اليوم ، كنت أقلب القنوات الفضائية ، لأتوقف عند " عرض غنائي " لـ " جاد شويري " . لم ترقني الأغنية ، ولا جاد أيضا .. كل ما في الامر أني قرأت مقالة عنه في إحدى جرائدنا اليومية ، فرحت أطالعه ، لأرى أمره . في " العرض " قام جاد بتقبيل فتاة ، فأخذتني الدهشة . إذ انها المرة الأولى التي أرى فيها " قبلة " في " عرض غنائي " عربي . أخذت أفكر في الأمر : هل من حقه أن يعرض مثل هذه القبلة ؟ وعلى الفور ارتفعت قيمة " الحرية " ، لتضلل جاد بضلالها سامحة له ، ليس فقط بتقبيل النساء ، بل بمضاجعتهن أمام عيون الكاميرات .

فكرت في هذا ، وكنت بالأمس قد خضت نقاشا حاميا بيني وبين أختي عن " مقاطعة المنتجات الدنماركية " ، وكيف أن ما قامت به الجريدة الدنماركية من إساءة يصنف تحت باب " الحرية " ، إضافة إلى أن الدنمارك ليست الوحيدة التي قامت بمثل هذه الإساءة ، لتقابل بهذه الإنتقائية في المقاطعة . ففي هذه الأيام تعرض مسرحية فولتير في فرنسا التي تتضمن سخرية بالنبي ، كما أن المخرج الهولندي المقتول قد أنتج شريطا يتضمن - كما قيل لنا - استهزاء بالإسلام ورموزه . بل إن الأدبيات الإستشراقية لا تخلوا من إساءات كثيرة للنبي ، ابتداء بوصفه بزير النساء انتهاء إلى وصفه بالدموي الإرهابي . أختي لم يقنعها كلامي ، واكتفت بأن وصفتني بالـ " علماني " ، عديم الغيرة على النبي والإسلام .

أخرج من هذا كله ، لأتمشى في طرقات المواقع " الشبكية " ، لأجد الكثير من المقالات من هؤلاء الذين صموا آذاننا بدعوتهم للحرية وتقديسهم لها ، ارتماء على فلسفة الأنوار الأوروبية وانطلاقا منها ؛ أجدهم وهم يسخرون من جموع المسلمين الذين عزموا على مقاطعة الدنمارك ، وقاموا يتناصحون فيما بينهم ويتعاونون على هذا الامر . دون أن يفكر لحظة واحدة أنه ، وكما يبح حلقه دفاعا عن حرية رأي الصحافة ، فإن من حق هؤلاء المستهلكين ، الذين اضطرتهم حكوماتهم وتاريخهم وواقعهم ، إلى ألا يكون في يدهم سوى هذه " الحرية " في اختيار أي البضائع يستهلكون . دون أن يفكر هذا بان مثل هذه الدعوات ، رغم استنادها على مبررات ليست بتلك القوة ، قد تفتح وعي العربي والمسلم على هذه الواقع ، ليفهم منطقه وموقعه في خارطته .

فالقوة التي يمتلكها هؤلاء كـ " طاقة استهلاكية " تستطيع أن تمدهم بشيء من الأنفة والعزة التي لم نزل نطمح إليها .

لا يضر محمد رسم ساخر ، كما لم يضره من قبل توصيفه بأنه ساحر ومجنون وكاهن . لكن في هذا درس لهؤلاء الذين يطلقون ألسنتهم على كل دين : إما سخرية أو دعاء ؛ ان يكفوا ألسنتهم ويتعلموا أن كما لهم مشاعرا فلغيرهم مشاعر.

كما أن مثل هذه المقاطعات الإقتصادية ، التي أتمنى ان يصاحبها عمليات ميدانية على تلك الأراضي ( فللمرء الحرية في أن ينتحر مفجرا نفسه بقنبلة وسط ميدان محتشد بالاسكندنافيين :) ) ، ستجعل من المقدسات الإسلامية محترمة ، وصفحة لابد أن تقرأ بطهارة واحترام .


أخيرا ، أختم بهذه السؤال المفتوح : هل من الحرية ألا يعتدى على جسد الإنسان ، بينما يصبح الاعتداء على شخصه أمرا مباحا ؟

ثمة خلل في المعيار هنا ..


شكرا (f)