{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الخيميائي, باولو كويلو
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #1
الخيميائي, باولو كويلو
:: تمهيـد ::


تناول الخيميائي بيده كتاباً، كان قد أحضره أحد أفراد القافلة، لم يكن للكتاب غلاف، ولكنه استطاع على الرغم من ذلك التعرف على اسم الكاتب " أوسكار وايلد " وهو يقلب صفحاته، وقع نظره على قصة كانت تتحدث عن " نرجس " … لاشك أن الخيميائي يعرف أسطورة " نرجس " هذا الشاب الوسيم الذي يذهب كل يوم ليتأمل بهاءه المتميز على صفحة ماء البحيرة.
كان متباهياً للغاية بصورته، لدرجة أنه سقط ذات يوم في البحيرة، وغرق فيها، في المكان الذي سقط فيه، نبتت وردة سميت باسمه: "وردة النرجس".
لكن الكاتب " أوسكار " لم ينه روايته بهذا الشكل، بل قال أنه عند موت نرجس، جاءت الإريادات (آلهة الغابة) إلى ضفة البحيرة العذبة المياه، فوجدتها قد تحولت إلى زير من الدموع المرة، فسألتها:
- لماذا تبكين؟
- أبكي نرجساً . اجابت البحيرة.
فعلقت الإريادات قائلة:
- ليس في هذا مايدهشنا، وعلى الرغم من أننا كنا دوماً في إثره في الغابة، فقد كنت الوحيدة التي تمكنت من تأمل حسنه عن كثب.
- كان نرجس جميلاً إذاً ؟
مكثت البحيرة صامتةً للحظات ثم قالت:
- أنا أبكي نرجساً لكنني لم ألحظ من قط أنه كان جميلاً، إنما أبكيه لأنه في كل مرة انحنى فيها على ضفافي كنت أتمكن من أن أرى في عينيه انعكاساً لحسني.
- إنها لقصة جميلة جداً. قال الخيميائي.
:: الجزء الأول ::


كان يُدعى سنتياغو.
كان النهار يتلاشى عندما وصل بقطيعه أمام كنيسة قديمه مهجورة، سقفها قد انهار منذ زمن بعيد. وفي الموضع الذي كان يوجد فيه الموهف نمت شجرة جميز عملاقة.
قرر أن يقضي الليل في هذا المكان، أدخل نعاجه من الباب المحطم، ووضع بضع ألواح بطريقه بمنعها بها من الفرار أثناء الليل. لم يكن هناك ذئاب في تلك المنطقة، فذات مرة هربت دابة فكلفه ذلك إضاعة نهار بكامله في البحث عن النعجة الفارة.
مد معطفه على الأرض وتمدد، وجعل من كتابه الذي فرغ من قراءته وسادة.
قبل أن يغرف في النوم أكثر فكر بأن عليه قراءة كتب أكبر، وسيكرس لإنهائها وقتاً أكبر، وسوف يكون له منها وسادات أكثر راحة من أجل الليل.
عندما أفاق، كانت العتمة لاتزال قائمة، نظر إلى الأعلى فرأى النجوم تلمع، من خلال السقف الذي انهار نصفه.
فقال في نفسه:
- كنت أتمنى فعلاً لو نمت لوقتٍ أطول.
فقد رأي حلماً، إنه حلم الأسبوع الفائت، ومن جديد أفاق قبل نهايته. نهض وشرب جرعة من الخمر، ثم تناول عصاه، وأخذ بإيقاظ نعاجه التي كانت ماتزال راقدة، وقد لاحظ أن معظم البهائم تستعيد وعيها وتتخلص بسرعة من نعاسها ولمّا يسعد وعيه هو، وكأنما هناك قدرة غريبة قد ربطت حياته بحياة تلك الأغنام، والتي تطوف معه البلاد منذ عامين سعياً وراء الماء والكلأ.
- قد تعودت على فعلاً لدرجة أنها صارت تعرف مواقيتي ـ قال في نفسه بصوت منخفض، وبعد لحظة من التفكير تراءى له أن العكس هو الصحيح، إذ أنه هو الذي قد اعتار عليها وعلى مواقيتها.
كانت بعض النعاج تماطل بالاستيقاظ، فكان يوقظها واحدة إثر أخرى بعصاه، منادياً كل نعجة منها باسمها، فقد كان مقتنعاً دائماً بمقدرة النعاج على فهم مايقول، وكان يقرأ لها مقاطع من بعض الكتب، أو يتحدث إليها عن عزلة أو سرور راع، بحياته في الريف، ويفسر لها آخر المستجدات التي قد رآها في المدن التي اعتاد أن يمر بها.
مع ذلك منذ قبل يوم أمس، لم يكن لديه عملياً، موضوع محادثة آخر سوى تلك الشابة التي تسكن في المدينة التي سيصل إليها بعد أربعة أيام، لم يكن قد زارها إلا لمرة واحدة في العام الفائت.
كان التاجر يملك متجراً للقماش، وكان يحبذ أن يجز صوف أغنامه على مرأى منه، كي يتحاشى الوقوع ضحية للغش، لقد قاد الراعي قطيعه إليه لأن أحد أصدقائه قد دلّه على المتجر.

× × ×

- أنا بحاجة لأن أبيع قليلاً من الصوف ـ قال للتاجر.
كان المتجر يغص بالزبائن، لذا فقد طلب التاجر من الراعي الانتظار حتى المساء، فذهب ليجلس على رصيف المتجر وأخرج من حقيبته كتاباً.
- لم أكن أعلم أن بإمكان الرعاة قراءة الكتب.
قال صوت امرأة كانت بجانبه، كانت هذه الشابة تمثل نموذجاً لنساء منطقة الأندلس بشعرها الأسود المسدول، وعينيها اللتين تذكران توعاً ما بالفاتحين العرب القدماء.
- ذلك لأن النعاج تعلم أشياء أكثر مما هو في الكتب ـ أجاب الراعي الشاب.
بقيا يثرثران أكثر من ساعتين، هي أخبرته بأنها ابنة التاجر، وتحدثت عن الحياة في القرية، وعن رتابة الأيام فيها، والراعي حدثها عن الأندلس، وعن آخر المستجدات التي رآها في المدن التي مرّ فيها.
كان سعيداً لأنه لم يكن مجبراً على التحدث مع أغنامه دائماً.
- كيف تعلمت القراءة؟ سألت الشابة لتوها.
- كسائر الناس، في المدرسة.
- لكن، وربما أنك تعرف القراءة، لماذا لم تصبح إلا مجرد راعٍ؟
وارب الراعي كي لايرد على هذا السؤال، لأنه كان متأكداً من أن الفتاة لن تفهمه.
تابع رواية سير ترحاله، وعيناها العربيتان الصغيرتان تحملقان قم تنغلقان بفعل الانذهال والمفاجأة.
كان يشعل أن الوقت يمر سريعاً، وتمنى لهذا اليوم ألا ينتهي، ولوالد الفتاة أن يبقى مشغولاً لزمن أطول، وأن يطلب منه الانتظار ثلاثة أيام.
وانتابه إحساس لم يكن قد ألم به من قبل أبداً: إنه الرغبة في الاستقرار في مدينة بالذات مع الشابة ذات الشعر الأسود، فلن تكون الأيام رتيبة متشابهة، لكن التاجر، ظهر أخيرا، فطلب منه أن يجز له صوف أربع نعاج، دفع إليه التاجر ثمن الصوف ودعاه إلى المجيء في السنة القادمة.
حتى الآن لم يكن يعوزه إلا أربعة أيام، من أجل الوصول إلى تلك البلدة نفسها، كان مبتهجاً وبالوقت نفسه مرتاباً من أن تكون الفتاة قد نسيته، فالرعاة الذين يمرون من هنا لجز صوف أغنامهم ليسوا قلائل.
- غير مهم ـ قال متحدثاً إلى أغنامه _ فأنا أيضاً أعرف فتيات أخريات، في مدن أخرى.
لكنه كان في قرارة نفسه يعترف أن لقاءه بها له أهميته، وأن الرعاة كالبحارة أو التجار المتجولين، يعلمون دائماً أن مدينة يوجد فيها من يجعلهم ينسون متعة التجوال في العالم بملئ حريتهم.

بينما أخذت تبدو خيوط الشمس الأولى، بدأ الراعي يتقدم بأغنامه باتجاه الشمس المشرقة.
- إنها تتبعني، فهي ليست بحاجة على الإطلاق إلى اتخاذ قرار – فكر- ربما لهذا السبب فإنها تبقى بقربي، وبقدر ماسيبقى راعيها عارفاً بأفضل المراعي الأندلسية بقدر ماستبقى تلك الأغنام صديقاته، فحتى لو تشابهت الأيام بعضها ببعضها الآخر، مكونة ساعات ممتدة بين طلوع الشمس وغروبها، حتى لو أن تلك النعاج لم تقرأ قط أي كتاب خلال حياتها القصيرة، حتى لو جهلت لغة البشر الذين يررون ماكان يحصل في القرى، فهي تكتفي بالماء والكلأ، وهذا بالمحصلة كافٍ. وفي المقابل فهي تمنح صوفها، وصحبتها بسخاء، ومن وقت لآخر لحمها أيضاً، ولو أنني بين لحظة وأخرى قد تحولت إلى غول وأخذت بذبحها وحدة إثر الأخرى. فإنها لن تستوعب نايحصل، إلا عندما يوشك القطيع على الهلاك، وذلك لأنها تثق بي، ولم تعد تعتمد على غرائزها، وهذا كله لأنني أنا الذي أسوقها إلى المراعي.
أخذ الراعي يفاجأ بأفكاره، وصار يجدها غريبة.
ربما بدت الكنيسة، مع شجرة الجميز المنتصبة في الداخل مسكونة بالأرواح. هل كان هذا هو السبب الذي جعل هذا الحلم يعاوده أيضاً، وهل لهذا يعاني من شعور الغضب تجاه نعاجه، صديقاته المخلصات دوماً؟
شرب قليلاً من الخمر الذي تبقى لديه من عشاء ليلة الأمس، وشد معطفه على جسده، فهو يعلم أن الشمس ستكون في أوجها بعد بضع ساعات، وسيصبح الطقس حاراً جداً، لدرجة لن يستطيع معها اصطحاب قطيعه عبر الريف.
في تلك الساعة من الصيف، كانت إسبانية كلها غافية، الحرارة مرتفعة حتى في الليل، وخلال ذلك الوقت كله يتوجب عليه أن يحمل معطفه معه.
وكلّما كانت تتملكه الرغبة في الشكوى من هذا العبء تحديداً، كان يتذكر أنه بفضله يجابه برودة الصباح الباكر.
- علينا أن نكون مستعدين دائماً لمفاجآت الطقس ـ تخيل عندئذٍ وتقبّل بامتنان ثقل معطفه الذي كان هناك مبرر لوجوده كمثل الشاب، فبعد سنين من تطواف سهول الأندلس، صار يعرف عن ظهر قلب، أسماء مدن المنطقة كلها، وكان هذا ما أعطى لحياته معنى، إنه الترحال ...
كان ينوي هذه المرة أن يشرح للفتاة الشابة، لماذا يعرف راع بسيط القراءة؟ فقد كان يتردد حتى سن السادس عشرة عاماً على المدرسة الأكليريكية، وأهله أرادوا له أن يصبح قسيساً، تتشرف به عائلة متواضعة، من وسط فلاحي، تكد من أجل لقمتها وهي بذلك كأغنامه.
درس اللاتينية والإسبانية واللاهوت، لكنه منذ طفولته المبكرة كان يحلم بمعرفة العالم، ويكسب معرفة أفضل من مجرد معرفة الذات الإلهية أو آثام البشر.
ذات مساءٍ جميل، وهو ذاهب لرؤية ذويه، تسلّح بالشجاعة وأخبر والده بأنه لايريد أن يكون راهباً بل يريد السفر.
- ياولدي، رجال من العالم بأسره قد أتوا إلى هنا، ومرّوا آنفاً بهذه القرية، إنهم يأتون إلى هنا ليبحثوا عن أشياء جديدة، لكنهم يبقون الرجال أنفسهم، يذهبون إلى الهضبة لزيارة القصر ويجدون أن الماضي أفضل من الحاضر، أكانوا ذوي شعر فاتح، أو ذوي بشرة غامقة، فهم يشبهون رجال قريتنا.
قال الشاب:
- لكنني لا أعرف قصور البلاد التي قدم منها هؤلاء الرجال.
تابع الأب:
- عندما رأى هؤلاء الرجال حقولنا ونساءنا حبذوا العيش هنا إلى الأبد.
قال الإبن:
- أريد أن أتعرّف على نساء وحقول وأراضي البلاد التي قدم منها هؤلاء الرجال، إنهم لا يديمون البقاء بيننا.
قال الأب:
- لكن هؤلاء الرجال يملكون المال الوفير، أما عندنا فالرعاة وحدهم من يستطيع رؤية مختلف البلدان.
- إذاً سأصبح راعياً.
لم يضف الأب شيئاً بعد، وفي صباح اليوم التالي أعطى لولده كيس نقود يحتوي على ثلاث قطع ذهبية إسبانية قديمة.
- ذات يوم، وجدتها في أحد الحقول، وكنت أفكر أنها حق للكنيسة بمناسبة ترقيتك فيها، لكن خذها واشتر لنفسك بها قطيعاً، واذهب عبر العالم، إلى أن يأتي اليوم الذي تعلم فيه أن قصرنا هو الأعظم، ونساءنا هن أجمل النساء، ومنحه بركته.

قرأ الولد في عيني والده الرغبة في تطواف العالم أيضاً، رغبة كانت تحيا معه رغم عشرات السنين التي حاول أن يمضيها مقيماً في المكان نفسه يأكل ويشرب ويغفو فيه كل ليلة.

× × ×

تلوّن الأفق باللون الأحمر، ثم بدت الشمس.
تذكر الشاب المحادثة التي دارت بينه وبين أبيه، فأحس بالسعادة، كان قد عرف من قبل كثيراً من القصور، وكثيراً من النساء، لكن أياً منهن لا تعادل تلك التي ينتظرها بعد مسيرة يومين من الآن، كان يمتلك معطفاً، وكتاباً وبإمكانه أن يبادله مقابل آخر، وقطيعاً من الغنم، والأكثر أهمية من هذا كله أنه كل يوم يتحقق حلم حياته الكبير: الترحال ...
وعندما سيتعب من التجوال في ريف الأندلس، فإنه سيستطيع بيع أغنامه ليصبح بحاراً، وعندما سيمل البحر، فإنه سيكون قد تعرّف على مدن كثيرة، ونساء كثيرات، وفرص عديدة ليظل سعيداً.
ثم تساءل وهو يشاهد بزوغ الشمس:
- كيف يمكن للمرء أن يبحث عن الإله في مدرسة إكليريكية؟.
لم يكن قد جاء إطلاقاً حتى هذه الكنيسة، مع أنه مرّ من هنا مرات عديدة.
العالم كبير، لامتناهٍ، ولو ترك أغنامه تقوده، ولو لبعض الوقت، لوصل إلى اكتشاف أشياء جديدة ومفعمة بالفائدة.
- المشكلة هي انها لا تعي أنها تعبر دروباً جديدة كل يوم، ولا تلاحظ أن المراعي تغيرت، وأن الفصول متباينة، لأنها لا تملك من هاجس سوى الماء والكلأ.
- إن الشيء نفسه يجري لكل الناس ـ فكر الراعي ـ حتى بالنسبة لي أنا الذي لم أفكر بنساء أخريات منذ التقيت ابنة ذلك التاجر.
نظر إلى السماء، وقدّر أنه سيكون ـ تبعاً لحساباته ـ في " طريفه " قبل وقت الغداء، هناك ... سيستطيع مبادلة كتابه بآخر أكبر حجماً، وتعبئة زجاجته خمراً، وأن يحلق ذقنه، ويقص ضعره، عليه أن يكون على أتم استعداد للقاء الفتاة الشابة، ولم يكن يريد حتى أن يتصور احتمال امكانية وصول راعٍ آخر قبله، يملك من الغنم أكثر منه، قاصداً طلب يدها.
- إنها تماماً إمكانية تحقيق حلم يجعل الحياة ذات أهمية ـ تخيل رافعاً نظره نحو السماء وهو يسرع في خطواته.
لقد تذكر لتوه أن هناك في " طريفه " امرأة عجوز تعرف تفسير الأحلام، في هذه الليلة حلم بالحلم الذي كان يراوده ... الحلم القديم نفسه ..

× × ×

قادت المرأة العجوز الشاب إلى داخل المنزل، إلى غرفة يفصلها عن الصالة ستار من البلاستيك متعدد الألوان، كانت هناك طاولة، وصورة للأب المقدس السيد المسيح، وكرسيان.
جسلت العجوز، ورجته أن يفعل مثلها، ثم أمسكت بيديه وأخذت بالدعاء بصوت منخفضٍ جداً، كان هذا أشبه مايكون بصلاة غجرية، لقد التقى كثيراً من الغجر في دربه من قبل، فقد كانوا يسافرون أيضاً، لكنهم لم يكونون يهتمون بالغنم، بل ان الشائع بين الناس هو أن الغجري يقضي وقته في خداع الناس، ويقال أيضاً أن هناك عهداً بينهم وبين الشيطان، وأنهم يسرقون الأطفال، ليجعلوا منهم عبيداً لهم في مخيماتهم الغامضة.
عندما كان الراعي الشاب طفلاً صغيراً كان كثير التخوف وتراوده فكرة أن يختطفه العجر، وعاوده هذا الخوف القديم عندما كانت العجوز تمسك بيديه.
- لكن توجد هنا صورة السيد المسيح _ فكّر محاولاً أن يطمئن نفسه، لم يكن يريد ليديه أن ترتجفا، أو أن تلاحظ العجوز خوفه، وفي صمت تلا صلاةً .
- أمرٌ مثير ! قالت العجوز دون أن تفارق عيناها يد الولد.
وابتسمت من جديد، أما هو فقد كان يشعر من وقت إلى آخر بثورة أعصابه، يداه أخذتا ترتجفان رغماً عنه، ولاحظت العجوز ذلك، صمم أن يسحبها على الفوز ثم قال:
- أنا لم آتِ إلى هنا من اجل قراءة خطوط يدي.
وهو الآن يتأسف دخوله هذه الدار وحسب أنه سيكون من الأفضل أن يدفع قيمة الاستشارة وينصرف دون أن يعرف شيئاً، فقد علق دون شك أهمية كبرى على حلم تكرر.
قالت العجوز:
- أتيت تسألني على الأحلام، والأحلام هي لغة الله، وعندما يتكلم الله بلغة البشر فأنا أستطيع تفسيرها، لكنه عندما يتكلم بلغة روحك، فلن يفهمه أحد سواك، وعلى أية حال، عليك أن تدفع قيمة استشارتي.
- حيلة أخرى ـ فكر الشاب، وعلى الرغم من كل شيء فإن الراعي قد قرر المجازفة. إنه يتعرض دائماً لخطر الذئاب، أو لخطر الجفاف، وهذا تماماً ما يجعل من مهنته مهنة هامة ومثيرة.
قال الشاب:
- حلمت بالحلم نفسه مرتين على التوالي. كنت متواجداً مع أغنامي على أرض أحد المراعي، حينما ظهر طفل وأخذ يلعب مع البهائم، وأنا لا أحبذ كثيراً أن يأتي أحد ليلهو مع نعاجي، فهي تخاف من رؤية أشخاص لا تعرفهم، لكن الأطفال ينجحون دائماً في اللهو معها دون أن يسببوا لها الخوف، إنني أجعل لماذا، ولا أعرف كيف تستطيع الحيوانات معرفة أعمار الكائنات البشرية.
- ارجع إلى حلمك ـ قالت العجوز ـ فلدي قدر على النار، بالاضافة إلى أنك لاتملك الكثير من المال وتأخذ وقتي كله.
- تابع الطفل اللعب مع النعاج لفترة ـ أردف الراعي مرتبكاً قليلاً ـ وفجأة أخذ بيدي وقادني حتى أهرامات مصر.
عدل الشاب عن الكلام لحظة، ليرى إن كانت العجوز تعرف ماتكون أهرامات مصر، لكنها بقيت خرساء، ثم تابع:
- عندئذٍ أمام أهرامات مصر، (لفظ هذه الكلمى بمنتهى الدقة، لتستطيع العجوز فهمها جيداً)، كان الطفل يقول لي: " إن تأتِ حتى هنا، فستجد كنزاً مخبأ " . وفي اللحظة التي كان يكاد أن يريني فيها المكان المحدد كنت استيقظ في المرتين.
مكثت العجوز صامتة للحظات، ثم عادت وأمسكت بيدي الشاب اللتين تفحصتهما بانتباه.
- لن أدعك تدفع الآن أي شيء، لكنني أريد عشر الكنز إن وجدته.
أخذ الشاب يضحك، إنها ضحكة انشراح ورضا، فهكذا سيدخر القليل من المال الذي يملكه بفضل حلم صار عبارة عن مسألة كنز مخبأ ! لابد أن تكون المرأة الطيبة العجوز غجرية، فالغجر أغبياء.
- حسنٌ، كيف تفسرين هذا الحلم ؟ .
- أولاً يجب أن تقسم. اقسم لي أنك ستعطيني العشر من كنزك مقابل ما سأقوله لك.
أقسم الراعي، وطلبت منه العجوز أن يكرر القسم، وهو يثبت عينيه في صورة السيد المسيح.
قالت العجوز:
- إنه حلم باللغة الكونية، حلم أستطيع تأويله، لكنه تأويل صعب جداً، يبدو لي أني استحق حصتي مما ستجد، والتأويل هو ذا:
" عليك أن تذهب حتى أهرامات مصر، لم أسمع عنها مطلقاً لكن إن كان من أراك إياها طفل، فهذا يعني أنها موجودة فعلاً، هناك ستجد كنزاً سيجعل منكَ رجلاً غنياً ".
ذهل الشاب للوهلة الأولى، ثم غضب، لم يكن بحاجة للمجيء، لرؤية هذه المرأة من أجل شيء تافه، لكنه تذكر في نهاية الأمر أنه لم يدفع شيئاً.
- لم تك لدي حاجة لإضاعة وقتي مادام الأمر هكذا ـ قال الشاب.
- أنت ترى، لقد كنت قد قلت لك أن حلمك صعب التفسير، الأشياء البسيطة هي الأشياء الأكثر روعة والعلماء وحدهم من يراها، وبما أنني لست واحدة منهم فإنه يتوجب عليّ معرفة فنون أخرى: قراءة الكف مثلاً.
- وماذا عليّ أن أفعل من أجل الذهاب حتى مصر ؟
- أنا لا أقوم إلا بتفسير الأحلام وليس بمقدوري تحويلها إلى حقيقة، ولهذا السبب عليّ أن أعيش مما تعطيني إياه بناتي.
- وإن لم أصل حتى مصر ؟
- حسنٌ، عندها لن أوفى أجري ولن تكون هذه المرة الأولى.
ولم تضف العجوز شيئاً، بل طلبت من الشاب الانصراف لأنه جعلها تضيع الكثير من الوقت.

× × ×

انصرف الراعي خائباً وعازماً على ألا يعتقد بالأحلام بعد الآن، ثم تذكر أن عليه القيام بأشياء مختلفة، ذهب للبحث عن شيء يأكله، ولمبادلة كتابه مقابل آخر أكبر حجماً، وجلس على مقعد في الساحة، ليتذوق الخمرة الجديدة التي ابتاعها.
إنه نهار حار، ولعلّ الخمر، بفضل أحد تأثيراته الخفيّة التي يملكها، يستطيع أن يكون مرطباً له.
كانت أغنامه عند مدخل المدينة، في حظيرة أحد الاصدقاء الجدد. تعرف على الكثير من الناس في هذه الأنحاء، وهذا ماجعله يحب السفر لأيام متتلية، فعندما نرى الأشخاص أنفسهم كما هي الحال عليه في المدرسة الإكليريكية ـ فإننا نتوصل إلى اعتبارهم جزءاً من حياتنا، وبما أنهم يشكّلون جزءاً من حياتنا، فإنهم يبحثون في نهاية الأمر عن تغييرها كما يرغبون بغير رضى، لأن كل الناس يعتقدون معرفة كيف يجب أن نعيش تماماً، لكن أياً كان لا يعرف قطعاً كيف يتوجب عليه أن يعيش هو نفسه حياته الخاصة، كما لدى هذه المرأة المنجمة التي تجهل كيف تحول الأحلام إلى واقع.
قرر الانتظار حتى حلول الظلا، قبل أن يذهب إلى الريف مع نعاجه، فبعد ثلاثة أيام سيلتقي ثانيةً ابنة التاجر.
بدأ بقراءة الكتاب الذي كان قد حصل عليه من خوري طريفه. كان مؤلفاً ضخماً يتعرض لمسألة دفن من بدايته، بالاضافة إلى ذلك كانت أسماء الشخصيات معقدة للغاية. ثم حدث نفسه، بأنه لو قدر لو يوماً أن يؤلف كتاباً، فسوف يورد الشخصيات واحدة واحدة، كي يوفر لقرائه حفظ أسمائها دفعة واحد عن ظهر قلب.
عندما كان يقرأ بتركيز تلك القصة الجميلة عن دفن في الثلج، والتي منحته احساساً بالرطوبة رغم الشمس المحرقة ... جاء رجل عجوز للجلوس بجانبه والحديث معه.
- ماذا يفعل هؤلاء ؟ سأل العجوز مشيراً إلى المارة في الساحة.
أجاب الراعي بلهجة جافة:
- إنهم يعملون ... وتظاهر بالقراءة.
وفي الواقع، فقد كان يحلم بالذهاب لجز صوف نعاجه أمام ابنة التاجر كي تلمس بنفسها مقدرته على الثيام بالكثير من الأمور الهامة، كان قد تخيّل هذا المشهد عشرات المرّات. وأن الشابة تبدو له مندهشة عندما يشرح لها عن الغنم وكيف يجز الصوف من الخلف إلى الأمام، لقد بذل مابوسعه لتذكر بعض القصص الجيدة وروايتها لها أثناء عملية الجز، كانت في الغالب قصصاً قرأها في الكتب، وهو يرويها، كما لو أنه عاشها بنفسه، ولن تعرف مطلقاً الفرق طالما أنها تجهل قراءة الكتب.
أصرّ العجوز على الكلام حينذاك، واخبره أنه متعب وعطش، وطلب أن يشرب جرعة من الخمر، فقدم له الشاب زجاجته علّه يذهب ويتركه بحاله.
لكن العجوز كان يريد الثرثرة بإلحاح، فسأل الراعي عن الكتاب الذي يقرأه.
فكر الشاب أن يكون فظّاً ويغير مقعده، لكنه تذكر أن أباه قد علّمه أن يحترم المسنين، عندها ناول الرجل العجوز الكتاب لسببين: أولاهما، لأنه كان يجد نفسه فعلاً غير قادر على لفظ العنوان، وثانيهما، كي يغير العجوز مقعده إن كان يجهل فعلاً القراءة حتى لا يشعر بالذل.
- هِمْ ـ تنحنح العجوز متفحصاً الكتاب من وجوهه كلها كم لو كان شيئاً غريباً ـ إنه كتابٌ مهم ولكنه ممل جداً.
ولشد ماتفاجأ الراعي عندما وجد أن العجوز يجيد القراءة. وأنه كان قد قرأ من قبل هذا الكتاب. وأنه كتاب ممل كم أكد العجوز، فالوقت لا يزال مناسباً كي يستبدله بآخر.
تابع العجوز:
- إنه كتاب يتحدث عن الشيء نفسه الذي تحدثت عنه الكتب كلها تقريباً، عن عجز الناس في اختيار مصيرهم، وأخيراً يجعلنا ندرك أكبر خدعو في العالم.
- ماهي أكبر خدعة في العالم ؟! سأل الشاب مندهشاً.
- هي ذي: " في إحدة لحظات وجودنا، نفقد السيطرة على حياتنا التي ستجد نفسها محكومة بالقدر، وهنا تكمن خديعة العالم الكبرى. "
قال الشاب:
- بالنسبة لي، لم تجر الأمور بهذه الطريقة، فقد كانوا يريدون أن يجعلوا مني كاهناً لكنني قررت أن أكون راعياً.
- هكذا أفضل لك، لأنك تحب الترحال.
- لقد حدس أفكاري ـ قال لنفسه سنتياغو، بينما كان العجوز يتصفح الكتاب، دون أن يظهر أية نية لردّه.
لاحظ الراعي أن العجوز يرتدي زيّاً غريباً، فقد كان يبدوا أنه عربي الهيئة، وهذا شيء مألوف في تلك المنطقة، فإفريقية على بضع ساعات من " طريفة " ويكفي اجتياز المضيق الصغير بواسطة القارب وغالباً مايأتي العرب للتسوق من المدينة فالناس يشاهدونهم وهم يصلون عدة مرات في اليوم بطريقة تدعو للفضول.
- من أين أنت ؟ سأل الشاب.
- من أماكن عدة.
- لايمكن لأحد أن يكون من أماكن عدة، فأنا راعٍ، ومن الممكن أن أتواجد في أماكن مختلفة، لكنني أنتمي لمكانٍ واحد، مدينة قريبة من قصر قديم جداً، فهناك وُلدت.
- لنقل إذن إنني ولدت في سالم
لم يكن الراعي يعرف أين تقع سالم، لكنه لم يطرح سؤالاً، كي لايشعر بأنه سخيف نتيجة جهله.
انهمك بمراقبة الساحة للحظة، فالناس يذهبون ويجيئون، ويبدون منشغلين للغاية.
سأل الشاب:
- كيف هي سالم؟ باحثاً عن أية علامة لا على التعيين.
- كما هي دائماً من الأزل.
لم يكن في هذا أية علاقة تدل عليها، لكن على الأقل كان يعلم أن سالم ليست في الأندلس، وإلا لكان عرفها.
- وماذا تفعلون أنتم في سالم؟
- ما أفعله في سالم؟!
انفجر للمرة الأولى العجوز ضاحكاً، لكنني أنا ملك سالم، أي سؤال هذا ! ...
الناس يقولون الكثير من الكلمات الغريبة، ومن المستحسن أحياناً أن يعيش المرء مع النعاج الخرساء، ويكتفي بالبحث عن الماء والغذاء، أو مع الكتب التي تحكي قصصاً لاتُصدّق، أما عندما يتكلم المرء مع البشر فإن هؤلاء يقولون بعض الأمور التي تجعلنا جاهلين كيف نتابع الحديث.
قال العجوز:
- أنا أدعى " ملكي صادق "، كم تملك من الغنم؟
- ما يلزم.
كان العجوز يريد أن يعرف الأكثر عن حياته.
- لدينا مشكلة إذن، فأنا لا أستطيع أن أساعدك، مادمت تفكر بامتلاك ما يلزمك من الغنم.
بدأ الشاب يعاني نوعاً من الضيق، فهو لم يكن قد طلب منه أية مساعدة. فالشيخ العجوز هو الذي كان قد طلب خمراً، وأراد أن يثرثر، وهو الذي كان قد اهتم بالكتاب.
- أعد إلي الكتاب، يجب أن أذهب للبحث عن أغنامي ومتابعة طريقي.
- أعطني منها العشر، وسأعلّمك كيف تصل إلى كنزك المخبأ.











01-25-2006, 02:04 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة قارع الأجراس - 01-25-2006, 02:04 PM
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة إبراهيم - 01-25-2006, 05:53 PM,
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة إبراهيم - 01-25-2006, 05:59 PM,
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة راحيل - 02-08-2006, 05:22 AM,
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة إبراهيم - 02-08-2006, 07:43 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  ألف - روية باولو كويلو الجديدة للتحميل . ali alik 4 3,423 01-17-2012, 05:02 AM
آخر رد: ali alik
  جديد باولو كويلو الرابح يبقى وحيدا,تفسير الأحلام نسخة كاملة 672 ص .ومجموعة كتب هامة ali alik 3 3,161 07-05-2010, 01:09 PM
آخر رد: ali alik
  11 دقيقة " رائعة باولو أكويليو " اميريشو 17 4,460 10-07-2008, 12:23 AM
آخر رد: abdelrahman zahran
  رواية الخيميائي - اهداء لمن لم يقرأها, لـ باولو كويلو ابن نجد 3 1,622 12-09-2006, 03:12 PM
آخر رد: ابن نجد
  باولو كويلو - مواطن عالمي 25 3,604 06-17-2006, 11:20 PM
آخر رد: Al gadeer

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS