قامت محطة سي إن إن الأمريكية، وهي إحدى المحطات الأكثر رصانة أمريكياً وعالمياً بتغطية خبر الرسوم الكاريكاتورية الساخرة من النبي محمد، ولكنها امتنعت عن نشرها مبررة ذلك باحترامها للإسلام.

إن نشر الرسوم ليس مسألة حرية تعبير لمحرر له موقف معين من النبي محمد ولكنه في حقيقته تعبير عن نظرة فوقية للأوروبيين تجاه الإسلام والمسلمين. إن حرية التعبير في العديد من الدول الحرة مقيدة بأخلاقيات محددة تمنع الصحافة من بعض التجاوزات كالتحريض على العنف أو التشكيك بالمحرقة اليهودية.

لو أراد المحرر أو الرسام مناقشة الإسلام لكان له ذلك دون التعرض لرمزه الخاص وهو النبي محمد، ولكان بإمكانه رسم الكاريكاتور باستخدام بن لادن أو شيخ مسلم، ولكن مثل هذا لن يرضي طموحات المحرر العنصرية بالتعميم على دين كامل عبر استهداف نبيه.

وحتى في تلك الدول التي تتوسع في هامش الحرية الصحفية وتسمح بمجال واسع لخطاب غير أخلاقي، كالخطاب العنصري مثلاً فإن مثل هذا الخطاب يصدر من منظمات وهيئات يمينية متطرفة موصومة بالعنصرية. مثلاً ديفيد ديوك يميني أمريكي متطرف يوجه خطاباً عنصرياً ضد اليهود والسود في أمريكا. ورغم السماح له ولأمثاله بهذا الخطاب العنصري، إلا أن الموقف الرسمي وتوجه الإعلام الحر هو مضاد لخطابه ومتبرىء منه.

أما ما حدث في أوروبا، فكان معاكساً لذلك. فقد تبنت أوروبا الرسمية هذا الخطاب العنصري (وليس ذلك مفاجئاً أبداً) ونشرته صحافة تدعي الليبرالية وهي منها براء.

إذن مشكلتنا ليست في حقيقة الأمر مع ناشر الرسومات وإنما مع الموقف الرسمي والإجتماعي منها والذي يقونن العنصرية ويمجدها. أفضل من مثل هذا الموقف هو الفرنسي ساركوزي، ومرة ثانية لم يكن موقفه مفاجئاً.

على الطرف الآخر، كان جانب واسع من الاحتجاج الإسلامي حضارياً وراقياً، حيث شمل مقاطعة اقتصادية فعالة ومدروسة، يضاف له اعتراض دبلوماسي عبر استدعاء السفراء. إلا أن المقلق هو تحول هذا الاحتجاج نحو العنف، وهنا المشكلة الوحيدة على الطرف الإسلامي في هذا الموضوع. إن الرسوم الصحفية مؤذية لمشاعر المسلمين وعنصرية بحقهم، ولكن هذا ليس مبرراً على الإطلاق للرد العنيف على ذلك. إن المعضلة الأخلاقية الكبرى التي يجابهها المسلمون هي التعامل مع حقيقة أن الرد يجب أن يكون متجانساً مع الفعل. إذن مقابل صور ومقالات صحفية، فممن المبرر الاعتراض الصحفي والدبلوماسي والمقاطعة الاقتصادية، ولكن من غير المقبول أبداً تحويل ذلك إلى أعمال عنف سواء كانت موجهة ضد أبرياء (كما سمعنا في التهديدات هنا وهناك) أو كانت موجهة ضد الصحيفة ومحرريها. الرد العنيف يقلب الموازين ويحول المسلمين من موقف الضحية التي يقبل منها الاعتراض إلى موقع الجاني الذي يستوجب منه الاعتذار.