يدرس ولداه وأحدهما طبيب معروف في احد مستشفياتها، وخاطبه بود شديد مؤكداً حرصه على العلاقة الاخوية والرفاقية والانسانية معه، مؤكداً له أن أولاد الشهابي هم أولاد الاسد، داعياً إيّاه الى العودة الى سوريا، والتحرك فيها كيفما شاء وساعة يشاء.

حافظ الاسد لم يكتفِ بهذا الاعتذار المباشر لحكمت الشهابي، بل أجرى اتصالاً آخر بعبد الحليم خدام، وأبلغه انه اتصل بأبي حازم وانه أراد بهذا الاتصال طي صفحة التطاول التي شنتها مجموعة بشار على الشهابي.. في طمأنة أخرى من حافظ الاسد لخدام نفسه.



حكاية النفايات النووية
فلقد سبق لحافظ الاسد ان احتوى قضية خطيرة مست سلوك أولاد خدام، عرفت في سوريا باسم ((براميل النفايات النووية))، مطلع الثمانينات من القرن الماضي. حيث شارك جهاد خدام مع رجل أعمال سوري هو محمد طبالو بالموافقة على دفن براميل نفايات نووية في سوريا، جرى انـزالها في مستوعبات اول الامر في مرفأ اللاذقية، وقد كشفت القصة الاستخبارات السوفياتية يومها عبر سفنها الراسية في هذا المرفأ منذ حرب عام 1973، وقد ابلغت الاستخبارات السوفياتية تحت إمرة يوري اندروبوف (اصبح فيما بعد اميناً عاماً للحزب الشيوعي السوفياتي) الذي ابلغ الرئيس حافظ الاسد بالأمر فتم الكشف عليها ليتبين انها تحوي نفايات نووية قبل ان يتم التعرف على مستورديها والصفقة حولها.

توجه عبدالحليم خدام الى الرئيس حافظ الاسد يعرض له تورط ابنه عن جهل بخطورة الامر، وانه يطلب من الاسد اتخاذ الاجراء اللازم بحق ابنه ومن معه، وإذا استدعى الامر فإن خدام نفسه يقدم استقالته من موقعه وزيراً للخارجية وعضواً في القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم، ويظل جندياً في خدمة النظام وقائده حافظ الاسد..

استوعب الأسد الأب الأمر، وأمر بطي ملف القضية وإعادة النفايات الى حيث أتت وظل خدام في موقعه ثم جرت ترقيته بعد عام واحد ليصبح نائباً للرئيس.



حكاية الزعبي

غير ان حافظ الاسد لم يكن ليتحمل من أحد رجاله أي تطاول منه عليه شخصياً، او مالياً، ودرس رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي فاقع في دلالته، فقد ابقاه الأسد 12 سنة رئيساً للوزراء، ثم لما اراد تغييره بدأ الحديث في سوريا عن فشل الوزارة في تطوير الاقتصاد والادارة، ثم الحديث عن فساد إبنه فلاح الذي كشف الرئيس حسني مبارك للرئيس الأسد انه يشارك بمئات الملايين في الاستثمار في مشروع ((توشكي)) جنوبي غربي مصر، فصارت القضية قضية فساد الإبن والأب وتقرر إعتقال الزعبي مباشرة.

هنا ثار أبو فلاح ((المسكين)) قائلاً: ((وهل ان أولادي هم الوحيدون في الثروات الضخمة.. ولماذا

السكوت على ثروات اولاد المسؤولين الآخرين؟.. ثم خرج الزعبي عن طوره وكتب رسالة للأسد تحدث فيها عن انه كان يقدم مشاريع تطوير للاقتصاد والادارة ويرسلها الى الرئيس ليضعها الاخير في جرار مكتبه، حتى كانت الصاعقة بتساؤل الزعبي عن موارد البلاد وأهمها النفط الذي لا يدخل قرش واحد من بيعه بالمليارات الى خزينة الدولة.

مسّ الزعبي قدس الاقداس وهو يتحدث عن النفط لأنه كان يعلم ان أموال مبيعات النفط السوري تدخل في حساب سري في جنيف باسم الرئيس حافظ الاسد مباشرة، وانه اشرك ابنه باسل بهذا الحساب السري في سويسرا، وعنوانه الدائم هو مصاريف خاصة بالرئيس لحفظ النظام ولأسباب امنية لا يمكن اطلاع الحزب او الحكومة او مجلس الشعب عليها.

إذن

يخطىء من يعتقد ان الفساد في سوريا قد يكون باباً من ابواب التشهير او سبباً للكراهية او الغضب، قد يكون سبباً للمنافسة فيمن يكنـز المال الحرام اكثر، اما ان يكون سبباً للعقاب فهذا غير منطقي ابداً لان الفساد في هذا النظام الارهابي هو احد اسباب بقائه ولن يطلق احد النار على رفيقه بسببه، لأنه كمن يطلق النار على قدميه او ما هو اعلى.

إذن

لماذا إنقلاب بشار الاسد على خدام، ثم إنقلاب الاخير على النظام؟

انه صراع السلطة المنطقي، فبشار الاسد جاء بمجموعة ناقمة على الثلاثي حكمت الشهابي، عبدالحليم خدام، غازي كنعان.. وكان لا بد من الإطاحة بهم، وقد تم التعامل مع هذا الأمر وفق التسلسل الآتي:

*سحب غازي كنعان من لبنان وتم وضع رستم غزالة مكانه، وبدل ان يترقى كنعان منطقياً الى رتبة رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية تم ترتيب هذا الموقع لصهر العائلة العميد آصف شوكت غريم كنعان الرئيسي حتى الوفاة وما بعده.

*جرى التشهير بحكمت الشهابي وأولاده وهو في اميركا حتى تمنع عن العودة الى سوريا.. وهو فعلاً يعالج من مرض البروستات الآن في الولايات المتحدة، ويتولى شقيق الرئيس العقيد ماهر الاسد مسؤوليات عسكرية اهم من تلك التي كانت للعماد حكمت الشهابي ويخضع رئيس الاركان الحالي العماد حسن تركماني لإمرة العقيد ماهر الأسد حيث يملك الاخير السيطرة على اهم فرق الجيش السوري عدة وعديداً وتجهيزاً وتسليحاً ومواقع استراتيجية ومالاً وفيراً.

*اما عبدالحليم خدام فقد تم إحراجه يوماً بعد يوم وتهميش دوره واقصاؤه عن كل فعل حتى اخرج الى باريس.

لم تكتف المجموعة حول بشار الأسد بتهميش الثلاثي الشهابي وخدام وكنعان لمصلحة ماهر الاسد وآصف شوكت (وبهجت سليمان سابقاً) فضلاً عن بشار لثلاثي جديد بديل، بل تمت تصفيتهم سياسياً والبعض يقال جسدياً، فالشهابي لا يستطيع العودة الى سوريا لأنه مهدد بمصير غازي كنعان سابقاً وعبدالحليم خدام لاحقاً.. وغازي كنعان جرى استنحاره بعد مصادرة املاكه وأولاده وتهديدهم بالقتل، اما خدام فإن توجيه تهمة الخيانة العظمى له من قبل الحزب والدولة في سوريا، يعني حكم الإعدام رمياً بالرصاص والتمثيل بسمعته في حياته وهو اسوأ من التمثيل بجثته بعد صدور قرار قتله.. في انتظار التنفيذ.



لماذا الكراهية؟
قد يقول قائل.. ألم يكن ممكناً للعائلة الحاكمة في دمشق، ان تنهي ملف هذا الثلاثي دون هذه الكراهية الشديدة التي كشفت حقداً دفيناً، يجري تفجيره كما اعتادت القبائل والعشائر محاربة بعضها بعضاً في الجاهلية.

خدام تحدث عن احد اسباب هذا السلوك بالقول ان بشار الاسد إنفعالي وإرتجالي، والمنطق يقول ان القوي لا يتصرف بحقد وتطرف، لأن هذه من سمات الضعيف والخائف.

والنظام في دمشق الآن فضلاً عن انه ضعيف فهو خائف رغم انه يملك المال الوفير والسلطة الغاشمة وهو يعتبر ان الغرف من هذين الرصيدين يكفيه، ويعوضه عن كسب رضى الناس المقهورين في سوريا منذ 43 سنة.. بل ان العنف والإرهاب هما دفتا الباب الوحيد للحكم في سوريا.. كما كان في لبنان.



بعث العراق
هل يمكن اضافة احتضان بشار وماهر الأسد، لبعض قيادات حزب البعث العراقي، التي حملت معها الى دمشق مليارات الدولارات تساعد فيها الخزانة السورية رسمياً وشخصياً، سبباً لكراهية الثالوث الجديد لعبدالحليم خدام؟

من المعروف ان اركان النظام السابق في العراق يحمّلون خدام مسؤولية اساسية في تدهور العلاقات بين البلدين.. بل ان بعضهم في بغداد سابقاً يحمِّل خدام مسؤولية نسف اقتراح حمله احد السياسيين القوميين الكبار من صدام حسين الى حافظ الاسد بإقامة وحدة اندماجية بين سوريا والعراق برئاسة حافظ الاسد لإخراج العراق من حصاره، وان خدام هو الذي اقنع الأسد برفضه حتى لا تصبح سوريا في حصار إضافي لحصار العراق.

وكم كان خدام لمـّاحاً وهو يشير الى تسليم دمشق للأخ غير الشقيق للرئيس العراقي الأسير صدام حسين وطبان حسن ابراهيم الى سلطات الاحتلال الاميركية للعراق بعد ان لجأ اليها، ثم تسليم الشهيدين قصي وعدي صدام حسين الى مصيرهما بعد ان رفضت السلطات السورية دخولهما الى اراضيها ثم تسليم نائب رئيس الوزراء الاسير طارق عزيز الى قوات الاحتلال.. تحت وهم صفقة سياسية يمكن ان تعقدها اميركا مع النظام السوري، مثلما ظلت تتعاون معه امنياً حتى تموز/يوليو عام 2005 تحت الوهم نفسه.



لبنان
صعود عبد الحليم خدام كان اساسه ((نجاحه))، في ترتيب اوضاع لبنان كما يعتبره النظام السوري، وهو الذي قدر ان نجاح لبنان هو جائزة النظام في دمشق خلال ربع قرن!!

وإنقلاب خدام كان في أساسه – بالنسبة للنظام ايضاً – كشفه الحقائق عما ارتكب في لبنان من أخطاء حتى خطيئة جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

ومن سخرية القدر ان اصدقاء سوريا الحقيقيين في لبنان من وليد جنبلاط الى رفيق الحريري الذين استطاعت براغماتية خدام والشهابي والى حد ما غازي كنعان الافادة من طاقاتهم وإمكاناتهم خدمة لسياسة النظام السوري داخل لبنان وفي سوريا وفي العالم اصبحوا في نظر الثلاثي الجديد أي بشار وماهر وآصف خونة يجب قتلهم وتصفيتهم، وهذا ما تمت ترجمته من تخوين جنبلاط ومن اغتيال الحريري ومن تهديد كل صاحب رأي حر وكرامة عزيزة، واستقلالية وطنية.

يبقى لبنان، بما يعنيه من جائزة النظام السوري المفضلة طيلة 35 سنة الدافع الاساسي لهذه الكراهية، ولهذا السلوك العنيف المندفع من الثلاثي الجديد بشار وماهر وآصف ضد الثالوث القديم الشهابي – خدام – كنعان.

فلبنان هو الدجاجة التي تبيض ذهباً، وهو البقرة الحلوب، وهو السوق السوري – والمشفى (عندما اصيب فاروق الشرع بنوبة قلبية جرى نقله من دمشق الى الجامعة الاميركية للعلاج)، وهو فوق هذا المرتع المفتوح، ليس لعمل مليون مواطن عربي سوري قد يحتاجهم لبنان او هم فوق طاقته، بل للنهب اليومي والمنظم والمبرمج الافقي والعمودي لأجهزة الامن السورية وقادتها ومسؤوليها السياسيين والحزبيين، الذين تجري عمليات النهب بإسمهم، ولصالحهم، وهم يتولون الحماية والتبرير والضغط على أي رئيس أو وزير او مدير عام او قاضٍ او صحافي اذا تجرأ أي منهم على اعتراض صفقة او التحدث عنها او تسريب اخبارها.

هذه الجائزة المفضلة للنظام السوري، دفعت الثالوث الجديد الذي لم يملك من مشروعية السلطة بعد حافظ الاسد الا توريثه لها اياهم، الى العمل لإزاحة الثالوث القديم، وكل من تعاون معه في لبنان بدءاً من رفيق الحريري الى وليد جنبلاط..

هذا اولاً،

ثم ان هذا الثالوث الجديد، انفعالي، ارتجالي، تعوزه الحكمة والرؤية، مستعجل على الانتقام كما السلطة كما مباهجها ومنتفعاتها، وهو اعتبر ان قيمة وقوة رفيق الحريري الجماهيرية داخل لبنان، وداخل سوريا نفسها خطر عليه وعلى نظامه، فالخائف والضعيف يتصرفان بشك تجاه الآخرين، ولا يجدان علاجاً لمواجهته إلا قتله.. والتخلص منه وقد كانت هذه ايضاً احدى سمات عهد حافظ الاسد عندما يجد ان هناك من يعترض طريقه ولا يمكن له ان يتراجع.

كانت فرق الموت في عهد حافظ الاسد تقتل وهي مطمئنة الى ان احداً لن يحاسبها لأن الاسد كان وفّر لها الغطاء العربي والدولي بأن احداً لن يحاسب او يعاقب، وفق الصفقة التي كان عقدها مع هنري كيسنجر وتقضي بأن يضبط الاسد الوضع في لبنان وفلسطين، مقابل ان تضبط اميركا اسرائيل عن محاسبة النظام السوري، مهما فعل في لبنان.

ازاحة رفيق الحريري كان سبقها تحجيم له داخل سوريا بالحملة على الثالوث القديم، تشهير بالشهابي، عزل لخدام، حصار لكنعان حتى ان التمديد لإميل لحود تمّ رغم ارادة هؤلاء الثلاثة فضلاً عن ارادة الحريري وجنبلاط.

وبعد استنحار كنعان، وتهديد الشهابي بعدم العودة، لم يبق سوى خدام، فبدأت حملة اعلامية سورية في لبنان ضده عبر رجال استخباراتها الذين ما زالوا يسرحون في بعض الصحافة اللبنانية.

خدام ادرك ان الوقت بات مناسباً للرد.. وهو يردد لن اظل صامتاً حتى لا اسمع عبارة (أُكلت يوم أُكل الثور الابيض).

فتحدث وفي حديث خدام ثلاثة دوافع اساسية:

الدافع الاول: هو دفاع حاسم وشرعي عن النفس قبل ان يلقى مصير كنعان موتاً جسدياً والشهابي موتاً سياسياً.

الدافع الثاني: هو دفاع عن اوضاع لبنان الحالية، بعد ان انتقل النظام الارهابي في دمشق من الدفاع بعد التقرير الاول لرئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري القاضي ديتليف ميليس الى الهجوم بعد صدور القرار 1644 الذي اعتبر النظام المجرم انه جاء ايجابياً لمصلحته وقتل الشهيد جبران تويني عشية صدوره.. وكان في خيال النظام المريض الاستمرار في القتل حتى ارغام اللبنانيين على طي ملف اغتيال الحريري ليستمر بالقبض على لبنان بالارهاب ولتفويت أي فرصة لفتح ملفات جرائمه ضد قادة لبنان منذ العام 1975.

الدافع الثالث: هو اندفاع سياسي لخدام او لقوى الاصلاح او التغيير داخل سوريا لمواجهة الثالوث الحاكم الجديد، يتوافق مع الافادة من تقرير لجنة التحقيق الدولية نفسها في مرحلتها الجديدة تحت ادارة القاضي البلجيكي سيرج براميرتس، الذي تلقى من خدام هدية ثمينة وهو لما يتسلم الملف من سلفه ديتليف ميليس، ستضع الثالوث الحاكم في دمشق في خانة ضيقة تلزمه ليس بالدفاع المجنون فقط، بل وأيضاً بالبحث عن مخارج عربية ودولية تحميه فتلزمه بالتراجع امامها، وان كان سيستمر بالمزيد من الضغط على ابناء سوريا المقهورين بكل الوسائل: تظاهرات، بيانات تأييد ثم ضغوط وقهر وإذلال.



كيف ينجح اعتراف خدام؟

مباشرة تلقفت لجنة التحقيق الدولية برئاسة ميليس اعترافات خدام، لتطلب الاستماع الى شهادة بشار الاسد ووزير خارجيته فاروق الشرع، في التهديدات التي تحدث عنها خدام من رأس النظام السوري ضد الشهيد رفيق الحريري، ولن يكون الوقت بعيداً للاستماع مجدداً الى تابعه اللبناني اميل لحود.

ومع الحديث عن الاستماع ايضاً الى شهادة خدام، فإن هذا يعني ان خدام تحول الى شاهد ملك ضد رئيسين للجمهورية في سوريا ولبنان يستنتج كل من سمعه الى اتهامه اياهما بالمشاركة بشكل او بآخر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وهذا يعني وضع مصير رئاستي بشار الاسد في سوريا وإميل لحود في لبنان على بساط البحث امام قوة دفع تمهد لقوى التغيير بأن تطالب بانتخاب بديليهما عاجلاً ام آجلاً.

في لبنان سيتصاعد مطلب تغيير لحود، الذي بدأ حتى قبل التمديد القسري له، ثم اصبح مطلباً شعبياً كاسحاً في انتفاضة 14 آذار/مارس 2005، ثم مطلباً للأغلبية النيابية والحكومية.

وفي سوريا كان المناضل الديموقراطي رياض الترك هو الوحيد الذي تجرأ داخل سوريا وطالب بإستقالة بشار الاسد، وبدأت قوى التغيير في سوريا تبحث في الامر جدياً.



ماذا يفعل الثالوث السوري؟
بسبب ضعفه وخوفه، لن يتصرف هذا الثالوث بحكمة، بل بإندفاع جديد الى الأمام بما يهدد لبنان وسوريا معاً بعدم الاستقرار.. واذا كان مطلوباً من القوى السياسية التي ما زالت تدافع عن جرائم النظام السوري في لبنان ان تستوعب الدرس الاخير من اعترافات خدام وأن تعود الى رشدها، حماية للبنان وانقاذاً لها من المحرقة التي تندفع اليها لاعتبارات اقليمية تمتد من طهران الى لبنان عبر دمشق فإن المطلوب ايضاً من القوى العربية خاصة في المملكة العربية السعودية ومصر ان تضغطا جدياً لمنع تفلت هذا الثالوث من عقاله ليضرب تحت عنوان ((عليّ وعلى اعدائي يا رب))، فالأمر ليس قراراً شخصياً يمس فرداً او اثنين او ثلاثة.. انه مصير دولتين عربيتين هما لبنان وسوريا، ولعل مسارعة الرئيس حسني مبارك لزيارة الملك عبد الله في السعودية لبحث الشأنين اللبناني والسوري بعد اعترافات خدام تأتي بنتيجة لمواجهة هذا النظام الارهابي في دمشق الذي يريد ان يحول ضعفه وخوفه الى جرائم جديدة في لبنان.

OLOR=Red][/COLOR]